تزوير العملة:استجابة سريعة للداخلية وتطنيش غير مبرر من المركزي
تزوير، تقليد، تزييف، ترويج، تهريب... مسميات عديدة طالت العملات بانواعها بدءاً من الدولار واليورو وليس انتهاء بالليرة السورية.. وغدا ضبط هذه الحالات هاجساً يؤرق الجهات المعنية كما المتداولين بالنقد...
هذه الحالة تشكل مصدر قلق دائم لمن لا يملكون القدرة على التمييز مابين الغث والسمين منها!..
واللافت نشاط ظاهرة ترويج العملات المزورة وسط القطاعات الخدمية من وسائط النقل والأفران والمطاعم وخاصة محطات الوقود التي تشكل مرتعاً خصباً لمروجي النقد المزيف مستغلين عاملي ضغط العمل ومحدودية الخبرة على التمييز في ظل غياب أي أثر للتثقيف والتوعية الاجتماعية من المعنيين بالنقد..
المتعارف عليه لدى الجهات المعنية بضبط حالات التزوير أن تزوير العملات يتم خارج الحدود وتقوم شبكات خاصة بنقله إلى مراكزها المحلية في المدن والأرياف حيث تتم عملية الترويج بمختلف الأساليب.. وعلى مدى السنوات الماضية تم ضبط مئات الحالات لمروجي العملة المزورة..
وأمام هذا الواقع لجأ كل من يتعامل بالنقد من أصحاب الفعاليات الاقتصادية والخدمية إلى اقتناء أجهزة الفحص لكشف العملة المزورة أسوة بالمصارف.. وبالمقابل يعمد المزورون إلى استغلال احدث تقنيات الطباعة الحاسوبية لترويج انتاجهم المزيف حيث وصل التزوير إلى مراحل متقدمة وطال كافة فئات الأوراق النقدية وصولاً إلى قطعة /25/ ليرة النيكل..
تشكل محطات الوقود والمناطق الريفية تربة خصبة لنشاط مروجي النقد المزور ودائماً يتعرض العاملون في هذا القطاع لخسائر متلاحقة اكسبتهم بعض الخبرة في الكشف عن التزوير.
وقال صاحب محطة على اوتستراد حمص : إنه يحمل العمال تبعات النقد المزور حيث تحسم قيمة مبالغه من أجرة العامل في حال كشفها..
لكن وإن أخطأ جهاز الفحص بكشف النقد المزور بالمحطة واكتشفت لاحقاًً في المصرف بانها مزورة فتسجل الخسارة هنا على صاحب الفعالية.
وقال مستثمر محطة في الغوطة الشرقية: إنه يتعرض باستمرار لحالات ترويج عملة مزورة إلا أنه يقوم بتمزيقها فور اكتشافها من جهاز الفحص حتى يتجنب الدخول في متاهات السؤال والجواب وهدر الوقت مع إقراره بتحمل خسارة تبعاتها..
واللافت أن التزوير تجاوز الأوراق النقدية وصولاً إلى القطع المعدنية من فئة /25/ ليرة النيكل والتي يصعب كشفها من الفعاليات لعدم وجود أجهزة فحص كاشفة لها.. وحسب محمد قطاش صاحب كازية في حي دف الشوك، فإنه يتعرض باستمرار لاستلام النقد المزور من مختلف الفئات الورقية لكنه تفاجأ بقطعة الـ/25/ ليرة النيكل بأنها مزورة..
كيف؟ يقول قطاش: إنه واقع بين خيارين أحلاهما مر حيث يقوم سائقو السرافيس والسيارات العمومية ليلاً باملاء خزانات سياراتهم من المحروقات ويدفعون القيمة نقداً بالنيكل /25/ ليرة أو بأوراق من فئة المائتين وما دون وهذه مهترئة وفي أحد ليالي كانون الثاني بلغت عائدات البيع حوالي /50/ الفاً من هذه الأوراق.. منها حوالي /12/ ألف ليرة من فئة الـ/25/ النيكل.
والمفاجأة أن المصرف صادر قسماً منها بحجة أنها مزورة ولم يعطِ أي تعويض عن النيكل فقط عن الفئات الورقية المهترئة..
لكن، لماذا تقبلون الـ/25/ النيكل عن كامل الحساب!
يجيب صاحب الكازية أن عامل المحطة لا يستطيع رفض استلام العملة الورقية المهترئة فما بالك بالقطع النقدية النيكل، وإن رفضها سيدخل في متاهة المساءلة ومايليها، وأين الحل؟
إن حل هذه الإشكالية يبدأ من الجهات المعنية بالنقد، والتي لم تقم بأي خطوة حيال هذه الظاهرة المنتشرة كجمع القطع النقدية وحدها أو إصدار طبعة جديدة أو التعويض عن جزء من الخسائر التي نتحملها؟!
وللحد ماأمكن من الخسارة أوضح مستثمر محطة الأمان بالله على أوستراد حمص أنه يلزم العمال لديه بتصريف قطع النقد من فئة الـ /25/ ليرة في البقاليات والأفران والسرافيس كي لاتترتب عليه أعباء إضافية فوق الاستثمار لدى ايداعها المصرف.
وأسرَّ عدد من محاسبي المحطات أنهم يعمدون إلى تصريف عدد من القطع المشكوك فيها بوسائلهم الخاصة اتقاء للخسائر عند إيداعها المصرف.
قال محمود: إنه يعمل في محطة البدر للمحروقات على اوستراد درعا إلى جانب عمله في التدريس..وخلال العام الماضي تعرض لعملية ترويج عملة عربية مزورة، حيث استلم قيمة المحروقات بالريال السعودي وحجة صاحب السيارة الفارهة أنه لم يعثر على صراف..كما أغدق عليه كرماً عندما طلب منه تصريف مبلغ /3/ آلاف ريال مقابل ربح مضمون..وماكان من محمود إلا أن لبى طلب الزبون مقابل كسب /3/ آلاف ليرة.
وما إن غادر الزبون المحطة حتى تذرع محمود بحجة لدى زملائه ليغادر المحطة مسرعاً إلى صراف في المرجة..حيث صادفته هناك دورية الأمن الجنائي وماإن أعلمه الصراف أن كامل المبلغ بحوزته مزور حتى غاب عن الوعي ودخل في متاهات التحقيق حتى استنجد بمستثمر المحطة الذي لاعلم له بالقضية؟
ويضيف محمود: إن ظاهرة العملة المزورة تتكرر بشكل أسبوعي لكنه أصبح يلم بجانب منها حيث يكتشف المزور مباشرة وأحياناً بشكل متأخر بواسطة جهاز الفحص وهنا يكون المزور قد لاذ بالفرار وعليه تمزيق المزيف ووضع بدل عنه من أجره الخاص.
من خلال متابعة عشرات الحالات المضبوطة خلال المدة الماضية من الأجهزة المختصة تبين أن نشاط مروجي العملة المزورة يسجل ارتفاعاً متزايداً وأن المصدر الرئيسي لهذه العملات من خارج الحدود ومروجيها من حملة جوازات السفر العربية أو من المواطنين المقيمين في البلدان المجاورة كما هو مثبت.
إن تداول العملة يتم على صك البراءة القانونية الذي يمنحها الثقة العامة وتمتاز الأوراق النقدية الوطنية بعوامل ومزايا متعددة تضفي عليها طابع الأمان لمختلف الفئات، منها الطباعة الكاملة المخفية ضمن الرسوم التزيينية والحبر المتغير اللون مع تغير زاوية الرؤية وشريط الضمان المعدني والتداخل مع عجينة الورقة وتطابق الصور المائية لصور الأوراق والتوقيعان المعتمدان والصورة بين وجهي الورقة للشعار الوطني «النسر» والكتابة المجهرية في أماكن متعددة من الورقة.
ورغم التقنيات المتطورة في عملية تزوير العملة إلا أنها تعجز عن التقليد الدقيق، لكن التمييز فيها يحتاج إلى خبرة ليست تقليدية.
وأثناء اعداد هذه المادة تبين وجود بداية صحوة لدى الفعاليات التي التقيناها نتيجة لتكرار الظاهرة حيث أصبحت لدى البعض خبرة بالكشف على النقد المزور من خلال المشاهدة والملمس.
ويعمد المتعاملون إلى إتلاف الأوراق المزورة تمزيقاً دون الابلاغ عنها حتى يتحاشوا المساءلة رغم مايعني ذلك من خسارة لهم.
وسارعت الفعاليات التي تتعرض لظاهرة ترويج العملة المزورة إلى اقتناء أجهزة فحص للكشف على الغث منها..كما عمدت المصارف إلى اعتماد أجهزة حديثة تمتاز بحساسات تبين أبعاد الفئات الورقية طولاً وعرضاً وسماكة إضافة لحساسات الأشعة البنفسجية وتحت الحمراء والممغنطة والشريط المعدني.
ومن خلال تداول الأوراق النقدية بدأت تظهر علامات الاهتراء والتلف على قسم كبير منها بعكس الأوراق النقدية الأقدم طباعة. وهذه خلقت ارباكات في التداول، كأن يعتذر البعض عن استلامها تحت حجج واهية ناهيك عن روتين استبدالها المعتمد من المصرف المركزي.
لاننكر أن ظاهرة تزوير العملة تحولت من الجريمة الفردية إلى نمط من أعمال المافيا للجريمة المنظمة.
والسؤال كيف ينظر المشرع السوري إلى هذه الظاهرة؟
يقول المحامي علي يونس:نظر المشرع السوري بخطورة إلى جرائم تزوير العملة باعتبار العملة رمزاً من رموز سيادة الدولة والإضرار بها يمس بهيبة الدولة الاقتصادية..لذلك أعطاها ماتستحق من اهتمام وأفرد لها فصلاً خاصاً وعالجها بالمواد /430/ ومايليها من قانون العقوبات.
ونصت المادة /430/ أن من قلد عملة ذهبية أو فضية متداولة قانوناً أوعرفاً في سورية أو دولة أخرى بقصد ترويجها وادخالها عوقب بالأشغال الشاقة مدة لاتقل عن خمس سنوات وبغرامة /250/ ليرة.
كما عاقبت المادة /433/ بنفس العقوبة لكل من قلد أوراق نقد أو أوراق مصارف سورية أو أجنبية أو زوّر أو حرّف في قيمة هذه الأوراق بقصد ترويجها أو اشترك باصدارها أو ترويجها.
وإذا تعلقت إحدى الجرائم السابقة بعملة معدنية غير الذهب والفضة كانت العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة والغرامة من مئة ولغاية ألف ليرة حسب المادة /431/ وفيما تطرقت المادة /438/ إلى عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة وغرامة مئة ليرة على الأقل لكل من صنع آلات أو أدوات معدة لتقليد أو تزييف أو تزوير العملة أو أوراق النقد أو سندات المصارف أو حصل عليها بقصد استعمالها بوجه غير مشروع أو من اقتنى تلك الآلات أو الأدوات على علم بأمرها عوقب بالحبس سنة على الأقل.
وتعد العملة المزورة خسارة اقتصادية بكل المقاييس وإذا كنا نجهل الأرقام الدقيقة للنقد المزور بالنسبة للكتلة النقدية المتداولة..فإن التصريحات الرسمية تفيد بأن ظاهرة التزوير ضيقة ومحدودة وأنها بعيدة عن التأثير الاقتصادي السلبي..إلا أننا نؤكد أن ترويج النقد المزور يؤدي بالمحصلة إلى إضعاف الثقة بالاقتصاد وخاصة لجهة التعاملات التجارية بأنواعها.
إن المزورين يحققون أرباحاً خيالية كونهم يبيعون النقد المزيف بأقل من قيمته الحقيقية وإن من يتعرض للغش والتزوير بالنقد فإنه يخسر قيمته الحقيقية وهذا يسجل خسارة اقتصادية.
وفي محاولة للوصول إلى أجوبة للتساؤلات المطروحة حاولنا سبر رأي المعنيين بمصرف سورية المركزي وبعد تعذر الاتصال الهاتفي الثابت والجوال بحاكم المصرف، توجهنا منذ 16/2 الماضي بأسئلة مكتوبة وانتظرنا الرد لأكثر من شهر دون نتيجة حول آلية التعامل مع الأوراق النقدية المهترئة والمقلدة والقطع النقدية المزورة والإجراءات المتخذة حيال ضبطها وتحصين النقد الوطني من التزوير قدر الإمكان..
ونشير هنا إلى أن إدارة الأمن الجنائي تولي قضية تزوير العملات بأنواعها جل اهتمامها، وحسب مصادر الإدارة: فإنه وفور ضبط أي عملية تزوير أو ترويج يتم مباشرة توقيف كل من له علاقة من أشخاص ومعدات مستخدمة في العملية.
ثم ترسل المضبوطات من العملة إلى مخبر فرع الأدلة لإجراء الخبرات وبيان الواقع الحقيقي لها، ويستكمل التحقيق ويختم الضبط وتتم الإحالة إلى القضاء المختص لينال كل من تسول له نفسه الإضرار بالاقتصاد الوطني الجزاء العادل.
وخلال العام الماضي ضبطت الإدارة من خلال فروعها /636/ حالة تزوير وترويج لمختلف أنواع العملات.
وفي هذا السياق نشير إلى الاستجابة المباشرة والفورية من السيد وزير الداخلية في الرد على استفساراتنا.
عدنان سعد
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد