تأسيس «إدارة حماه» لقطع الطريق على «جند الأقصى»
انهيار الفصائل المسلحة على جبهة الراموسة جنوب حلب، وسيطرة الجيش السوري على منطقة الكليات العسكرية، يدل بما لا يدع مجالاً للشك على أن إطلاق «غزوة حماه» لم يكن هدفه التخفيف عن جبهة حلب كما ذكرت البيانات المتعلقة. بل على العكس تماماً قد يكون فتح جبهة حماه، إلى جانب تصاعد معركة «درع الفرات» التي تقودها قوات خاصة تركية في الشريط الحدودي بين جرابلس وإعزاز، من العوامل التي أدت إلى إضعاف المسلحين في جنوب غرب حلب بعد تشتت أولوياتهم، سواء بسبب الارتباطات الاقليمية أو بسبب الانتماءات المناطقية.
غير أن الفشل في حلب الذي يأتي بالتزامن مع تضارب الأنباء حول التفاهم الروسي ـ الأميركي، سيؤدي بلا شك إلى إشعال جبهة حماه إشعالاً غير مسبوق، لتصدق لهذه الناحية مزاعم الارتباط بين الجبهتين. وذلك لرغبة الفصائل في تعويض الهزيمة التي لحقت بها في حلب أولاً. ولأن بعض الفصائل، وعلى رأسها «أحرار الشام»، تجد نفسها مضطرة بسبب النوازع المناطقية لدى أهم ألويتها العسكرية على مسابقة «جند الأقصى» ومنعه من الاستفراد بتلك الجبهة.
وكانت بعض الفصائل المشاركة في القتال على جبهة الراموسة قد سحبت عناصرها من هذه الجبهة وزجّت بها للقتال تحت إمرة الجيش التركي في الشريط الحدودي. وهو ما شكل نقطة الضعف الأولى التي استغلها الجيش السوري لمصلحته. أما نقطة الضعف الثانية فكانت الأزمة التي وقعت بها «أحرار الشام» بسبب «غزوة حماه» وما تعرضت لها بعض ألويتها من ضغوط نتيجة تشتت اهتمامها بين حلب وحماه. وتتمثل هذه الأزمة في أن قوة «أحرار الشام» التي تقاتل على جبهة الراموسة مشكلة أساساً من ألوية قاطع حماه والمكوّن من أربعة ألوية هي «الايمان» و «خطاب» و «العاديات» و «المهاجرين والأنصار»، فيما رفضت ألويتها الأدلبية الانخراط في هذه المعركة، أما ألويتها الحلبية فهي غير قادرة على القيام بهذا العبء علاوة على الخلافات الضاربة في ما بينها، وخاصة «لواء الإسلام» و «لواء العباس».
وقد وقع قادة الألوية الحموية في حرج شديد بعد إطلاق «غزوة حماه» وعدم مشاركتهم فيها، لا سيما أن الفصيل الذي أطلق هذه المعركة، «جند الأقصى»، هو فصيل شبه معادٍ للحركة. وقد هدد بعض هؤلاء القادة بترك القتال في حلب والذهاب إلى حماه ما لم تسارع قيادة الحركة إلى إيجاد صيغة ترفع الحرج عنهم. وحاول قائد قاطع حماه أبو منير العسكري المعروف بلقب «دبوس الغاب» القيام ببعض الخطوات كقصف بعض النقاط أبرزها مطار حماه العسكري بهدف تخفيف الاحتقان في صفوف قادة ألويته، غير أن هذه الخطوات لم تكن كافية.
وفي خطوة تأخرت بضعة أيام، على الأرجح بسبب رفض «جبهة النصرة» لنتيجة المداولات التي انتهت إليها الفصائل والتي كشفنا عنها في تقرير سابق، قررت «أحرار الشام» الزج بقوتها في معركة حماه متغاضية عن كل المحاذير العسكرية والاجتماعية التي منعتها سابقاً من تأييد إطلاق هذه المعركة بالرغم من التهديدات المتكررة حولها.
وكنا قد كشفنا عن مداولات جرت بين «جبهة النصرة» و «فيلق الشام» و «جبهة النصرة» لمواجهة سيناريوهات مغامرة «جند الأقصى» غير المحسوبة في حماه. وأشارت إلى أن هذه الفصائل « تدارست السبل التي من شأنها منع «الجند» من الاستفراد بالسيطرة على المدينة وإنشاء إمارة خاصة به تضيف مزيداً من التعقيد على المشهد العسكري». ويبدو أن «جبهة النصرة» انسحبت من هذه المداولات لأنها لا تريد خسارة الروابط الأخيرة التي ما تزال تجمع بينها وبين «جند الأقصى»، خاصة أن مساعي الاندماج بين الفصائل الكبرى في الساحة السورية لم تتضح نتيجتها بعد.
وقد انضم «جيش الإسلام» إلى مداولات الفصائل بعد انسحاب «جبهة النصرة» وتوصلت المداولات إلى إصدار البيان التأسيسي الأول الذي نصّ على «تشكيل الهيئة العليا لإدارة مدينة حماه» والتي ينبثق عنها بحسب البيان «جسمٌ عسكريّ واحد يضمُّ الألوية والمجموعات العسكرية في المدينة تحت اسم واحد جامع لكل الحمويين هو جيش حماه». وحدد البيان هدف هذا الجيش بـ «تحرير مدينة حماه».
وقد وقع على البيان التأسيسي بالإضافة إلى الفصائل السابقة «الاتحاد الإسلامي» و«تجمع أهل الشام» و «الهيئة الشرعية في حماه».
ويدل إصدار هذا البيان على أن «أحرار الشام» بمشاركة الفصائل الموقعة عليه، قد قررت الانخراط الكامل في معركة حماه، وهو ما يعني أن جبهات القتال في الريف الحموي القريب من المدينة سيشهد تصعيداً كبيراً خلال الأيام وربما الساعات المقبلة.
ونص البيان على أن الهدف من تشكيل «الهيئة العليا» هو «إدارة المدينة وفق استراتيجية واضحة الرؤى والمعالم تشمل كل المناحي العسكريّة والمدنيّة»، مشيراً إلى أن البيانات اللاحقة سوف «تفصل فيها المكاتب المنبثقة عن الهيئة العامة ومجالات عملها».
ولكن اللافت هو أن «جند الأقصى» الذي كان أول من أشعل فتيل «غزوة حماه» قد غاب عن التوقيع على البيان التأسيسي. الأمر الذي يؤكد أن «أحرار الشام» تهدف أيضاً من وراء الانخراط في المعركة إلى قطع الطريق أمام هذا الفصيل ومنعه من الاستفراد بالسيطرة على ريف حماه الشمالي أو حتى على المدينة، بسبب وصولها إلى يقين بأن «جند الأقصى» لا يختلف عن تنظيم «داعش» في شيء وأن أي تقدم له على الأرض سيخلق المشاكل نفسها التي خلقها «داعش» من قبله.
وفي المحصلة تبدو محافظة حماه مقبلة على تطورات متسارعة، سواء لناحية تصاعد القتال ضد الخطوط الدفاعية للجيش السوري عن المدينة، أو لجهة تدهور العلاقات بين الفصائل المشاركة في المعركة، وهو ما يترك هذه المعركة مفتوحة على جميع الاحتمالات.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد