بنى تحتية خائرة..وفوقها أحلام ناطحات السحاب
(أوصى المؤتمر العربي الدولي الأول حول التنمية العمرانية المستدامة في المدن السورية في ختام أعماله في دمشق بتقوية آليات التواصل في التخطيط العمراني والإقليمي والوطني والتغذية الراجعة وبالاتجاهين بين مستويات التخطيط المختلفة وتبني تشريع التخطيط الإقليمي والبدء بوضع المخططات الإقليمية بشكل تشاركي وتحديث الإطار القانوني الحالي الخاص بالتخطيط العمراني وصولا إلى مخططات عمرانية مرنة مبنية على الحاجات وبالتماشي مع رؤية إستراتيجية محلية واقعية وخطة تنفيذ واضحة.
ودعت التوصيات إلى اعتماد مقترح الأسس التخطيطية الجديد وتحديثها و مواءمتها مع متطلبات التنمية بشكل دوري وتطوير إدارة المرور والنقل من خلال مخططات توجيهية مرورية تتناسب مع الواقع التنظيمي للمدن والرؤية المستقبلية لها وتؤمن حماية البيئة وتلبية احتياجات السكان.
وتناولت التوصيات الخدمات المقدمة في المدن حيث دعت إلى الاستمرار بخطوات تبسيط الإجراءات والتفويض بالصلاحيات من المركز إلى الوحدات الإدارية المحلية واعتماد آليات التوثيق الجغرافية الرقمية كأساس للتخطيط ولإدارة وتوثيق البنى التحتية لتسهيل عمليات الكشف والصيانة وتنسيقها بين الجهات المختلفة إضافة إلى تشجيع انتشار أسلوب النافذة الواحدة في مجال تقديم الخدمات العامة في المدن وإيجاد مراكز خدمية لدعم البلديات كاتحادات البلديات مع وجود كادر فني مناسب ).
هذا الخبر أوردته وكالة (سانا) عن النتائج الإستراتيجية التي خرج بها مؤتمر التنمية العمرانية في المدن السورية، والتوصيات التي تجاوزت الثلاثين معزوفة حفظت عن ظهر قلب، أما على الأرض فتتداعى الوحدات الإدارية، ويلتف على القانون والقرارات والأدهى من ذلك أن البعض يستثمرها، فيما تذهب شكاوى الناس أدراج موظفي البلدية والمحافظة، أما وزارة الإدارة المحلية فتوجه عبر بروتوكولاتها المحافظات لضرورة معالجة الخلل، كلام ناعم احترفته وزارة الإدارة المحلية وبالتالي انتقلت العدوى لإلى المحافظات التي تعالج المشاكل بإعادتها إلى المشتكى عليه.
لكي لا يكون الكلام مكروراً ومعاداً كما جاءت قرارات المؤتمر المعني بالتنمية العمرانية للمدن السورية، ولكي لا يخرج قارئ الخبر الذي نشرته (سانا) بأن مشاكله كمواطن على أبواب عصر جديد، ربما ستقضي المؤتمرات على مرضنا العضال ما يعرف بالعشوائيات، وربما يخال له أنه مقبل على السكن في ناطحات سحاب، على الأقل في بناء عمودي بعد أن تمسح البلديات والمحافظة ومن خلفهم إرادة الإدارة المحلية كتل الاسمنت المنتشرة كالطاعون، وإن خانته أحلامه في بناء من أربعة طوابق في عين ترما، وفي أحلكها في بيت منسق وسط حي مثالي في إحدى قرى جبل الشيخ.
من تحت نبدأ بالنافذة الواحدة التي تحتاج إلى تشجيع، ألم يعد من المعيب ترداد هذا الكلام للهروب من استحقاق الأرض والواقع، النافذة الواحدة أليست مصطلحاً لتركيز الخطأ في مكان واحد، وأين ستنفذ في مجال تقديم الخدمات العامة في المدن، وأي مواطن له معاملة صغيرة يعرف جيداً ماذا تعني النافذة الواحدة.
ليس ما سلف مشروعاً يحتاج إلى مؤتمر لإقراره، ولكن أين.
البلديات هي المكان الأصغر الذي ينام فيه الفساد لكن في شكله الكبير، كم رئيس مجلس مدينة وبلدة وقرية تم كف يده هذا العام، والسؤال المباشر للسيد الدكتور تامر الحجة وزير الإدارة المحلية كم رئيس بلدية حولته للتفتيش، وكم رئيس بلدية تم كف يده عندما كنت محافظاً لمدينة حلب.
البلديات هي كل المشاريع التي تجعل من المواطن دائم الدوران في حقل من الغبار والحفريات، المشاريع التي يتعهدها بعض المقربين ودافعي الرشوات، نفس المتعهدين الين ينفذون أسوأ المشاريع يمنحون مشاريع إعادة ما نفذ بشكل سيء على أيديهم.
البلديات هي التي ساهمت عبر مكاتبها الفنية ورؤساء مجالسها الفاسدون بهذا الكم الخرافي من المخالفات، وساهمت في ازدهار أعمال تجار البناء الذين سقطت البنايات التي شيدوها في قدسيا ودف الشوك.
البلديات هي ساهمت في إثراء المساعدين الفنيين، وحولتهم إلى وحوش من جهة، وجباة من جهة أخرى لمن هم في هرمهم.
البلديات هي التي أقلقت ليل الأهالي ونهارهم في الرحيبة وإمبيا التابعة لقطنا بعد أن تفاجأت المحافظات الغافية على وجود حارات برمتها، ضواح من أكثر من ثلاثين بيتاً على الأرض كأمر واقع، ثم أرادت تصحيحه بورشات الهدم.
فكيف سيتم دعم هذه البلديات، وهل تقبل هذه المجالس البلدية بدعمها، وهل تحتاجه؟
أما الكوادر المناسبة فهي تعرف دورها جيداً، الدور الأزلي خدمة من يدفع أو غض النظر عن المدعوم، ومخالفة الفقير، وإقامة الحد عليه وكتابة الضبط وتحويله إلى القضاء.
وبمناسبة الحديث عن الكادر المناسب، من الأجدى بوزارة الإدارة المحلية أن تضع في سدة رئاسة المجالس البلدية مهندساً، لدينا كم هائل من خريجي كليات الهندسة ممن لا عمل له، فمن غير المعقول أن يكون ممرضاً أو ضابطاً متقاعداً رئيساً لمجلس بلدي، من الأجدى أ، يكون ملماً على الأقل بنظام ضابطة البناء.
هل يعني هذا البند من مقررات المؤتمر إعادة توثيق ما تحت الأرض، أو المشاريع القادمة إلى ما تحت الأرض، قبل ذلك من البديهي أن يتم العمل على إيجاد مخرج لعدم التنسيق بين الجهات التي تنفذ المشاريع.
لنضرب مثالاُ: مدينة قطنا في ريف دمشق أراد لها القدر أن ينفذ فيها كباقي مدن وبلدات ريف دمشق مشروع تجديد شبكات المياه بعد أن تفشت الأوبئة من التهاب الكبد إلى الاسهالات الحادة، السبب هو الاختلاط بين شبكة المياه الحلوة وشبكة الصرف الصحي من جهة، وتسلط مخلفات الصرف الصحي على منبع مياهها.
الجهة المشرفة على المشروع من مهندسين كانوا من خارج المدينة، والسبب كما يقول مسؤولو المياه والبلدية في المدينة رفض مؤسسة مياه الشرب في ريف دمشق سابقاً، وهنا يشير البعض إلى تواطؤ لأسباب يجهولونها..ويمطون شفاههم استغرابا وبلاهة.
بدأ المتعهد العمل وأنهى مشروعه، لكن وحدة المياه رفضت تسلم المشروع، السبب بدأ يتوضح عندما جاءت الأمطار الغزيرة وارتفع معدل الضخ في الشبكة الجديدة، وهنا كانت الكارثة انفجرت المياه في شوارع المدينة، وقد روى الكثير من المواطنين كيف عالج عمال وفنيي وحدة المياه الأمر، لم يعرفوا أين الخلل، أماكن توزع صنابير التوزيع لا يعرفونها، يخمنون فقط ويدعون الله أن يجدوها، الشبكة الجديدة لمياه قطنا كلفت 70مليون ليرة سورية، ذهبت هدراً.
هذا مثال عن الصيانة عند حدوث المشكلة، أما عمليات الكشف عن الخلل من خلال التنسيق بين الجهات المختلفة فقد يحتاج إلى معجزة.
كلنا ندرك ماذا تعني مركزية القرارات، والسلبيات التي تعود على الناس والوطن، لكن تبسيط الصلاحيات هنا إذا كان يعني ترك القرار للوحدة الأصغر في ظل الفساد الذي تحدثنا عنه سيمنحها مركزية في الفساد ودون محاسبة.
كنا سابقاً قد تحدثنا عن الآلية الخاطئة في إدارة الأزمات، فمحافظة ريف دمشق على سبيل المثال تحيل شكوى المواطن إلى بلديته لعلاجها، إذاً لماذا اشتكى المواطن للمحافظة والمضحك أن الشكوى ضد مخالفة قامت بها المحافظة..فماذا سيكون عليه الحال عندما تكون الوحدة الأصغر هي صاحبة القرار.
ندرك أن في القرار إن طبق حسن نوايا، لكنه سيكون(حق يراد به باطل).
ريف دمشق من أجمل أرياف العالم..كان، تنوع في الجغرافيا أثمر عن تنوع في الهواء والماء والنبات، لكن الإهمال الذي طال حياتنا، والخراب الذي ساهمت به الوحدات الإدارية، المحافظة، الوزارة، حول كل الجمال الذي كان إلى كارثة نحصد نتائجها مرضاً وتلوثاً.
المياه الجوفية استنفذت عبر سنوات من الاستجرار الظالم، المزارع والمسابح وقلة مواسم الخير ساهمت فيما نحن فيه من خلل مائي.
أغلب الينابيع جفت، وقرارات حماية بعضها وعدم الاعتداء على حرمه لم ينفذها أحد، من بردى إلى أصغر نبع في جبل الشيخ.
الصرف الصحي حول أراضي غوطة دمشق من المليحة حتى ما كان يسمى ببحيرة العتيبة إلى أرض سوداء، والهواء إلى روائح تسد الروح قبل الأنف، ومع ذلك من مياهه تسقى المزروعات، الخضار وفاكهة الغوطة، حتى أن حراسه يبيعون الفلاحين ساعات من المياه لسقاية القمح والخضار.
الشجر الذي كان يسقف طريق الغوطة اختفى في السنوات الأخيرة، الفرحون الذين يأسوا من دعم الدولة بعد أن صار ما ينتجونه لا يكفي ثمن مازوت لإدارة محركات ضخ المياه، وملء خزانات الجرارات، ويد عاملة في الأرض....بدؤوا يبيعون الأشجار، الآن وأنت تعبر الغوطة مساحات كانت خضراء، تحولت إلى مقاصف ومسابح.
انعقد المؤتمر على مدار يومين، صدرت القرارات والتوصيات بحضور ممثلين عن أكثر من مئة مدينة، من المؤكد أن الحضور والوزارة التي رعت المؤتمر سعدت بنتائجه، وكذلك الضيوف الذين لمحوا جدية في عمل الوزارة إن تم سيكون له الأثر الكبير في تغيير حياة جموع السوريين.
لكننا نعاني من أبسط المشاكل التي تعرقل أكبر القرارات، المخططات التنظيمية غير المنجزة التي يضعها البعض كحجر عثرة، المخططات المرورية، النقل بين المدن، المخططات العمرانية غير المرنة، الاستملاك غير المنطقي، وحتى المنطقي الذي يتعارض مع عدم منح المواطن المستملك له ما يعوضه، مع قرارات استملاك لمشاريع غايتها النفع العام لم تنفذ، أو أن لها أسباباً حقيقية وراء عبارة النفع العام.؟
من أجل مدينة وقرية وحارة جميلة..التوصيات والمؤتمرات لا تكفي في ظل غياب الإرادة العامة على الحياة في وسط مدينة حقيقية، عندما يلتقي شعور المواطن في بلد نظيف مع شعور المسؤول بحق المواطن في ذلك.
هل سيعرف أولادنا ذات يوم قادم شكل تموج بردى، رائحة الجوري في الغوطة، هواء قاسيون الذي كان..كل مؤتمر وأنتم بخير.
عبد الرزاق دياب
المصدر: قاسيون
إضافة تعليق جديد