تلوث الهواء يسبب 3500 وفاة و7ا ألف حالة التهاب قصبات سنوياً في سوريا
بين دراسات من هنا وهناك.. ومبادرات تبقى على الورق لجهات عديدة، تستمر مشكلة تلوث الهواء.. المشكلة المزمنة في دمشق.
وتؤكد آراء علمية أن الحل يكون من خلال تطوير نظم المرور وشبكة الجسور والطرق والأنفاق والفحوصات الدورية لغازات عوادم السيارات وضبط المخالفات ونقل الفعاليات التي تسبب الازدحامات من داخل المدينة إلى أطرافها ورفع كفاءة الطاقة وعدم منح تراخيص للمشروعات الصناعية قبل إجراء تقويم شامل لآثارها البيئية ويضاف إلى كل ذلك زيادة اللون الأخضر.
إذاً... بين آراء ومقترحات نظرية وواقع فعلي لتزايد ملوثات هواء دمشق... هل نحن في حاجة إلى كمامات لحماية صحة الناس؟
وإلى متى ستبقى دراسات قياسات ملوثات الهواء بين «نسخ ولصق» من دراسات سابقة كما يؤكد الكثيرون أو حتى بين تشكيك بنتائجها وأرقامها وأين الحقيقة من ذلك؟
وهل نكتفي بالدراسات والتوصيات وتشكيل اللجان مع واقع بيئي أقل ما يمكن أن يقال فيه.. أنه لا يمكن السكوت عنه؟!
فما هي أحدث القياسات لملوثات هواء دمشق؟
وكيف نصل لهواء نظيف؟
لماذا لم يتم تشغيل محطات قياس تلوث الهواء حتى الآن؟
مقترحات ولجان
من خلال نتائج آخر قياس لنسب تلوث الهواء في دمشق قامت به مديرية البيئة يؤكد مديرها الدكتور ماهر بوظو أن النتائج تعود ما بين شهري آب وكانون الأول من العام2010 وفي اماكن مختلفة من دمشق واتضح أن الملوث الرئيس هو من العوالق الغبارية وتنجم عادة عن الأيام السديمية والأتربة والاغبرة الناتجة عن المشروعات الإنشائية والمعامل ودخان السيارات كنتيجة لعمل المحركات واحتراق الوقود غير الكامل فيها، إضافة إلى ارتفاع أكاسيد الكبريت والآزوت في بعض المواقع المزدحمة مرورياً وحسب نوعية الوقود المستخدم وكنتيجة لازدياد أعداد السيارات بشكل كبير في دمشق.
يقول الدكتور بوظو: إن هناك جهات عديدة تعمل في الشأن البيئي وما يجمعها عدم التنسيق فيما بينها لذلك تظهر النتائج مختلفة وربما السبب يعود إلى نقص في الكفاءة والتدريب على استخدام وتشغيل وتفسير البيانات المتعلقة بدراسات الهواء وهذا يستلزم خبرات من الضروري تأمينها من خلال التدريب والتأهيل وغيره.
أما حول عدم تشغيل محطات قياس تلوث الهواء في دمشق حتى الآن فيذكر مدير البيئة أنه تم خلال العام الماضي العمل على استكمال البنية التحتية لهذه المحطات من حيث تأمين التغذية الكهربائية وكل ما يتعلق بتأمين البيئة المناسبة لعمل الأجهزة الدقيقة والحساسة لقياس الملوثات.
وأضاف: نأمل عند استكمال تشغيل المحطات أن تكون نتائج قياس ملوثات الهواء علنية وواضحة أسوة بكل دول العالم لتساعد متخذي القرار على اتخاذ الإجراءات وتحليل البيانات بشكل يومي.
أيضاً يشير الدكتور بوظو إلى أنه تم اقتراح تشكيل لجنة فنية تضم ممثلين عن العديد من الوزارات مهمتها دراسة تحسين نوعية الوقود بكل استخداماته ليتلاءم مع المعايير الدولية واقتراح خطة عمل للإسراع بتنفيذ البنية التحتية لمحطات التزويد بالغاز والعمل على تعميم المازوت الأخضر على وسائل النقل الحكومية في دمشق واقتراح تخفيض سعره، إضافة إلى إيجاد آلية لتشجيع استخدام السيارات الهجينة من حيث إعفاؤها من الضرائب وتخفيض الرسوم الجمركية وتفعيل مراكز الفحص الفني لغازات عوادم السيارات بشكل مبرمج وكذلك وضع خطة للتنسيق التدريجي لوسائل النقل القديمة الخاصة والحكومية واستبدالها بآليات حديثة.
أيضاً هناك اقتراح بتشكيل لجنة فنية برئاسة ممثل عن محافظة دمشق وعضوية ممثلين عن وزارات البيئة والنقل ومديرية البيئة مهمتها إيجاد آلية لتنظيم حركة المرور لوسائل النقل في المناطق ذات الازدحام المروري الأكثر تلوثاً ودراسة وضع خطة للنقل التدريجي للفعاليات التي تسبب الازدحام والاختناقات المرورية من داخل المدينة إلى أطرافها.
وتحديد تاريخ للبدء باستخدام السيارات الكهربائية في مدينة دمشق القديمة وإيجاد آليات لتشجيع استخدام الدراجات الهوائية.
دراسة بيئية جديدة
قامت وزارة البيئة بدراسة ملوثات الهواء في مدينة دمشق للعام 2010 وتوصلت إلى مجموعة من النتائج وكانت البداية من نتائج العوالق الهوائية حيث تراوح التركيز اليومي للغبار ما بين 14-3394 ميكرو غراماً/م3 وتجاوزت معظم التراكيز اليومية للغبار الحد المسموح به وهو 70 ميكرو غراماً/م3 في معظم المواقع.
وكان أعلى تركيز يومي في البرامكة ودوار باب مصلى ووصل التركيز إلى 3391 ميكروغراماً/م3 والسبب يعود إلى عوادم السيارات والطقس السديمي خلال أيام مختلفة من القياس، وبتاريخ 9/4/2010 ظهر طقس سديمي في موقع الميسات ووصل تركيز الغبار إلى 60538 ميكروغراماً/م3 وليوم واحد.
وبالنسبة لغاز ثاني أكسيد الكبريت تراوح تركيزه اليومي ما بين 19- 694 ميكروغراماً/ م3 وكان أعلى تركيز في موقع المحافظة والميسات بسبب الكثافة المرورية والتدفئة، أيضاً كان هناك تجاوز للمعيار اليومي في البرامكة وباب مصلى.
أما التراكيز الساعية لغاز ثاني أكسيد الكبريت فقد تراوحت مابين صفر وألف ميكروغرام/م3 وأعلى تركيز ساعي كان في موقع المحافظة حيث وصل إلى 1000ميكروغرام/م3 يليها موقع الميسات والبرامكة بسبب الكثافة المرورية العالية ووسائل النقل التي تعمل على المازوت والبنزين إضافة إلى وسائل التدفئة.
وتراوحت القيم الساعية لغاز ثاني أكسيد الآزوت مابين 13-1354 ميكروغراماً/م3 حيث تجاوز متوسط التركيز الساعي 200 ميكروغرام في معظم المواقع وخاصة ذات الكثافة المرورية العالية.
وبالنسبة لغاز الأوزون يلاحظ أن تركيز الأوزون الساعي تراوح مابين صفر – 183ميكروغراماً/م3 وكان أعلى تركيز في موقع المحافظة.
اما غاز كبريت الهيدروجين فتراوح تركيزه اليومي بين صفر – 473 ميكروغراماً/م3 وأعلى تركيز يومي في موقع باب توما.
وفيما يتعلق بغاز أول أكسيد الكربون فقد تراوح تركيزه الساعي ما بين 13 – 87425 ميكروغراماً/م3 وكان هناك عدد من القيم الساعية تجاوزت المعيار الساعي المسموح به بـ30 ألف ميكروغراماً/م3 في بعض المواقع.
وعند دراسة التغييرات اليومية للملوثات في أحد المواقع بالبرامكة تبين أن التلوث يزداد خلال ساعات النهار أي خلال الازدحام المروري في الموقع ويتناقص مع تناقص الازدحام وهذا ما يشير إلى دور وسائل النقل في التلوث.
تجاوز بالملوثات
إذاً باختصار بينت الدراسة أن متوسط تركيز الغبار تجاوز المعيار اليومي في جميع المواقع وكان أعلاها في موقع باب مصلى، بينما تجاوز متوسط تركيز غاز ثاني أكسيد الكبريت المعيار اليومي في معظم المواقع ذات الكثافة المرورية العالية.
وكان متوسط تركيز اكاسيد الآزوت الساعي قد تجاوز المعيار المحدد في المناطق ذات الكثافة المرورية العالية كالمحافظة والميسات والبرامكة.
أما غاز كبريت الهيدروجين فقد تجاوز المعيار في كل من موقع المحافظة والعباسيين ومتوسط تركيز الأوزون الساعي لم يتجاوز المعيار في جميع المواقع ومتوسط تركيز الكربون كان أعلى تركيز له في موقع البرامكة.
وعند مقارنة المتوسط الكلي للملوثات مع المعيار السنوي يتبين من خلال النتائج أن تركيز SO2 تجاوز المعيار السنوي بمقدار 3.5 مرات وتجاوز تركيز NO2 المعيار السنوي بمقدار 5.6 مرات وتجاوز تركيز الغبار المعيار السنوي بمقدار 10 مرات والسبب في تجاوز تركيز الملوثات للمعيار السنوي طبيعة مدينة دمشق الجافة والطقس السديمي وازدياد وسائل النقل التي تعمل على البنزين والمازوت ما أدى إلى ازدياد تركيز الملوثات الناتجة عنها وعن التدفئة في الشتاء.
ومن مقارنة المتوسط الكلي للملوثات بين عام 2009-2010 تبين ازدياد تركيز غاز ثاني أكسيد الكبريت بمقدار 3.5مرات وازدياد تركيز الكربون بمقدار أربع مرات وازدياد تركيز الغبار بمقدار 5 مرات وازدياد تركيز ثاني أكسيد الآزوت بمقدار الضعف وازدياد تركيز كبريت الهيدروجين بمقدار أربع مرات.
توصيات الدراسة
أكدت الدراسة أن تركيز الملوثات يشير إلى ازدياد التلوث ما يؤثر على الصحة العامة لذلك أوصت الدراسة بمجموعة من المقترحات والتوصيات منها:
المراقبة المستمرة لعوادم السيارات لما تطلقه من ملوثات إلى الهواء وإلزام أصحاب السيارات بالصيانة المستمرة لمحركاتها واتخاذ الاجراءات المناسبة بحق المخالف والتخفيف من الاختناقات المرورية والعمل على تحسين نوعية الوقود المستعمل في وسائط النقل والتدفئة ليتلاءم مع المعايير العالمية ومن ثم دراسة الغازات المنبعثة من الوقود بعد تحسينه مع التأكيد على الصيانة الدورية لوسائل النقل العامة بشكل خاص والبحث عن وسائل نقل تعمل بآلية نظيفة تعمل على الغاز أو حتى الميترو حيث تنخفض نسبة الملوثات المنطلقة منها مع التشديد على تنظيم حركة المرور لوسائل النقل وخاصة في المناطق ذات الازدحام المروري وتشجيع استخدام التقانات الحديثة في التدفئة المنزلية ذات كفاءة الاحتراق العالية واستعمال السخانات الشمسية لتسخين المياه واستعمال العزل الحراري في الأبنية والتخفيف من أعمال الحفريات وزيادة المساحات الخضراء في مدينة دمشق.
أين الإجراءات؟
استعرضنا مع الدكتور يوسف مسلماني- باحث وخبير دولي في مجال حماية البيئة والغلاف الجوي دراسة تلوث الهواء في دمشق للعام 2010 فقال: إنها تعطي مؤشراً يدعو للقلق عن واقع التلوث الحالي في دمشق بالنسبة للارتفاع الواضح في نسب الملوثات خلال العام الماضي ولكن لا يمكن اعتبارها مرجعية في اتخاذ قرارات وإجراءات على المستوى الوطني.
ويشير الدكتور مسلماني إلى دراسة للبنك الدولي تمت عام 2004 ضمن إطار برنامج المتوسط للمساعدات التقنية البيئية لتقدير تكلفة التدهور البيئي في سورية إلى وجود تأثيرات سلبية مهمة على الصحة نتيجة التلوث وقدرت الدراسة أن هناك حوالي 3500 حالة وفاة و17 ألف حالة التهاب قصبات مزمن في سورية كل عام نتيجة التعرض للمستويات العالية من تلوث الهواء في المناطق الحضرية.. وخلصت الدراسة إلى أن كلفة التدهور البيئي والصحي في سورية نتيجة تلوث الهواء احتلت المرتبة الأولى وقدرت تكاليف هذا التدهور بحوالي 11.7 مليار ليرة سنوية.
يعود بنا الدكتور مسلماني إلى الاستراتيجية البيئية للعام 2003 بخصوص تحسين نوعية الهواء ويقول: الآن وبعد مرور أكثر من ثمانية اعوام يمكننا أن نقارن بين الذي كان على الورق والواقع الحالي...
فمن ناحية السياسات الخاصة بذلك لابد من اعتماد سياسات ومشروعات تسهم في تخفيض إطلاق الغازات الدفيئة وتخفيض الضغط على الموارد الطبيعية وخاصة في مجال التوسع في استخدام الغاز الطبيعي في توليد الطاقة الكهربائية وإعادة تأهيل محطات التوليد القديمة بهدف رفع الكفاءة وتشجيع استعمالات الطاقات المتجددة ووضع المخططات التنظيمية للمدن والبلدات وفق المعايير العالمية وحيث يلحظ النمو السكاني وحركة النقل والمرور وتوفير مرآب للسيارات.
أما بالنسبة للإجراءات المؤسساتية والتشريعية فيرى الدكتور مسلماني ضرورة ضبط الحالة الفنية للسيارات والعمل على وضع الاشتراطات لاستيراد السيارات ضمن المواصفات العالمية فيما يخص منع التلوث والتقيد بنظام الفحوصات السنوية والدورية لغازات العادم، وعدم منح تراخيص للمشروعات الصناعية الجديدة قبل إجراء تقييم شامل لآثارها البيئية واستكمال المتطلبات التنفيذية لقانون البيئة فيما يتعلق بالمواصفات والحدود المسموح بها لملوثات الهواء وإنشاء شبكة رصد متكاملة.
وبالنسبة للإجراءات الاستثمارية يجملها الدكتور مسلماني في ضرورة تحسين الواقع البيئي في مجال الاستخراج والتكرير للمواد البترولية وتخفيض الملوثات الغازية والغبار وكل أنواع العوالق وخاصة لدى قطاعات الإسمنت والأسمدة الكيميائية إلى الحدود المسموحة وتطوير مصافي تكرير النفط في حمص وبانياس حيث يتم إنتاج المازوت والبنزين وفق المواصفات القياسية العالمية المعتمدة ورفع كفاءة استخدام الطاقة في الصناعة وتطوير نظم المرور وشبكة الجسور والطرق والأنفاق داخل المدن.
وبعد...
على مدى سنوات وسنوات تبقى الدراسات وتتزايد الملوثات وتظل الغيمة السوداء تخيم على أنفاس سكان دمشق والملوثات متفاقمة في مناطق الحضر، فإلى متى؟!
سناء يعقوب
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد