باعة الأوهام.. «مرابطون» في داكار
في قلب العاصمة السنغالية داكار، وفي مناطق أخرى من البلاد، يستغلّ المشعوذون والدجالون، أو ما يُعرَف بـ «المرابطين»، ممّن يدّعون قدرتهم على الحماية من الأرواح الشريرة ومداواة الأمراض المستعصية، بساطة التفكير الشعبي لعدد من السكان، لاستعراض قدراتهم على فكّ الآلام، بغرض الترويج لما يقدّمونه من تعويذات وعقاقير مختلفة.
ديكور مثير للريبة ذلك الذي بدا طاغياً على ملعب «إيبا مار ديوب» في قلب مدينة داكار. فعلى طول السياج الممتدّ حوله، تتناثر ما يشبه الأكواخ، أو، في الواقع، هي عبارة عن قطع قماش مثبّتة إلى أعمدة مغروسة في الأرض، ومرفوعة بأغصان الشجر. وتحت تلك «الخيمة»، تنتصب طاولة محمّلة بقوارير، وأكوام من الأعشاب.
عشرات «المرابطين»، يعرضون خدماتهم «الطبية» في علاج الأمراض، وطرد الأرواح الشريرة، وغيرها، ويبيعون الأعشاب وأنواعاً مختلفة من الأدوية، حيث يستقبلون، يومياً، مئات الأشخاص الوافدين بحثاً عن أمل طال انتظاره.
«متاجر» بمكوّنات غريبة تجمع بين رؤوس الثدييات، والببغاوات، والقنافذ المجفّفة، وجلود الحيوانات البرّية، ولائحة طويلة أخرى من المكوّنات التي من النادر العثور عليها في مكان غير هذا.
عديد من هؤلاء «المرابطين» في مختلف المناطق السنغالية، يراهنون على سذاجة الكثير من الناس، معتمدين في ذلك على تركة وثنيّة خلّفها أسلافهم.
موسى، طالب سنغالي في علم الاجتماع، عقّب على الموضوع قائلاً، إنّ الكثير من الناس يطلبون خدمات المشعوذين في بلاده.
وبرغم الحاجز الديني، إلاّ أنّ «وصفات» هؤلاء «المرابطين» تمتلك تأثيراً رهيباً على زبائنهم المنبهرين بقدرات وهميّة على التحصين ضدّ العين الشريرة، وسوء الطالع، وحتى ضدّ حوادث المرور، بحسب موسى.
إسماعيلا ديابي، القادم إلى داكار من بلدة سيديو جنوب البلاد، قال إنَّه ورث «علمه» عن والده، والأخير بدوره ورثه عن أبيه، مشيراً إلى أنَّه يعرف خفايا العديد من الأمراض. ومن وراء طاولة مثقلة بالأعشاب وجلود الحيوانات البرية، أضاف بفخر: «بإمكاني علاج مرض السكري، والعين الشريرة، والربو، وارتفاع ضغط الدم، والتبوّل اللاإرادي».
وصفته عبارة عن مجموعة متنوّعة من النباتات والحيوانات الميتة وغيرها من المشروبات المعدّة من الأعشاب، يمزجها بعناية في إناء فخاري، قبل أن يتمتم بكلمات غير مفهومة. مزيج قال موسى، إنَّه من الممكن أن يفاجئ أكثر العارفين، مضيفاً أنَّ «هذه التجارة تحظى بسمعة لا تصدّق، والجميع تقريباً يستنجدون بما توفره لهم من حلول لمشاكلهم».
استقطاب لافت لممارسات يجد فيها الكثير من السنغاليين حلاً لما يواجهونه في حياتهم من صعوبات، وزيارة المشعوذين لا تقتصر على الفئات البسيطة ذات التعليم المتواضع فحسب، وإنَّما يزورونهم حتى طلاب السنوات النهائية والحاصلين على الشهادات الجامعية العليا الباحثين عن عمل، أو الفتيات اللواتي يتطلّعن إلى الحصول على زوج مناسب، وليس ذلك فقط، وإنَّما حتى الرياضيين المتطلّعين إلى تحقيق فوز في مبارياتهم، والسياسيين الباحثين عن الدعم الشعبي، وغيرهم.
من جانبهم، يدرك المرابطون جيداً حجم النجاح الذي تناله تعويذاتهم ووصفاتهم «السحرية»، وهذا ما يدفعهم إلى إظهار «سخاء» لا مثيل له في وصف الأعشاب و «الأدوية»، وهو ما يرفع إيراداتهم بشكل كبير، بما أنّه يزيد من قيمة المشتريات بالنسبة إلى الزبون.
وبغض النظر عن حقيقة تلك الممارسات، فإنّ انتشارها في مناطق كثيرة من السنغال، يفتح الباب أمام الباحثين عن الثراء السريع، عبر استثمار سذاجة بعض الأشخاص، وخصوصاً ممّن يتّسمون بالهشاشة، بحسب مصدر قضائي.
ووفقاً للمصدر نفسه، فإنَّ محكمة داكار تجد نفسها، في مناسبات كثيرة، مدعوة إلى البتّ في قضايا المشعوذين، ممّن جرّدوا أحد زبائنهم المتطلعين إلى الهجرة، من جميع ممتلكاته، أو سيدة زارتهم بحثاً عن سبيل يرفع منسوب عاطفة زوجها تجاهها. حيثيات يجدها الكثير من الناس غير كافية لمقاطعة المشعوذين والمرابطين.
(«الأناضول»)
إضافة تعليق جديد