تخليص الإبريز من أنوثة باريز (1)
قبل أن تهبط بنا (الإيرفرانس) في باريس تشممنا عطور نسائها عبر أجساد المضيفات الشقراوات بينما كانت أثداء غيوم حزيران تتراقص من حولنا مثل فتيات (المولون روج) العاريات.. وفي المطار استقبلنا سائق وزارة الخارجية الفرنسية الأسود من دون الزيطة والزنبليطة التي نعملها للصحفيين الفرنسيين الذين يزورون دمشق، وقد رمانا في الفندق مع حقائبنا بكل تهذيب بعد ما أخبرنا أننا أحرار في فعل ما نشاء يومي العطلة.. وما نشاء يعني أن نذهب أولاً إلى الشانزلزيه لنغسل عيوننا بجمال حسناواته اللواتي يأتين من كل فجٍّ عميق للتسوق والمتعة والتفاخر.. وفي الشانزلزيه، وبينما كنت أراقب أنا وزميلي الإدلبي ثمار الحسناوات اليانعة على أغضانهن اللدنة قلت له: هل تؤمن مثلي بأن حضارة الأمم إنما تقاس بمستوى حرية نسائها ورفاهيتهن؟ فأجاب: على هذه الحال لا يوجد عندنا في إدلب حضارة.. فقلت: الأحرى أن تقول أنه لا يوجد حضور نسائي في الحياة العامة بإدلب.. فقبل بضعة سنوات زرتها وتسكعت في شوارعها ثم حضرت عرساً لزميلنا وبت في فندقها الوحيد ولم أر أي مظهر من مظاهر أنوثتها سوى آرمة سوداء مكتوب عليها اسم قابلة قانونية... بينما هنا في باريس تحس أنك في مدينة مؤنثة بجمالها وسلوكها وحتى في رجالها.. ففي كل مكان تقصده سترى أن نسبة النساء مقابل الرجال تتجاوز العشرة على واحد، وهذا الواحد يجب أن تدقق فيه جيداً لكي تتأكد من أنه ذكر.. وقد لا تود التدقيق كونك إدلبياً.. إدلب التي أخرجت لسورية أجمل كتابها الساخرين وفي مقدمتهم حسيب كيالي الذي تفتحت عبقريته هنا في باريس بعد مقارناته بين ذكورة الوطن وأنوثة فرنسا الأمر الذي دفع به فيما بعد للهرب من (حضن الوطن) ليعيش ما تبقى من حياته في دول الخليج ويموت هناك معزز الوجه والقفا، بعكس ما تبقى من مواطنيه الذين مازالت الحكومات تعبث بأسفلهم صباح مساء.. انظر إلى شعار المؤسسات الحكومية الفرنسية ماذا ترى؟ إنهم يضعون لوغو يمثل وجه امرأة للدلالة على أن الأنوثة هي ما يشكل حضارة المدينة بينما ذكور بلادي ما زالوا يعتمدون لوغو النسر المفترس شعاراً لمؤسساتهم الحكومية.. ولهذا ترى أننا ما زلنا في حضارة البادية التي تحجب المرأة خلف البرقع والخباء خوفاً من سطوة أنوثتها التي قد تبتلع ما تبقى لهم من هيمنة واستبداد وذكورة متوحشة لم تستطع حتى الآن أن تصنع مدينة واحدة في الشرق.. فقط لدينا حواضر تستورد تكنولوجيا الغرب و(جينزاته).. كذلك قال لي صاحبي الإدلبي منهياً الحديث بينما عيوننا تتأمل بروزات واستدارات نساء الشانزلزيه الفاخرات حيث يتدفق جمالهن على بلاطه كما ينساب ماء رقراق فوق مرمر، حيث رحنا نغني منتشين بصوت أجش: مرمر زماني مرمر.. والحلو ما بيتمرمر..
نبيل صالح
المصدر:جريدة "الخبر" السورية
إضافة تعليق جديد