تغير المناخ قد يشعل حروبًا إقليمية وصراعات اجتماعية
رجح بعض خبراء الأمن الدولي أن يتسبب عطب المنظومات الإيكولوجية المتصل بالتغير المناخي والتنافس على الموارد الطبيعية, في تفجير الحروب والصراعات في المستقبل.
ففي دراسة مسحية للأبحاث الصادرة مؤخرًا نشرت مطلع هذا الصيف بدورية علماء الذرة، وجد يورغن شَفران خبير الأمن الدولي والحد من التسلح بمركز أبحاث الطاقة الحيوية المتقدمة بجامعة إلينوي، أوربانا-شامبين اتساع تأثير التغير المناخي على الأمن الإنساني والعالمي.
وشملت مراجعة شفران تحليلا نقديا لاتجاهات أربعة اعتبرها "المجلس الاستشاري الألماني حول التغير العالمي" من بين أكثر العوامل زعزعة للسكان والحكومات، وهي تدهور موارد المياه العذبة، وانعدام الأمن الغذائي، والكوارث الطبيعية، والهجرة البيئية.
واستشهد شفران بتقرير أصدرته العام الماضي "لجنة الحكومات حول التغير المناخي"، يشير إلى أن تغير المناخ سيطول أنواعًا حية ومنظومات بيئية.
ويتوقع شفران نمو عدد أقاليم العالم المعرّضة للجفاف وانخفاض إمدادات المياه المخزونة في طبقات الجليد والغطاء الثلجي لسلاسل الجبال الرئيسة كالأنديز والهِملايا.
ولأن الماء والطعام هما الأهم لبقاء الإنسان، وبالنظر إلى تأثرهما بالظروف المناخية المتغيرة، فإن تدهور الموارد الحيوية، مصحوبًا بتهديدات الكوارث الطبيعية للسكان، والأوبئة وانهيار المنظومات الاقتصادية والإيكولوجية، قد تؤدي في نهاية المطاف إلى أزمة.
ويرى شفران أن التغيرات البيئية الناجمة عن الانحباس الحراري لن تطول الأحوال المعيشية فقط، بل تولد آثارًا مجتمعية أوسع نطاقًا، بتهديد البنية التحتية للمجتمع وتحفيز استجابات اجتماعية تفاقم المشكلة.
فالحروب الاقتصادية الاجتماعية والسياسية المترافقة قد تقوّض عمل الجماعات المحلية، وفاعلية المؤسسات، واستقرار الهياكل المجتمعية.
وقد يسهم ذلك في الصراع المسلح, ويعتقد شفران وجود أدلة على أن هذه الدراما قد بدأت بالفعل سواء كان ذلك بتأثير التغير المناخي أو عوامل أخرى.
وتعاني مساحات واسعة من أفريقيا من شح الغذاء وموارد المياه العذبة، مما يجعلها أكثر عرضة للصراع، كإقليم دارفور بالسودان، حيث تفاقم الصراع منذ أجبر الجفاف الرعاة على الانتقال إلى مناطق المزارعين. وهناك مناطق أخرى كالشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأميركا الجنوبية، قد تأثرت أيضًا.
ويوصي شفران بإستراتيجيات متعددة لإحباط عقبات يمكن تذليلها. من أهمها أن تضم الحكومات إجراءات التصدي لتغيير المناخ في إطار سياسة وطنية، ويدعو إلى نهج تعاوني دولي لعلاج تلك القضايا.
ورغم أن تغير المناخ يحمل بذاته إمكانات الصراع، فإنه يمكنه تحويل النظام الدولي نحو تعاون أكثر، إذا اعتبر تهديدا مشتركا يتطلب فعلا مشتركا.
وكانت قمة بالي 2007 حول تغيّر المناخ من أكثر دواعي الأمل بروزًا، حيث جمعت عشرة آلاف مندوب من جميع أنحاء العالم، لوضع خطة مناخية.
وضمت خارطة طريق بالي أفكارًا جيدة عديدة، لكنها انتقدت لغموضها.
وإضافة للتعاون العالمي يعتقد شفران أن بإمكان سكان الأرض تعلم الكثير حول المستقبل بدراسة الماضي. فقد أثبت التاريخ كيف تعتمد الحضارة على نافذة ضيقة من الظروف المناخية لضمان درجات حرارة متوسطة وسقوط الأمطار والثلوج.
وبدأت الحضارات الإنسانية تزدهر عقب آخر عصر جليدي، وبعضها اختفى بسبب الجفاف وتحولات مناخية مضادة, وانقضى "العصر الجليدي الصغير" في نصف الأرض الشمالي قبل بضع مئات من السنين ونجم عن انخفاض متوسطه أقل من درجة مئوية واحدة في درجات الحرارة.
وكان لذلك عواقب خطيرة على أجزاء من أوروبا، رافقها انخفاض نتاج المحاصيل وتراجع السكان. وأصبحت أحداث الشغب والنزاعات العسكرية أكثر احتمالا.
ولكن كما أظهر التاريخ يستطيع البشر التكيف مع الظروف المناخية المتغيّرة، ما دامت التغيرات معتدلة. ويتمثل التحدي في إبطاء الديناميات واستقرار النظام المناخي لدى مستويات غير خطرة.
مازن النجار
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد