ثلاثة شروط إسرائيلية لوقف النار وتهديد بضرب سوريا
بعد يومين من الغارات على لبنان، سعت القيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية إلى بلورة أهداف أكثر تواضعا من تلك التي أعلنتها في بداية حرب <الجزاء المناسب>. وبدلا من الحديث عن <طحن> حزب الله والتباري في إعادة لبنان 20 أو 150 سنة إلى الوراء، حدد رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت ووزير الدفاع عمير بيرتس ورئيس الأركان دان حلوتس شروطا مختلفة.
فقد اعتبر أولمرت أن الهدف المركزي هو إجبار الحكومة اللبنانية على تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الرقم .1559 ولذلك فإنه أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان باستعداده لاستقبال البعثة التي أرسلها للبحث في الوضع المتوتر. لكنه اعلمه أنه مستعد للبحث فقط في سبل إعادة الجنديين فورا إلى إسرائيل من دون قيد أو شرط وطرق تنفيذ القرار .1559
أما وزير الدفاع فأكد في مداولات داخلية أن الغاية المحددة الآن للعملية هي إبعاد حزب الله إلى ما وراء مجرى الليطاني والتأكد من انتهاء خطر الصواريخ. وأشار إلى أن إسرائيل ستسعى إلى تحقيق الهدف الأقصى وهو تنفيذ القرار .1559
وبدأ قادة الجيش الإسرائيلي في تقليص التوقعات، وهذا ما تبدى في المؤتمر الصحافي الذي عقده حلوتس في <هكرياه> في تل أبيب. وكان ضباط كبار قد أشاروا إلى أن الهدف الملموس للحملة هو ضرب حزب الله بأشد قوة ومحاولة تقريب القدرة الصاروخية للحزب إلى الصفر قدر الإمكان. وأثارت هذه الأهداف، التي تنطوي على تراجع عن التهديدات الأولية، انتقاد عدد من القادة السابقين الذين يخشون من تورط إسرائيل مرة أخرى في <المستنقع اللبناني>.
وفي هذا السياق، أبدى قائد الجبهة الشمالية الأسبق والنائب السابق لرئيس الموساد الجنرال عميرام ليفين اعتقاده بأن على إسرائيل أن تكتفي بالجانب العقابي. وقال أنه لا يمكن تجريد حزب الله من سلاحه في حملة عسكرية ولذلك من الأفضل لإسرائيل اعتبار هذه الحملة مهمة عقابية وتحديد سقفها الزمني، واللجوء بعد ذلك إلى وقف العملية وانتهاج أساليب ضغط سياسية.
وفيما يتنافس المعلقون السياسيون والعسكريون على تحديد المهلة التي يمكن لإسرائيل استغلالها للتصعيد ضد لبنان من دون إثارة الرأي العالمي ضدها، تطالب القيادة العسكرية الجمهور بالصبر. وتتراوح تقديرات المعلقين لاستمرار الحملة ما بين خمسة أيام إلى أسبوعين. ولكن قلة تعتقد أن الحملة يمكن أن تستمر شهورا.
وفي كل حال، فإن حلوتس عقد مؤتمرا صحافيا لعرض الأهداف الجديدة للحملة الفرعية التي باتت تسمى <تغيير الوجهة>. وللمناسبة، تم عقد هذا المؤتمر قبل وقت قصير من الرسالة الهاتفية للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عبر قناة <المنار>. ولوحظ أن القنوات التلفزيونية الإسرائيلية قطعت البث عن مؤتمر حلوتس أثناء قيامه بالرد على الأسئلة وعرضت صورا وخرائط لبث كلمة نصر الله وترجمتها فوريا.
وفي مؤتمره الصحافي، قال حلوتس أنه لا يرى سببا لأن <يقفز السوريون في بركة يمكن أن يغرقوا فيها> مشددا على أن على اللبنانيين أن يفهموا أنهم <ابتلعوا سرطانا وأن عليهم تقيؤه>.
وفي مؤتمر صحافي خاص عقده في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب، بعد وقت قصير من إستهداف إسرائيل الأمانة العامة لحزب الله ومنزل نصر الله، قال حلوتس أن الهدف لم يكن نصر الله أو عائلته، وإنما حزب الله نفسه.
وعندما سئل عن الأخطار التي تواجه إسرائيل من الصواريخ التي بحوزة حزب الله، اعترف أن لدى الحزب <صواريخ بعيدة المدى. وهذا ليس سرا... وحتى اليوم استخدموا صواريخ يبلغ مداها حوالى 30 كيلومترا، ولكن لديهم صواريخ تصل إلى 70 كيلومترا وربما أكثر من ذلك بقليل>.
وقال أن <حكومة لبنان تتحمل المسؤولية عما يجري. وهي لم تدرك أن عليها السيطرة على هذه المنظمة الإرهابية... ويجب أن تفهم بيروت الكبرى ولبنان بأسره، أنهم ابتلعوا في داخلهم سرطانا ويجب تقيؤه، لأنهم إن لم يفعلوا ذلك فإن هذه الدولة سوف تدفع أثمانا كما فعلت في الماضي>.
وأشار حلوتس إلى احتمالات توسيع المعركة لتصل إلى سوريا، فقال <اني لا أرى سببا لأن يهب السوريون ويقفزوا في بركة يمكن أن يغرقوا فيها، ولذلك فإنني لا أعتقد أن هذه هي الخشية التي تواجهنا. بوسع السوريين الإحساس بأنهم بالتأكيد شركاء في المسؤولية عما يجري هنا، ولكنني لا أرى أنهم سينضمون إلى هذه المعركة>.
وتحدث حلوتس عن أن إسرائيل تحارب اليوم في جبهتين <بينهما رابط قوي جدا، هو رابط الإرهاب، وإن كانت هناك حاجة لإثبات هذا الرابط، فإنه موجود في تصريحات زعيم حزب الله بأن الجنود الثلاثة سيفرج عنهم فقط إن تم تحرير الأسرى الذين يطالبون بهم>.
وشدد حلوتس على أنه <لا يمكننا البقاء تحت ابتزاز منظمات الإرهاب... ولذلك قرر الجيش شن المعركة في الشمال لضرب حزب الله ومن أجل أن تتحمل الحكومة اللبنانية المسؤولية عما يجري في أراضيها وأن تنشأ، بشكل أو بآخر، ظروف تتيح استعادة الجنديين المخطوفين. إن هذه معركة واسعة النطاق ومكثفة...>.
وقال حلوتس ان <حزب الله كلف نفسه بمهمة حماية لبنان، لكنه فعليا يقوم بمهمة تخريب لبنان، الذي يدفع ثمنا باهظا جزاء ما يجري من أرضه ضد إسرائيل الطرق، الجسور والمطار وبوسع كل من في رأسه عقل أن يفكر أين ستتواصل هذه القائمة وأي البنى التحتية سوف تتضرر>.
واضاف أنها <معركة واسعة النطاق، مكثفة ضربنا فيها أولا وقبل كل شيء كل من تمكنا منه في هذا الوقت من حزب الله>. وقال أن <هناك أهدافا كثيرة أخرى> معتبرا أن تحمل الحكومة اللبنانية مسؤولياتها تعني <لمن ينظر بأفق واسع إبعاد حزب الله عن الحدود ودخول طرف آخر مكانه، طرف يمثل السيادة اللبنانية. والسيادة ليست لحزب الله>.
وطالب حلوتس الجمهور الإسرائيلي بإبداء الصبر، وقال أن <60 ساعة انقضت منذ الحادث و48 ساعة مرت منذ بدء الهجوم الإسرائيلي. ونحن لا ندعي أننا من الفعالية بحيث نغير وجه الأمور خلال 48 ساعة. لذلك فإنني أنتظر أن نتحلى بالصبر كي نرى النتائج بدلا من أن يحققوا هم الهدف الذي خرجنا لهذه المعركة من أجل إحباطه. ومن الصعب لي أن أقيم كل الآثار المترتبة على عمليتنا، وأنا أقول من الآن، أنه ليس بوسعنا منع إطلاق الصواريخ بشكل تام، ولكن بوسعنا تقليص حجمها بسيرورة تراكمية مع مرور الوقت>.
واعتبر ضابط إسرائيلي كبير أن <حزب الله تلقى في اليومين الأخيرين ضربة لم يتلق مثلها أبدا>. وفي إشارة إلى تقليص الآمال، تحدث الضابط عن أن المقصود ليس تركيع حزب الله وإنما خلق ميزان قوى جديد معه لا يتجرأ بعده هذا الحزب على اختطاف جنود أو تنفيذ عمليات. وشدد على أن الحملة التي يشنها الجيش تأتي من أجل تحطيم <المعادلة> التي كانت قائمة والتي تسمح له بتنفيذ عمليات يتعذر على الجيش الإسرائيلي الرد عليها. وشدد الضابط على أن الحملة مدروسة <ومن دون أوهام بالحسم. وقد تم تحديد أهداف يمكن تحقيقها>.
وقصفت بوارج حربية إسرائيلية مقر الأمانة العامة لحزب الله ومنزل السيد نصر الله، تنفيذا لقرار صدر إثر مداولات أمنية تمت بعد ظهر أمس، في وزارة الدفاع الإسرائيلية. وشارك في اتخاذ القرار كل من أولمرت وبيرتس ووزراء آخرون وقادة الأجهزة الأمنية، وقد تقرر في هذا الاجتماع مهاجمة حزب الله في الضاحية الجنوبية مع المجازفة بأن يقود ذلك إلى تنفيذ تهديد نصر الله باستهداف مدينة حيفا.
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد تحدثت طوال يوم أمس، عن سقوط الصواريخ بالعشرات على العديد من المستوطنات على الخط الممتد من عكا غربا إلى صفد شرقا، مرورا بكرمئيل وحتسور. وقد اعترفت إسرائيل بسقوط قتيلين وأكثر من خمسين جريحا. وطلبت قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية من الجمهور الواقع شرقي خط عكا صفد البقاء في الملاجئ فيما طلبت من سكان حيفا وجوارها اتخاذ احتياطات.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن أن الغارات استهدفت حتى الآن أكثر من 277 موقعا بينها 48 جسرا وطريقا و42 موضعا لمرابض الصواريخ و83 موضعا لصواريخ الكاتيوشا و17 هدفا للبنى التحتية والوقود و20 هدفا في بيروت وستة مطارات. وأشار إلى أن قسما كبيرا من منظومة صواريخ حزب الله بعيدة المدى قد تضرر.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد