بوادر تصدع في الجبهة الداخلية لإسرائيل
قاد الفشل الإسرائيلي في حسم المعركة مع حزب الله خلال وقت قصير، رغم الوحشية التي يلجأ إليها الجيش في التدمير الشمولي، إلى بدء عدد من الساسة والمعلقين في طرح الأسئلة. ورغم تفاخر الحكومة والجيش في إسرائيل ب منعة وحصانة الجبهة الداخلية إلا أن الخبراء يعتقدون أن هذه المنعة مقبلة على التصدع إن لم تتحقق آمالالجمهور الإسرائيلي من العملية.
وقد بدأت يوم أمس بوادر تصدع الجبهة الداخلية والخارجية التي بلورتها إسرائيل والولايات المتحدة في هذه المرحلة. إذ أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن انعدام الحسم وطول المعركة دفعا عددا من الوزراء في المجلس الوزاري المصغر إلى التساؤل عن وجهة إسرائيل المقبلة. كما أن الفشل الميداني الإسرائيلي في إقامة الشريط الناري العازل وضرب القدرة الصاروخية لدى حزب الله أثار خلافات داخل القيادة العسكرية حول جدوى وضرورة الاجتياح البري. وعلى الصعيد الدولي وبمعزل عن الموقف الفرنسي في مجلس الأمن، فإن منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا لاحظ يوم أمس أن شروط إسرائيل يمكن أن تعيق قيام عمل دبلوماسي لحل الأزمة.
ويرى معلقون إسرائيليون أن الجبهة الداخلية حصينة ومنيعة حتى الآن. ولكن هذه الجبهة توحدت حول أهداف وآمال بينها النجاح في اجتثاث حزب الله وإزالة أخطاره واستعادة الجيش لقدرته الردعية. وقال هؤلاء إنه بقدر ما تطول المواجهة وتتقلص الآمال بقدر ما يبتعد الأمل بالقضاء على حزب الله. واعتبروا أن ذلك سيقود بالضرورة إلى تصدع هذه الجبهة الموحدة.
ويعتقد معلقون سياسيون وعسكريون أن مرور ثمانية أيام على القتال الشرس والضاري وقيام سلاح الجو الإسرائيلي بحوالى ثلاثة آلاف غارة من دون تحقيق الحسم قادا إلى طرح الأسئلة. وفي نظر هؤلاء فإن الأسئلة طرحت يوم أمس في اجتماع المجلس الوزاري المصغر حيث طرح أربعة وزراء بينهم متطرف جدا أسئلة جوهرية حول الوقت والأهداف. ولاحظ مراسلون سياسيون وجود توتر دفع قادة الجيش إلى عرض مواقفهم بهدوء.
وحسب التلفزيون الإسرائيلي فإن أحد الوزراء قال: لقد تحدث قادة الجيش لأول مرة بهدوء وبشكل هامس. بل إن بعضهم تحدث عن الحاجة إلى الاتصالات السياسية مع تركيز مفرط على النجاحات الجزئية. وأضاف هذا الوزير: لقد طرحت أسئلة ولم أحصل على أجوبة من الجيش. وقد اندفع قادة الجيش في ظل هذا الارتباك إلى إظهار خلافاتهم حول جدوى الحرب البرية. فمن جهة يواصل سلاح الجو اندفاعته لتحقيق النموذج الأميركي في العراق الذي سيقود بالضرورة إلى انهيار منظومة حزب الله. غير أن بين القادة البريين من يؤمن بأنه لا حل لضرب قدرة حزب الله الصاروخية غير الهجوم البري. ومع ذلك يقول خبراء عسكريون إن تجربة الجيش الإسرائيلي مع حزب الله بريا كانت حتى الآن غير ناجحة. في حين يرد أصحاب مدرسة الهجوم البري على ذلك بالقول إن القصف الجوي لم يبعد حزب الله ولو مترا واحدا عن مواقعه على الحدود حتى الآن.
ومع ذلك فإن هذا النقاش يترك أثره على الجمهور الإسرائيلي الذي يرى نفسه عرضة لصواريخ حزب الله على مسافة تبعد خمسين كيلومترا عن الحدود في حين أن قادة الجيش صاروا يخشون على أفراد وحداتهم على الجبهة مباشرة.
وقد جاءت عمليات الأمس في مارون الراس والناقورة حيث تصدى رجال حزب الله لمحاولات توغل بري لوحدات خاصة مدعومة بالدبابات والجرافات وتحت غطاء جوي، حيث نجح مقاتلو حزب الله في إدارة معركة استمرت أكثر من عشر ساعات على الحدود قتلوا خلالها، حسب الاعتراف الإسرائيلي، جنديين من وحدة ماغلان الخاصة وأصابوا ستة عشر جنديا آخر بجروح. ورغم أن قيادة الجيش أوحت في البداية أن هذه العمليات واسعة وهي تجري خلف خطوط العدو، عادت وأعلنت أن هذه العمليات البرية محدودة وموضعية.
وأشارت مصادر الجيش الإسرائيلي إلى أن مجموعة من حزب الله حاولت ليلة أمس اقتحام كيبوتس المطلة. ورغم تبادل إطلاق النار عاد الناطق بلسان الجيش ليعلن أن المهاجمين أفلحوا في الفرار بعد أن أطلقوا النار على المستوطنة من اتجاهين.
وادعت إسرائيل أن الوحدة الخاصة التي قامت بتمشيط موقع لحزب الله عثرت فيه على مخازن لأسلحة حزب الله. وقد تم تفجير عبوة في الدبابة ما أدى إلى إصابة طاقمها بجروح طفيفة ومتوسطة. تجدر الإشارة إلى أن هذا الموقع كان الإسرائيليون، إبان احتلالهم للجنوب اللبناني، يستخدمونه ويسمونه موقع شاكيد. وكان ينطلق من هذا الموقع، إضافة إلى القصف الصاروخي والمدفعي، مقاتلون يحاولون اقتحام موقع أفيفيم الإسرائيلي المجاور.
وبعد أن أعلنت إسرائيل عن تدمير راجمتي صواريخ زلزال في الأشرفية عادت واعترفت بأن سلاح البحرية دمر شاحنتي حفر آبار بسبب خطأ في التشخيص.
وقد توغلت قوة من وحدة ماغلان بضع عشرات من الأمتار في حرج قرب مارون الراس لإسكات مدافع لحزب الله عجز القصف الجوي والمدفعي طوال سبعة أيام عن إسكاتها. واعترفت إسرائيل بأن عمليات إنقاذ الجنود الذين وقعوا في كمين حزب الله لاقت مصاعب شديدة واستغرقت وقتا طويلا رغم مشاركة قوات جوية وبرية فيها. وقالت مصادر عسكرية بأن صعوبات هائلة واجهت عملية إخراج الجرحى من المنطقة بسبب وجود الكثير من خلايا المخربين في المنطقة التي فتحت النار باتجاه القوة الإسرائيلية. وقد أرسلت القيادة الإسرائيلية، في ظل مخاطرة كبيرة، دبابات لتغطية قوة الإنقاذ، الأمر الذي جعل إحدى الدبابات تتلقى ضربة مباشرة بقذيفة هاون. وقد أصيب جراء هذه الإصابة سبعة جنود آخرين.
المجلس الوزاري
أقر المجلس الوزاري المصغر في اجتماعه يوم أمس عددا من المبادئ السياسية الأمنية بشأن سبل حل الأزمة. وصدر عن الاجتماع بيان قال إن المجلس يشد على أيدي عائلات الجنود المخطوفين ويقول إن دولة إسرائيل ستبذل كل ما في وسعها من أجل إعادتهم إلى بيوتهم بأسرع وقت ممكن، سالمين معافين. كما أن المجلس يعرب عن تماثله العميق مع مواطني إسرائيل الصامدين في جبهة المعركة، بعزم وشجاعة، وطول نفس ووحدة صف.
وقرر المجلس أن الحرب المكثفة ضد حزب الله سوف تتواصل بما في ذلك ضرب بناه التحتية ومقراته القيادية وقدراته العملياتية ووسائله التسليحية وقياداته بهدف إعادة الجنود المخطوفين ووقف إطلاق الصواريخ وإزالة هذا الخطر.
أما مبادئ الحل السياسي للأزمة، في الساحة اللبنانية، فهي: أولا وقبل كل شيء تحرير الجنديين المخطوفين إيهود غولدفيسر وإلداد ريغف وإعادتهما إلى إسرائيل من دون قيد أو شرط. والمطلب الثاني هو وقف إطلاق الصواريخ على سكان الدولة وضد أهداف إسرائيلية. وفي النهاية طلبت إسرائيل التنفيذ التام والكامل للقرار 1559 بما في ذلك تجريد جميع الميليشيات من سلاحها، وبسط سيادة الحكومة اللبنانية على كل أراضيها ونشر الجيش اللبناني على طول الحدود مع إسرائيل.
زيارة سولانا
كرر أولمرت أمام سولانا قرار المجلس الوزاري المصغر الذي اشترط إعادة الجنود الأسرى ووقف إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل ونشر الجيش اللبناني على الحدود.
وشدد أولمرت على أن إسرائيل ستدير القتال ضد حزب الله بقدر ما يحتاج الأمر من أجل إعادة الجنود وتنفيذ القرار 1559 كاملا. وأشار إلى أن إسرائيل تصر على تنفيذ الترتيب الذي أقرته مجموعة الثمانية: إعادة الجنود من دون شروط، تجريد حزب الله من سلاحه وإنهاء خطر الصواريخ على إسرائيل ونشر الجيش اللبناني وبسط سيادة الحكومة اللبنانية على كل أراضي الدولة.
وأبدى سولانا تعاطفه مع مواطني إسرائيل ومعاناتهم نتيجة هجمات حزب الله وشد على يد رئيس الحكومة في هذه المرحلة الصعبة.
وقد أعلن سولانا في مؤتمر صحافي عقده مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني أن الاتحاد يطالب بوقف النار وسفك الدماء. وقال إنني أوصي بالعمل بشكل متناسب وتجنب المساس بالمدنيين، وكذلك السعي لكسب ود أهالي الجنوب اللبناني.
وردت ليفني على ذلك بإعلان أن لإسرائيل والأسرة الدولية أهدافا مشتركة وهي خلق صيرورة تقود إلى تغيير بعيد المدى في المنطقة يزيل الإرهاب الذي يعاني منه الإسرائيليون واللبنانيون.
تقديرات العملية
كتب المراسل السياسي لـ هآرتس ألوف بن أن تقديرات الجيش تشير إلى أنه بحاجة إلى ما بين عشرة أيام إلى اسبوعين لإنجاز الأهداف الموكلة إليه في العملية العسكرية. ونقل عن مصادر في هيئة الأركان العامة قولها إن بالوسع زيادة حجم استهداف منظومة صواريخ حزب الله وخصوصا الصواريخ البعيدة المدى وكذلك ضرب قيادات الحزب.
وأشار بن إلى أن مصدرا عسكريا رفيع المستوى أوضح له أن إسرائيل تتطلع إلى إضعاف حزب الله بشكل جوهري، وليس إلى تحطيمه. وحسب هذا المصدر فإنه يستحيل تحطيم حركة شعبية ودينية. وأضاف أنه لو تصرفت إسرائيل بهذه الطريقة في أعقاب أسر الجنود الإسرائيليين عام ,2000 لكان بالوسع منع العملية الأخيرة. وشدد بن على وجود تقديرات مختلفة لأثر الغارات الجوية على الروح القتالية لحزب الله. وقال إن رئيس الأركان دان حلوتس هو من بين من يلاحظون عوامل انكسار أولية في الطرف الثاني.
وأشارت المصادر الإسرائيلية إلى أنها شرعت باستهداف مواقع تجارية ومالية لحزب الله في أنحاء مختلفة من لبنان. وقالت إن هذه المشاريع التي تعود بمال وفير على حزب الله، تكمل ما تقدمه إيران لتغطية نفقات هذا الحزب وأذرعه المختلفة. ومن بين الأهداف التي أعلنت إسرائيل ضربها في هذا السياق أربعة مبان تعود ل بيت المال في بنت جبيل والنبطية وبعلبك والغازية. كما تم استهداف المكاتب المالية لحزب الله في بيروت.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد