تحليل فيما وراء «باب الحارة»
كثيراً ما بدت «ثيمة» من هذا النوع مغرية. فـ «الباب» يوحي دائماً بأن ثمة من قد يختبئ وراءه وقت الشدة. وهو شخص قد يكون مجهولاً وغامضاً، وقد يكون طارئاً في أحيان كثيرة، ينوي دخول الباب قصد الاحتماء من شر متوقع. أو ربما الاعتداء على أهله، أو حتى بدافع الفضول ليرى ما وراءه من أسرار وخفايا.
في الحالة الأولى قد يقوم الأهل بحماية من يقصدهم وغوثه إن كانوا أصحاب نخوة وشجاعة، وهم أنفسهم يمكنهم أن يتصدوا للحالة الثانية إذا كانوا أهل بأس وشدة بالطبع. أما الحالة الثالثة، فإن التعاطي معها يكشف عن انفتاح وتسامح عند أهل الحارة، اذ يتركون الباب مفتوحاً، رافضين مبدأ الإغلاق وجعله سيداً على مناهج حياتهم.
يجيء مسلسل «باب الحارة» السوري في جزئه الثاني ليقدم هذه الحالات الثلاث، كما هي في الواقع، تاركاً فرضية الفن الصعبة عند الأبواب السهلة، منقطعاً عنها دفعة واحدة. لكنه ينحو صوب فرضية الاغلاق المقيتة بعدما عانى أهل الحارة ما عانوه من قبضايات حارات أخرى، ومن أشرار مقيمين بينهم، وجواسيس، كما في حالة صطيف الذي قصدهم للاحتماء بهم لضعف حاله. أما العكيد أبو شهاب الذي يحل محل الزعيم الذي اغتيل على يد صطيف (بلغة هذه الأيام)، فيبدو غير عارف بالأمر، حين ينطق جملته الشهيرة، طالباً فيها إلى أهل حارته ألا يغلقوا الباب أبداً. لكن الباب إن فتح على مصراعيه، لن يعرف العكيد لماذا، اذ ليس من إجابة تشفي الغليل، فليس في الخارج ما يغني هذه القصة ويفتحها على انفعالات أخرى تخدم فرضية الفن الصعبة.
نعم ليس هناك سوى الثبات السهل الذي انتصر له كل اولئك المجتمعين وراء الباب ليتداولوا النصح في شؤون فولكلورهم، من مأكل وملبس ومهن انقرضت، أو هي في طريقها الى الانقراض، من دون أن يعوا بطبيعة الحال مسببات هذا الانقراض. لا يبدو العالم بالنسبة اليهم يتقدم ويتحول.
ومع ذلك لا يمكن اعتبار «باب الحارة» شراً مطلقاً، كما توحي بعض الكتابات التي تناولته أخيراً. فهذه كانت ايضاً عجينته الدرامية المبسطة التي انطلق منها أصلاً في جزئه الأول، عندما كان الادعشري – لعب دوره النجم السوري بسام كوسا – يبحث، ربما، عن مخرج ما لمبارحة مأزقه، الذي حشر فيه، بعدما تتالت الأحداث في شكل غير مقنع، موحية بكارثة درامية لا تستلزم وجود جزء ثان، ومع هذا، ويا للمفارقة، خرجت بعض الأصوات في بدايات عرض الجزء الثاني في هذا الموسم تترحم على أيام الادعشري، وتقوم بمقارنة ساذجة مع عناصر الحكاية ذاتها، وان تبدلت المهن والوجوه.
«باب الحارة» قصة بسيطة وساذجة. ومع هذا، حظيت بأكبر قدر من المشاهدة كما دلت الآراء. إنها قصة تمكن الادعشري من الخروج من «بابها» سالماً في الجزء الأول، وبات لزاماً تأمل ما يحدث على الشاشة من الآن فصاعدا!
فجر يعقوب
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد