جديد وزارة الجباية: ضريبة باهظة على بيوع عقاراتكم
لن تزيد الحكومة رواتب المواطن إلا من جيوبه، هو نظام ضريبي جديد لدى وزارة المالية لم تبح به بشكل مباشر، إلا أنه ليس من الصعب استنتاجه من خلال ممارساتها اليومية، وإذا كنتم تريدون تحقيق عدالة ضريبية فلنبدأ من العقارات التي تسكنونها. ضريبة البيوع العقارية هي آخر إنجازات وزارة المالية، ذلك القانون الضريبي الجديد والذي يقضي بتعديل القانون القديم رقم 41 لعام 2005، والمتعلق بالبيوع العقارية والضرائب المفروضة عليها، فمشروع القانون الجديد سيقوم بفرض ضريبة على العقارات المباعة بين الناس قيمتها 1% «فقط» من القيمة الرائجة للعقار -على حد تعبير وزارة المالية- على اعتبار أن كلمة «فقط» تخفف وطأة القيمة الكبيرة للمشروع الجديد، لكن الضحية دائما وكما جرت العادة هو المواطن.
الفشل في مكافحة الفساد الضريبي وراء القانون
أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور إبراهيم العدي قال إنه يوجد صعوبة بالغة باستصدار هذا القانون، خاصة وأنه لم يلاقِ قبولاً لدى المواطن، إضافة إلى أنه يجب معرفة المستفيد والمتضرر من هكذا تشريعات، وبعدها يحدد فيما إذا كان يجب إصداره أم لا. وأشار العدي إلى أن «هذا القانون سوف يؤدي إلى نتائج كارثية وسيئة بالمرحلة القادمة، خاصةً في مرحلة إعادة الإعمار، لأنه يهدف إلى فرض ضريبة على البيوع العقارية بالسعر الرائج، عن طريق فرض ضريبة على القيمة التخمينية بحسب تقديرات وزارة المالية»، وأكد العدي أن «عدم القدرة على مكافحة الفساد أدت إلى اللجوء إلى هذا المشروع، على الرغم من أنه سيعرقل عمل المواطنين ويخلق بيئة استثمارية معقدة لا سيما أننا في مرحلة مفصلية في تاريخ سورية والتي هي مرحلة إعادة الإعمار، وهنا لا بد من التذكير أننا ننتقل من نظام ضريبي سيء إلى نظام ضريبي أسوأ خاصة وأن مسح سورية عقاريا في الظروف الراهنة أمر غير ممكن، ومهما كانت الأسس والمعايير الموضوعة من قبل وزارة المالية ستكون القيم المحددة من قبل اللجان بعيدة عن الواقع، وعلى سبيل المثال لنفترض شقة سكنية في تنظيم كفر سوسة في دمشق، سعرها الرائج مليار ليرة سورية وضريبة بيعها الحالي وفق القانون «رقم 41» هو 25 ألف ليرة سورية ستصبح ضريبة بيعها على القانون الجديد 10 مليون ليرة سورية، وهذه القفزة غير المعقولة ستكون في المجهول، وستنعش تجارة العقارات غير النظامية وستجبر البائع والمستثمر على الاستعانة بأساليب احتيال خطيرة ومؤثرة في بنية الدولة والمجتمع.
لجان للإبادة
يعتقد الدكتور العدي أن اللجان التي سيتم تشكيلها، لتخمين قيمة العقارات سيشوبها الفساد، مشيرا إلى المقولة السائدة «إذا أردت أن تقتل مشروعا فشكل له لجنة»، خاصةً وأن أسعار العقارات تتبدل بحسب سعر الصرف والاستقرار الأمني، فمثلا إذا كان سعر العقار عند تحديد قيمته الرائجة 50 مليون ليرة وكان سعر الصرف عندها 450 ل.س، فإذا انخفض سعر الصرف إلى 300 ليرة بعد شهر سينخفض سعر العقار والضريبة ستبقى محسوبة على سعر الصرف القديم. إضافة إلى أن أسعار العقارات تتأثر بالبعد عن مركز المدينة وبحالة الرواج والكساد، والمستوى الاجتماعي للقاطنين، وقبل كل هذا تعد العقارات ملاذا مضمونا للاستثمارات وهو ما يعني وجود عوامل عديدة لتحديد سعر العقار، وليس اللجنة التي تحددها وزارة المالية، ومشروع القانون هذا يمثل هروبا إلى الأمام وتغطية على الهدر في الإنفاق العام والتهرب الضريبي. ويرى العدي أن من يريد أن يطور ليس عليه أن يعرقل، ولذلك فإن المطلوب هو التفكير في خلق مناخ استثماري جاذب، ينشط عمل شركات التطوير العقاري وبذلك، يجب عدم القيام بإصدار تشريعات معرقلة و»مفرملة» للاستثمار العقاري ممثلة بقانون البيوع العقارية الجديد، وبيَن الدكتور العدي أن الحل يكون بالاستناد إلى نقطة ارتكاز أساسية والتي من الممكن أن تكون بمضاعفة قيمة الضريبة في القانون القديم 10 أضعاف أو 20 ضعف كمرحلة انتقالية على الأقل، فإذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع، إضافة إلى أنه يجب التفكير ملياً قبل فرض ضريبة على العقار السكني، ومن الممكن حصرها بضرائب على العقارات التجارية وعلى الفروغ.
عِصِيّ في عجلات الإعمار
بعد الحملات الدعائية الكبيرة التي تقوم بها الحكومة يومياً للترويج لنفسها على أنها حكومة إعادة الإعمار، بدأت تعرقل هذه العملية من حيث لا تدري. فهذا القانون سيضع العصي في عجلات إعادة الإعمار، خاصة فيما يتعلق بعمل شركات التطوير العقاري، من خلال تحديد الضريبة كنسبة من القيمة الرائجة عن طريق الوصف المالي العقاري، وتبعا لذلك فإن وزارة المالية تهتم فقط بزيادة الحصيلة الضريبية من دون التفكير بعملية إعادة الإعمار، والانتقال من القانون القديم إلى القانون الجديد أشبه بالشعارات، والسبب أنه ليس لدى الوزارة الإمكانيات لتحديد القيمة الرائجة للعقارات في المحافظات والمناطق السورية.
أساليب احتيال!
ومن أجل الالتفاف على القانون الجديد سيكون هناك عدد من الأساليب الاحتيالية التي من الممكن أن يتم تطبيقها ككتابة عقد لتأجير المنزل لمدة 99 عاماً بدلا من كتابة عقد لبيعه، وهنا سيكون الموضوع شكلاً عبارة عن إيجار ولكنه مضموناً عبارة عن بيع، هذا إضافة إلى ما سيبتدعه أصحاب المكاتب العقارية من أساليب احتيال، سيكون الخاسر الأكبر فيها هو الدولة والمواطن، ولذلك يبرز هنا مطلب تبسيط القوانين، وليس تعقيدها لأننا لم نحصد من تعقيد القوانين سوى الفساد المالي والإداري وعودة الالتفاف مجدداً عليها، والأهم من ذلك أن الالتفاف على القانون بطرق مختلفة سيفوت على خزينة الدولة ما كان من الممكن تحصيله فعلاً.
الالتفاف على المصطلحات
استخدمت وزارة المالية مصطلح «التصويب الضريبي» وليس زيادة الضرائب، وهذا الكلام يشكل استخفافا بعقل المواطن الأمر الذي يذكرنا بتصريحات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عندما تزيد الأسعار وتطلق مصطلح «تعديل»، ومهما كانت المعدلات منخفضة ستنتج قيما مرتفعة لن يتقبلها المواطن ولا المستثمر، وستعرقل عمل شركات التطوير العقاري لأن هذه الشركات ستحرص على التعامل «بشفافية». وبهذا فإن هذه الضريبة ستؤدي إلى ارتفاع أسعار العقارات، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة عدد العشوائيات نتيجة الفرق الكبير في الأسعار بين المناطق المنظمة والمناطق العشوائية، وهو ما سيخلق مشكلة مؤجلة، وأي مشكلة مؤجلة تعد كارثة وبذلك سنزيد إلى سوق العقارات مشكلة متوارثة، إضافة إلى مشاكله صعبة الحصر.
لا نهدف إلى زيادة الأسعار
تعمل وزارة المالية على مبدأ أننا «لا نهدف إلى السوء ولكن إذا حصل انعكاس سلبي لهذا القانون فليس ذنبنا، حتى ولو كانت جميع المؤشرات تشير إلى سلبيات متوقعة».
مدير السياسة الضريبية في الهيئة العامة للضرائب والرسوم بوزارة المالية منذر ونوس إن «مشروع قانون ضريبة البيوع العقارية لا يهدف إلى زيادة الأسعار، لوجود العديد من العوامل التي تتحكم بشكل أساسي بسوق العقارات مثل العرض في السوق، والطلب الفعال، المنطقة، الخدمات العامة، المستوى العام».
كما أكد ونوس أنه «من أهم أهداف مشروع القانون، السعي لتحقيق عدالة ضريبية لهذه الضريبة، حيث أنه في ظل الضريبة المطبقة وفق القانون النافذ من الصعب تحقيق مستوى العدالة المرغوبة، خاصة وأن القيمة المالية (أساس فرض الضريبة وفق القانون الحالي) للمنزل الموجود في منطقة عادية تقارب القيمة المالية للمنزل الموجود في منطقة فخمة بعكس القيمة البيعية الفعلية، وهو ما يعني عدم العدالة بالضريبة المتوجبة على بيع هذين المنزلين، ولذلك فإن المقترح الحالي هو تحديد قيمة رائجة للعقارات وليس القيمة البيعية. كما لفت ونوس إلى أنه «سيتم أخذ مجموعة واسعة من المعايير ليتم تحديد القيمة الرائجة للعقار بشكل تقريبي».
لجان تعمل ومضاعفة القيمة غير مجدية
فيما يتعلق بلجان التقدير للقيمة الرائجة قال ونوس «إن العمل اليوم يتم بوزارة المالية بتقنية أعلى بحيث تكون هذه العملية مؤتمتة إلى أبعد حد، واللجان لن تكون موجودة في كل عملية بيع، وسيتم تحديد قيمة العقار وفق برمجية محددة يتم العمل عليها حاليا عن طريق معايير خاصة بكل منطقة، إضافة إلى معايير خاصة بالعقار ذاته، ونحن حالياً في الخطوات الأخيرة للتعاقد على هذه البرمجية.»
وقال مدير السياسة الضريبية إنه «سيتم تقدير قيمة العقارات بشكل مسبق بحيث يتم إبعاد العامل البشري الى أبعد حد ممكن، ويتم العمل على أن يتمكن المواطنون من التعرف على القيمة الرائجة لعقاراتهم عبر هذه البرمجية ودون أي عبء من أي نوع وعبر الشبكة».
وعند السؤال حول سبب عدم الانتظار لفترة أكبر بحيث يزيد العرض في العقارات، وتعود الأسعار لقيمها الحقيقية قال ونوس «لا بد من الانتباه إلى أن الموضوع يثار وكأن الصك التشريعي قد صدر، ولكن الأمر مختلف عن ذلك، لأن مشروع القانون مازال مشروعا، ويجب الانتظار لفترة كي يتم تحضير البنية التحتية والبرمجية اللازمة لإدارة العملية التي نعمل عليها بدقة تامة، مع الأخذ بالاعتبار أن هذه الضريبة تسدد من قبل البائع فقط وعلى عملية البيع فقط». وحول سبب التفكير في تطوير هكذا قانون في هكذا وضع قال ونوس «لم نرض عن القانون رقم 41 ولذلك قررنا تحسينه لصالح تحسين مستوى العدالة الضريبية»، وأشار ونوس إلى أن «إحدى الطروحات التي قدمها البعض هي مضاعفة القيمة المالية الحالية المسجلة لدى الدوائر المالية، ولكن هذا لن يغير بالفوارق الموجودة بين المنازل، وبهذا لن يحسن العدالة الضريبية، ولذلك الهدف هو القرب من الواقع وتحسين مستوى العدالة الضريبية».
لماذا لا تفكر المالية بانتظار إعادة الإعمار؟
على اعتبار أن الحكومة تدعي العمل على تطوير القوانين من أجل مرحلة إعادة الإعمار، كان لا بد من السؤال عن سبب عدم انتظار قدوم هذه المرحلة بشكل فعلي كي يبدأ سوق العقارات بالانتعاش، وهنا قال ونوس «نعمل حاليا للوصول الى نظام ضريبي عصري يحقق الأهداف المرسومة ضمن السياسة المالية والرؤية الاقتصادية والاجتماعية للدولة، للتحضير لمرحلة إعادة الإعمار القادمة، وهذا المقترح جزء من رؤية إصلاح النظام الضريبي، ولا يخفى على أحد أن الضرائب مورد أساسي للموازنة العامة للدولة، وهي تنعكس بشكل مباشر بالنفع على المواطن.
كما أن مشروع تحديد القيمة الرائجة للعقارات سيكون له العديد من الآثار الإيجابية على المواطنين، والعديد من الجهات من مصارف وتأمين…الخ، ومن أهمها المساعدة بتحديد قيمة الضمانات العقارية لتعزيز سوق الإقراض في المرحلة القادمة للمواطنين والمستثمرين المختلفين».
المكاتب العقارية
بعد جولة على عدد من المكاتب العقارية والتي لها خبرة طويلة في عمليات بيع وشراء وتسجيل البيوت، أكدوا أن هذا القانون سيؤدي حتماً إلى ارتفاع أسعار العقارات، وأشار معظم أصحاب المكاتب إلى أن ما يتحكم بأسعار العقارات ليس فقط العرض والطلب وإنما سعر الصرف، وعلى الرغم من وجود عرض كبير على المنازل لبيعها، لكن لا يوجد طلب مقابل لها على الشراء، ولم ينتج عن الأمر أي انخفاض للأسعار وذلك بسبب ارتفاع سعر الصرف، ومن وجهة نظر أصحاب المكاتب فإن تطبيق ضريبة البيوع العقارية الجديدة القائم على فرض ضريبة بنسبة 1% من القيمة الرائجة للعقار سيؤدي إلى التحايل على القانون، ويفتح المجال للفساد في عمليات تقدير القيمة السوقية للعقارات وكيفية تغيراتها.
وفي النهاية من الممكن القول: إن أكثر ما يثير السخرية أنه عند الإعداد لقوانين جديدة كهذا القانون، تخشى الجهة المعدة له من الفهم الخاطئ من قبل الغرب على مبدأ نظرية المؤامرة التي يتبناها الكثيرون، وهنا لا بد من القول أنه «إذا كان التخطيط الحالي من مصلحة المواطن ولصالحه» فلا خوف من أي مؤامرة لأن اتحاد المسؤول مع المواطن من شأنه أن يشتت أي مؤامرة ويضعفها.
لجين سليمان – الأيام
إضافة تعليق جديد