تلوث واسع يصيب مياه الجولان المعدنية والاحتلال يزعم أنه جرثومي
مثل أسوأ قاطع طريق مجرم، عديم الضمير، هاهي إسرائيل ترمي حجرا في البئر التي لطالما شربت منها، البئر التي لا تزال تنهب مياهها حتى اللحظة، إذ فجأة وبعد كثير من التكتم والتعتيم قررت إحدى شركات تعبئة المياه المعدنية الإسرائيلية (مي عيدن) التي تسرق مياه الجولان وقف إنتاجها حتى إشعار آخر، معللة السبب بوجود جراثيم في أنابيب الإنتاج وذلك حسب فحوصات صحية ومخبرية أجرتها الشركة .
لقد أوقفت الشركة تعبئة المياه المعدنية وأعلنت ذلك رغم أنها واحدة من كبرى شركات سرقة وتعبئة المياه المعدنية في إسرائيل، وتصدر إنتاجها إلى الخارج، وهي تعلم أن خطوتها هذه ستؤدي إلى خلق بلبلة كبيرة لدى الإسرائيليين، لكن لم يكن أمامها إلا هذا الخيار، فالمعلومات الإضافية الصادرة حول هذا لأمر ، وهي قليلة حتى الآن، تشير إلى أن الأمر ليس مجرد نوع من النزاهة وحسن تعامل الشركة الإسرائيلية من زبائنها، وليس مجرد تلوث جرثومي في الأنابيب، بل هو وحسب مصادر طبية إسرائيلية ثلوث يأتي من "رأس النبع" من عين السلوقية في وسط الجولان المحتل التي تقوم الشركة الإسرائيلية على نهب مياهها.
وبهذا الخصوص أكدت مصادر طبية إسرائيلية انه بعدما تبين لأول مرة في تاريخ 3/2/2009 بان هناك تلوثا في المياه التي تعبأ عن طريق شركة( مي عيدن) تكررت هذه النتيجة عدة مرات آخرها بتاريخ 10/2/2009 لذلك أمرت الشركة بوقف ضخ الماء من عين السلوقية.
المصادر الطبية نفسها قالت في السياق ذاته أن الفحص المخبري وفحص عدة عيون في منطقة الجولان، بين أن (عين الذهب) في مستوطنة كريات شمونة والتي تضخ منها شركة (نبيعوت) ملوثة أيضا، لذلك تم الطلب من هذه الشركة التي تنهب ايضا المياه المعدنية من الجولان المحتل بوقف الضخ ووقف تعبئة الزجاجات وبيع المياه.
وسائل الاعلام الاسرائيلية قالت: إن وزارة الصحة الاسرائيلية تقوم بفحص الموضوع بالتعاون مع جهات مهنية اخرى .
ورغم ما يبدو انه حدث عادي تعاملت معه سلطات الاحتلال بطريقة طبيعية وباعتبار ان الخطأ يعود الى شركات تعبئة المياه الخاصة، إلا أن تدخل جهات عديدة (مهنية أخرى) في المسألة بدءا من وزارة الصحة الاسرائيلية وصولا إلى وزراة ما يسمى الأمن الداخلي يشير إلى أن الأمر اكبر من مجرد تلوث في الأنابيب.
ان ينابيع السلوقية أو (ينابيع الذهب الازرق ) كما يطلق عليها، التي تنهبها اسرائيل منذ أكثر من اربعين عاما وقد لوثتها اليوم هي من الينابيع الطيبة والغزيرة والمشهورة التي تتميز بعذوبة مياهها، وترتفع عن سطح البحر زهاء 445 م، وقد نقل موقع الجولان الالكتروني للصحفي ايمن ابو جبل عن مصادر تاريخية أن عمر تلك الينابيع يعود الى ما قبل 4000 سنة، وتعتبر اطول الينابيع في الجولان وأغزرها، هذه المياه يتزود بها سكان المستوطنات الاسرائيلية وخاصة مستوطنة كتسرين، وتسيطر شركة المياه الاسرائيلية " الرسمية" على 80% منها وتقدمها لسكان المستوطنات الإسرائيلية، من خلال اكبر بئرين ارتوازيين تابعين للشركة في مستوطنة الوني هبيشان، المبنية على انقاض قرية الجويزة السورية المدمرة وتتميز مياه ينابيع سلوقيا بانها مياه جوفية خالية من المواد الكيماوية، وقد أقامت اسرائيل على انقاض القرية منتجعاً سياحياً كبيراً تستغله لسياحة الأجانب بشكل خاص.
إن التلوث المتوقع الذي اصاب ثروات الجولان ومياهه على يد سلطات الاحتلال لا يمكن النظر اليه الا كتخريب متعمد لهذه المنطقة، فالمحتل كما يقول الدكتور المهندس نصر الدين خير الله، عضو مجلس الشعب، ورئيس لجنة البيئة والنشاط السكاني في المجلس يعرف انه سينسحب من الجولان عاجلا ام اجلا، لذلك يتعامل مع ثروات الجولان دون أي رعاية للتنمية المستدامة، فهو مثلا يقوم ومنذ بداية احتلاله بحرق سنوي للمنطقة المحاذية لشريط الاسلاك الشائكة بحجة التخلص من الاعشاب الضارة وهو امر مؤذ للبيئة يؤدي الى عقم التربة في مناطق الحرق.
ويرى الدكتور خير الله وهو رئيس جمعية الجولان لحماية البيئة والتراث ان تلوث مياه الجولان الباطنية امر خطير نظرا للأسباب التي ربما تقف وراء هذا التلوث والتي يتصل بعضها بالتلوث الكيماوي والنووي مؤكداً ان هناك تزايداً سريعاً للتلوث في منطقة الجولان خاصة ان إسرائيل كانت دوما تشجع أصحاب المصالح من الصهاينة والمستثمرين لتخريب التربة وتلويث الطبيعة النقية وتسمح في المستوطنات والمعسكرات بإقامة الصناعات التي تنتج مخلفات كيماوية وبيولوجية ضارة بالبيئة ، حيث تشكل المصانع الإسرائيلية مصدرا وسببا لتدمير البيئة في الجولان ، التربة، والهواء ، والمياه، اضافة الى استخدام الاسمدة والمواد المخصبة ، وهذه المعلومات نقلت عن شهود عيان وتقارير تابعة للامم المتحدة.
ويضيف الدكتور خيرالله في تصريحات لجريدة (تشرين) ان هناك تقارير سرية دولية تؤكد ان الكيان الصهيوني قام بنشر رؤوس نووية كثيرة في اجزاء مختلفة من الجولان المحتل، وعلى سبيل المثال بعد حرب 1973 نشر الكيان الصهيوني ثلاث بطاريات مدفعية ذاتية الحركة عيار 175 مم مجهزة بمجموعة 108 من الرؤوس النووية،ووضع الغاما ذرية عام 1980، كما زرع الالغام التكتيكية النووية والقنابل النيتروجينية على خط وقف اطلاق النار بين منطقة الجولان المحتل وبقية الاراضي السورية، بالاضافة الى ذلك اشارت التقارير الى ان اسرائيل دفنت النفايات النووية في منطقة الجولان في حاويات عمرها الافتراضي 30-50 سنة وهذه الحاويات غير آمنة ومعرضة للتشقق بشكل سريع، وعندما تتسرب منها نفاياتها من اليورانيوم فهي حتما ستلوث المياه الجوفية وتهدد الحياة البشرية في المنطقة وستؤثر على التربة وعلى التنوع الحيوي حتى عشرات السنين القادمة.
وفي هذا المجال نشرت صحيفة الصنداي تايمز البريطانية في 27 اذارعام 2000 مقالة عنوانها: خطة اسرائيلية لنشر درع نووي، تحدث المقال عن ان الحكومة الاسرائيلية ( حكومة باراك) قد خططت لتضع الغاما نيترونية في أراضي الجولان المحتل ، تتألف من مواد انفجار مخفضة نوويا صممت للقتل بالاشعاع الشديد .
وفي موضوع سرقة وتدمير موارد المياه في الجولان يقول الدكتور خير الله: ان اسرائيل منذ احتلالها الجولان بدأت تنفيذ خطة معدة مسبقا لسرقة مياهه غير أبهة بأي معاهدات دولية او قانون دولي، ونتيجة لهذه الممارسات اصدر مجلس الامن القرار رقم 446 الذي قضى بتشكيل لجنة لدراسة اثار الاحتلال للاراضي العربية منذ عام 1967
ومما جاء في تقرير اللجنة: انه استنادا الى أن المياه مادة نادرة وثمينة في المنطقة والسيطرة على مصادرها وتوزيعها تعني السيطرة على أهم وسائل الحياة والبقاء، وهذا يعني ان اسرائيل تستخدم المياه ليس كسلاح اقتصادي فقط بل أيضا كسلاح سياسي لتدعم سياسات توسيع مستوطناتها، ولذلك فإن أعمال الزراعة والاقتصاد للسكان العرب ستتضرر بشكل كبير.
ويقول رئيس لجنة حماية البيئة والتراث: إن اسرئيل بدأت بسرقة المياه من بحيرة مسعدة منذ عام 1968 واستمرت الى ان وصلت الى مياه الحاصباني وبانياس، ويختم بالقول: انه إزاء هذا الوضع الخطير فلا يكفي طرح هذه القضية في المؤتمرات والمحافل الدولية رغم اهمية مثل هذا لامر، بل لابد من مواجهة هذا الاجرام الاسرائيلي بحق ارض الجولان وانسانه بكل الطرق الممكنة، وليبدأ الامر من رصد وتوثيق كل ممارسات الاحتلال على ارض الجولان.
تشغل المناطق الصحراوية أو شبه الصحراوية، الجافة نحو 68 % من مساحة الوطن العربي، وفوق هذا فإن 60% من الموارد المائية العربية تنبع من خارج الأراضي العربية، هاتان حقيقتان تكفيان وحدهما لجعل مسألة الأمن المائي تتصدر أولويات "الأمن القومي" العربي.
لكن يبقى أخطر ما يواجه مسألة الأمن المائي العربي على الصعيد الآني هو الاحتلال الإسرائيلي خاصة انه يسيطر على عدد من أهم وأغنى منابع المياه في الشرق .
ادهم الطويل
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد