ثقافة المال والسوق لدى الأطفال
مخطئ من يعتقد بأن الأطفال غير قادرين على التعامل مع المال وفهم طريقة صرفه أو التعامل معه، فالطفل يبدأ بالتعرف إلى المال في مرحلة مبكرة من حياته. ومنذ بدء ملاحظتهم لذويهم يتعاملون بالنقود، ويقومون بعمليات الشراء أو البيع أو الإنفاق على أغراض مختلفة، تدور في رؤوسهم أسئلة شتى تؤسس عند بلوغهم، لفهم حقيقي لمعنى المال ومصدره وقيمته وتقدير دوره في حياتهم المستقبلية، والتعامل معه بطريقة سليمة وتقودهم تدريجياً إلى التعرف إلى ثقافة السوق والإنفاق والادخار والاستهلاك والغنى والفقر والثروة وغيرها من المسائل المرتبطة بالمال في شكل أو آخر.
وفي هذا الصدد تتقاسم المدرسة والأهل لعب دور المرشد، فهما المرجعيتان الأساسيتان في تنظيم وترشيد العلاقة بين الطفل والمال، وتعامله معها بمرونة وحكمة ومسؤولية، إلى أن يصبح قادراً على اتخاذ قرارات مالية صائبة، ومهيئاً لدخول «لعبة السوق»، التي يشكل إحدى أهم ركائزها الاستهلاكية.
وتساهم المدرسة بنضوج الطفل وتحضيره لتلمّس المسؤولية والاستقلال، وتوضح له كيفية جني المال الذي لا يأتي هدية أو هبة سحرية أو منة من أحد. ومن أجل تقريب الموضوع للطفل، لجأ بعض المدارس إلى انتداب عدد من أساتذتها لاصطحاب الأطفال إلى مراكز التسوق، واطلاعهم في شكل مباشر على عمليات شراء السلع التي تدفع أثمانها نقداً أو بواسطة بطاقات الائتمان. ويدربونهم على مراقبة السلع الغذائية التي يستهلكونها عادة قبل شرائها للتأكد من مكوناتها وتاريخ صنعها وانتهاء صلاحيتها، كي لا تذهب أموالهم هدراً. وتحث البرامج التربوية المدنية الأطفال على ممارسة العمل في أيام العطل المدرسية، في محلات تجارية أو في مطاعم الوجبات السريعة، إذ أن القانون الكندي يسمح لمن بلغ الـ 16 سنة بممارسة هذا النوع من العمل. وتضع المدرسة أمام الأطفال الأصغر سنّاً، خيارات أخرى للحصول على المال، كالقيام بجولات على المنازل لبيع الشوكولا، أو بطاقات لإحدى الفرق الرياضية أو الكشفية أو بتكوين «تعاونيات» لغسل السيارات في نهاية الأسبوع، واقتسام الأموال في ما بينهم. وتعمد المدرسة إلى تحذير الأطفال من التهافت على شراء الوجبات السريعة والمشروبات الغازية التي تروج لها الإعلانات التلفزيونية، لإغرائهم بتقديم بعض الأطباق أو اللعب مجاناً.
أمّا الأهل فدورهم لا يقل أهمية عن دور المدارس، إذ عليهم أن يكملوا ما تبدأه المدرسة، ويقول الباحث الكندي في شؤون التربية العائلية ألبرت دوبوي: «عليهم تعليم أبنائهم المقارنة والمفاضلة بين المهم والأهم والضروري والكمالي عندما يطلبون أشياء مختلفة»، لافتاً إلى أن عدم إذعان الأهل لإلحاح أبنائهم أو لبكائهم، من أجل الحصول على مرادهم، ليس حرماناً أو عقاباً لهم».
وثمة من يرى أن الطريقة الأفضل تكمن في أن يخصص الأهل لأبنائهم مبلغاً من المال، يومياً أو أسبوعياً أو شهرياً، وأن يودعوا هذا المبلغ باسم الطفل في أحد المصارف بغية تحميله المسؤولية إضافة إلى منحه نوعاً من الاستقلال وتنظيم شؤونه المالية بنفسه، علماً أن هذا التوجه كان مثار اهتمام إحدى المؤسسات العالمية «سيكوديب»، Sicodip، المعنية بالطفولة والعائلة والتي أجرت أخيراً دراسة شملت حوالى 2000 طفل من أعمار متباينة.
وخلصت الدراسة إلى أن واحداً من طفلين يتلقى مالاً من أهله، وأن العامل المالي كان لدى مجمل تلك الفئات دافعاً قوياً للاهتمام بالدراسة والنجاح والتفوق أحياناً، وأن الفئة العمرية الأصغر كانت أكثر استهلاكاً لمدخراتها المالية، خلافاً للأكبر سناً الذين كانوا أكثر تنظيماً ووعياً لقيمة المال وتوفير الجزء الأوفر منه لتغطية نفقات وأقساط المراحل التعليمية الثانوية والجامعية المقبلة.
علي حويلي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد