بانوراما حرب الديمغرافية السورية من الرقة الى نوى
يعاني الجيش العربي السوري من ظلم شديد، سببه قصور التغطية الاعلامية عن التكامل مع احتياجاته لسلاح الحرب النفسية الذي لا يشمل فقط فعاليات عسكرية واعلامية صادرة عن العسكر. بل هي في الصميم عمل عسكري يواكبه عمل اعلامي دعائي مدني كبير وشامل.
كذا فإن السياسة التحريرية لوسائل الاعلام السورية واللبنانية الحليفة عجزت عن خلق دروع حماية نفسية مواكبة لأمر طبيعي في الحروب الاهلية الا وهو خسارة معارك وكسب اخرى، ففي الحرب الاهلية التي يقاتل فيها الجيش عصابات مسلحة تتخفى كالشبح وسط المدنيين لا يمكن حسمها عسكريا الا بعد تفتيت البيئة الحاضنة لطرف من الطرفين المتقاتلين.
دخلت القوات الاميركية الى العراق ولم تُهزم عسكريا بالمعنى الحرفي لكنها خسرت القدرة على ضبط البلاد كما تريد لا بسبب وجود قوة منافسة متكافئة بل لان البيئة الحاضنة لجنودها غير موجودة.
البيئة الشعبية المساندة الاقوى هي التي يربح من يقاتل لاجلها الحرب.
لذا، ليست مهمة رجل الشارع تلقي الهزائم بأمل وصبر، ذاك واحب محاربي القلم والصورة والمذياع، فاين الاعلام المقاوم السوري واللبناني من تلقي مزاجية الرأي العام الموالي بنشاط دعائي يسيطر على توجهاته من خلال الشفافية والكلمة الصادقة بما يجعل كل تراجع حافزا لشحن الهمم لا سببا للنفور والهمهمة والانكسار.
في الحروب الاهلية الطويلة لا شيء ثابت في المعارك قصيرة الاجل، وفترة العقد من السنين هي المدة المعقولة لنهاية اي حرب اهلية مشابهة للحرب في سورية.
وفي مثل هكذا اوضاع غير مسبوقة بالنسبة لمؤسسات الدولة فالغلبة العسكرية تكون للاقوى معنويا وتكون لمن يملك الدعم الشعبي الاكبر. هي حرب اهلية لأن اهل البلاد ينقسمون ولهذا لا يمكن ان يكسب اي طرف تلك الحرب الا حين يكسب قلوب وعقول اغلبية المواطنين.
لهذا، فان اشد عوامل الهزيمة فعالية هي كثرة التأثر بالهزائم المرحلية وشدة الامل بنهاية سريعة للحرب بسبب الانتصارات المرحلية.
الجيش السوري قوي لان نسبة الداعمين له من الشعب اكبر بكثير من اولئك المخدوعين بالدعاية المساندة للارهاب.
والشعب السوري وحده القادرة على منع انكسار القوات المسلحة، فلا السلاح الروسي ولا المال الايراني كافيان لتأمين الصمود فضلا عن الانتصار ان لم يكن في الجيش من يستعمل السلاح ويستبسل في القتال. فان كان الاب والاخ والاخت والام منهزمين نفسيا مع كل خسارة فكيف ستكون معنويات الجندي والضابط؟
واقع الامر في الميدان العسكري لا يحتاج لإعلام تبريري ولا لاعلام تضليلي، بل نحتاج لشفافية مطلقة فلا شيء يمكن اخفاؤه وخير الاكاذيب ان لا نكذب.
نعم هُزم الجيش العربي السوري في معارك كثيرة، وكلمة هزيمة تليق بجيش يقاتل عقول مخططي الاطلسي وازلامهم في المنطقة، ويقاتل اسلحة الحرب الالكترونية الاطلسية وطائرات التجسس واقمار التجسس الاطلسية ويقاتل مجموعات ليس لها رأس واحد ولا تقاتل بطريقة واحدة ولا تحمي منشآت حيوية بل تدمرها ولا تحمي سكانا بل تقتلهم حتى تسيطر على بقيتهم.
هم مشاة من عتاة الارهابيين الدوليين، ومن عتاة المجرمين المحليين ومن كبار المتعصبين المؤمنين ان موتهم افضل من حياتهم. كلمة هزيمة حين تحصل الهزيمة ليس عارا بل مدخل لتصحيح الاخطاء ولاستكمال المعركة. خداع النفس هو الهزيمة الحقيقية.
تليق بنا الهزيمة حين تصبح معبرا لحشد المزيد من المدنيين في صفوف القوى المقاتلة، لا حين نجعلها فرصة للنواح والعويل.
دخلت القوات “الاسرائيلية” لبنان وهزمتنا جميعا في اربعة ايام ولكنها هربت من معظم الاراضي اللبنانية في اشهر ومن كل لبنان في عشرين عاما، فقد كانت الهزيمة اولا سببا لولادة قوى مقاتلة افعل واكثر شراسة.
سقطت نوى، لان الواقع العسكري حتم سقوطها ولكن من احتلها يعرف انه يتحكم بها مؤقتا اذ ان منطق العقل يجعل من الكفة العسكرية تميل لصالح الجيش والقوى الشعبية التي تسانده انما الامر له شروطه وحساباته.
قرى وبلدات الغوطة تتساقط من حول دمشق، وتعود الى الحرية من الارهاب.
وحلب يفصلها عن موعد الاحاطة بها بطوق عسكري رسمي ثمانية كيلومترات تفصل استكمال الطوق عن تمامه.
سقط من قبل مطار القصير فكم بقي بيد الارهابيين لحين استرجاعه؟؟
الصبر مفتاح النصر في المعارك الاهلية.
يخسر الجيش مواقعه لان لا جيش في العالم يقاتل في 462 جبهة في وقت واحد وينتصر بسهولة على قوى تضرب وتهرب. فإن هاجمت لا تحسب حسابا لعدد قتلاها، وان دفعها الضغط العسكري للفرار تختار الفرار الى القبر لا الى الامان.
انها حرب الديمغرافية والجيش يكسب اكثر مما خسر واليكم الدليل.
يقول احصاء خاص بالاونروا ان عدد اللاجئين السوريين الهاربين من جنة حرية المعارضين الى جحيم ديكتاتورية السلطة يفوق بمرتين عدد اللاجئين خارج سورية.
جولة قصيرة في بانياس وطرطوس واللاذقية والعاصمة دمشق تجعل اي مشكك يتأكد بأن ثورة الحرية والكرامة لم تقنع الا الدهماء، وان الكثير من المواطنين البسطاء هربوا من مناطق المسلحين فور دخولهم اليها ولجأوا الى حيث الجيش العربي السوري.
الجيش السوري جيش كلاسيكي والوحدات المتخصصة في حرب الشوارع وفي حروب الغوار لم تكن تتجاوز عدة الاف فقط، وهو يقاتل من ثلاث سنوات ونيف في اربعمئة واثنين وستين نقطة تماس قتالي ضد اكثر من مئتي الف مسلح، بينهم ما يقارب من خمسين الفا من المتمرسين في حروب العصابات وقتال الغوار المدربين باشراف اكثر قوات خاصة اطلسية وعربية خبرة، وليس اقلها اهمية القوات التركية والاميركية والفرنسية والبريطانية.
خصائص الديمغرافية لا تحسبها هيئات الاركان في الحروب العابرة للحدود كونها ليست عاملا مؤثرا من الدرجة الاولى، فالتعامل مع الرأي العام عند الطرف الخارجي المعادي يحكمه عامل القناعة بأنه جهة معادية لا يمكن استمالتها.
في حين ان القتال الداخلي هو في الاساس قتال ديمغرافي، فلا يقاتل الجيش العربي السوري في نوى دون ان يأبه لاهلها ، ولا يقاتل في حلب وهو ينظر الى سكانها على انهم اعداء. ولهذا العامل تأثير كبير.
فبينما يقاتل الارهابيون دون اكتراث لحياتهم او لحياة من يزعمون انهم بيئتهم فان الجيش الشرعي المقاتل لا يتعامل مع المدنيين الا على اساس امر من امرين:
- انهم ضد الارهاب او مخدوعين به
فهل يقتل الجيش الوطني من قد ينقلبون الى موالين في حال انهزم الارهابيون وتشتت جمعهم؟؟
هذا العامل الاساس في الحروب الاهلية يجعل من مهمة الارهابيين سهلة، ومن مهمة الجيش امرا بالغ الصعوبة. يشبه الامر قصة “ام الصبي” فالجيش هو ام الصبي والمسلحين لا يأبهون ان قطعوا الطفل الى جزئين.
خضر عواركة: وكالة أنباء آسيا
إضافة تعليق جديد