تنصيب أوباما الرئاسي الثاني:

23-01-2013

تنصيب أوباما الرئاسي الثاني:

الجمل- باري غري/ديڤيد نورث- ترجمة: د. مالك سلمان:

قبل أربع سنوات, توافد حوالي 2 مليون شخص إلى واشنطن العاصمة ليشهدوا أداء قسم أوباما بصفته الرئيس اﻠ 44 للولايات المتحدة. كانت هناك أوهام كبيرة, ليس في الولايات المتحدة فقط بل في كافة أرجاء العالم أيضاً, بأن ارتقاء شخص آفرو – أمريكي إلى أعلى منصب في الولايات المتحدة سوف يسجل افتراقاً عن سياسات الحرب والرجعية الاجتماعية لإدارة بوش المكروهة وتبنياً لبرنامج إصلاحي تقدمي.
اليوم, مع بداية ولاية أوباما الثانية بشكل رسمي, تغير المزاج الشعبي بشكل جذري. فعلى الرغم من الجهود التي يبذلها الإعلام, ليس هناك أي حماس شعبي لهذا الحدث. فالشعور العام هو مزيج من الخيبة والاغتراب. فمع أن أوباما يلقى تأييداً من ناخبي الطبقة العاملة, إلا أن هذا التأييد يتميز بالسلبية ويتشكل من التسليم بما هو قائم أكثر مما يتأسس على القناعة القوية.
ما هي أسباب هذا الشعور العام بالخيبة والإحباط؟ إن مرشح "الأمل" و "التغيير"و خلال ولايته الأولى, عملَ على خَنق الأمل وقدمَ القليلَ من التغيير. فبصفته رئيساً, أشرف أوباما على إنقاذ المصارف وتخفيض الأجور والتقشف في الداخل, كما وسعَ الحرب والتعذيب وعمليات القتل التي تشرف عليها الحكومة في الخارج. حيث أشرفَ الأستاذ السابق في القانون الدستوري على هجوم منهجي على الحقوق الدستورية الأساسية, بما في ذلك توسيع برنامج الاغتيالات بواسطة الطائرات الآلية وتفويض الاحتجاز العسكري غير المحدود. وقد تم استخدام هذه الإجراءات ضد المواطنين الأمريكيين, حيث أبطلت الحماية الدستورية ضد الحرمان من الحياة أو الحرية دون أية إجراءات قانونية.
تفاجأ الكثيرون من مؤيدي أوباما, وخاصة أولئك الذين أخذوا خطبه البلاغية في الحملة الانتخابية على محمل الجد, بأن الرئيس الجديد قد حولَ نفسه بسهولة فائقة من ناقد لغزو بوش للعراق إلى منفذٍ قوي للحروب الإمبريالية وداعية إلى خيار واشنطن للسلاح الجديد: صاروخ الطائرة الآلية.
إن التحولَ الفوري للمرشح جيكيل إلى الرئيس هايد تعبير عن عملية سياسية. فبغض النظر عن هوية الرئيس, فإن البيت الأبيض هو مركز إمبراطورية كونية من القمع والرجعية والجريمة. فبمجرد دخول الفرد إلى البيت الأبيض, سرعان ما يصبح – بشكل كامل وكلي – أداة وملكية للدولة. إذ يتم تدمير أي بقايا إنسانية من مخلفات السنوات الانتخابية الطويلة المهينة في اللحظة التي يدخل فيها الرئيس إلى المكتب البيضاوي.
يبدو أن أوباما حقق هذا الانتقال من سياسي غر وغير معروف إلى رئيس آلة إجرامية كونية بلا أي صراع داخلي واضح. من الواضح أن الانكبابَ لوقت طويل على تحضير "قوائم الاغتيال" وتفويض القتل بواسطة الطائرات الآلية موهبة طبيعية لدى هذا الرئيس. وقد نُقلَ عنه أنه وصف قرارَه بتفويض اغتيال المواطن الأمريكي أنور العولقي, بواسطة الطائرات الآلية, بأنه "بَدَهي".
تجلت مساهمة أوباما في برنامج الاغتيال الأمريكي في مَأسَسَته وتحويله إلى عمل بيروقراطي, حيث أدخلَ أنظمة وروتيناً وإجراءات أكثر دقة لجعل عملية قتل الناس أكثر فاعلية. يبدو أن الاستهتار الذي يبديه عندما يتعلق الأمر بعمليات القتل متناغماً مع شخصيته العامة الغريبة الخالية من الحياة. فهذا رجل يبدو عاجزاً عن التعبير عن أي عاطفة حقيقية, أو عن النطق بأي جملة صادقة.
إن هذا الرجل الذي تم الاحتفاء به, قبل انتخابه الأول وحتى الآن, كخطيب متميز فشلَ – طيلة سنواته الرئاسية الأربع – في إنتاج سطر واحد جدير بالذكر. فجميع خطاباته تحتوي الشعرَ الموجود في سجلات "وكالة الاستخبارات المركزية". صحيح أنها, من ناحية المفردات والنحو, أكثر لمعاناً من خطابات جورج بوش. ولكن من ناحية المضمون, فهي لا تقل عنها تفاهة وابتذالاً.
في أوباما, نرى الانصهار الكامل للشخصية الرئاسية مع القطاعات الحقيقية التي تعمل إدارته على خدمتها: النخبة المالية, والجهاز العسكري – الاستخباراتي.
لكي تنصبَ أوباما وتبقيه رئيساً للبلاد, عمدت هذه القوى إلى استخدام اللغة المجازية السياسية للسياسات العرقية وسياسات الهوية التي طورتها الطبقات الليبرالية "اليسارية" التي تنتمي إلى الطبقات الوسطى والبرجوازية والتي تقدم الإطارَ الإيديولوجي لسياسات الطبقة الحاكمة الأمريكية. إذ إن الخليط الرجعي للديمقراطيين الليبراليين, والكتل السياسية شبه اليسارية, وبيروقراطيي نقابات العمال مستمر في توفير الغطاء السياسي لأوباما.
من الواضح سلفاً أن الولاية الثانية سوف تكون تكثيفاً للسياسات اليمينية التي تميزت بها الولاية الأولى. فالكلمة المهيمنة في السياسة الداخلية هي التقشف, أي استهداف البرامج الرئيسية المتبقية من الثلاثينيات والستينيات من القرن الماضي: "الضمان الاجتماعي" و "الرعاية الصحية". فتعيين المصرفي السابق في "وول ستريت" ورجل المباحثات بخصوص الميزانية مع الجمهوريين, جيكوب لو, وزيراً للخزينة علامة واضحة لا تقبل الشك.
أما في السياسة الخارجية, فإن ترقية المدير المشرف على هجمات الطائرات الآلية, جون برينان – الرجل الذي دافع علناً عن التعذيب في عهد بوش – إلى منصب مدير "سي آي إيه", فيدل على توسيع للعدوان العسكري والقتل غير القانوني. كما يشير إلى هجوم أكبر على الحقوق الديمقراطية.
ومع ذلك, وعلى الرغم من قسوتها وإجرامها, فإن الطبقة الحاكمة عاجزة عن إيقاف تدهور الرأسمالية الأمريكية. ففي التحليل النهائي, سوف يؤدي اعتمادُها على العنف العسكري للحفاظ على موقعها الكوني إلى تفاقم أزمة الإمبريالية الأمريكية, وليس إلى حلها.

تُرجم عن: ("غلوبل ريسيرتش", 21 كانون الثاني 2013)

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...