بازار دولي لدعم الجمعيات الخيرية السورية
من يقصد «البازار» الخيري الدولي في دمشق، عليه أولاً أن يدفع ثمن بطاقة الدخول. هذا لا يعتبر تبرعاً، فهناك صندوق خاص بالتبرعات الشخصية. وأما ما ينوب المشترين من فعل الخير، فيتعلق بمدى قدرتهم على الشراء. أمامهم بضائع كثيرة، وعليهم مغالبة شعورهم بارتفاع الأسعار لأن ريع ما يبتاعونه سيعود إلى الجمعيات الخيرية. طبعاً هم لا يعرفون بدقة الكيفية التي سيتم من خلالها ذلك، لكن على ما يبدو، ومن كثافة اقبالهم، أن المبادرة تحوز ثقتهم.
يقام هذا «البازار» في دمشق كل عام منذ أكثر من 10 سنوات، وقبل 3 سنوات كان يدعى السوق الخيري الأوروبي، لأن المشاركة فيه اقتصرت على الدول الأوروبية، عبر سفاراتها الموجودة في سورية. لكن بعض الدول العربية أخذت المبادرة أخيراً على محمل الجدّ وانضمت، فأسقط نسب الخير إلى الأوروبيين وحدهم.
تشارك هذا العام في السوق الخيري 45 دولة إضافة إلى 9 منظمات دولية وبعض المنظمات غير الحكومية. ويتولى مسألة تنظيمه ممثلون عن سفارات عدة إضافة إلى ممثلين عن بعض الجمعيات الخيرية. وتقوم فكرته على أن تختار كل دولة بعض منتجاتها المحلية، وتطرحها في السوق الذي أقيم ليوم واحد من الساعة الحادية عشرة ظهراً وحتى الخامسة من مساء الجمعة الماضي.
ما يلفت الانتباه بداية هو شدة الاقبال على السوق الخيري، فبالكاد يستطيع زائره المرور عبر المتجمعين أمام طاولات العرض. الكل يستطلع ما يمكن شراؤه، وآخرون يستكشفون لمجرد الفضول، بعد أن تكاثرت الأكياس التي يحملونها. واينما جال الزائر بنظره سيجد أن الاكسسوارات التراثية حضورها غالب، سواء عربية كانت او أوربية او من الشرق الأدنى.
كيف ستحصل الجمعيات الخيرية على المساعدة؟ ترد على هذا السؤال السيدة فاطمة دالوين، وهي واحدة من المنظمين ممثلة عن السفارة البلجيكية، وتوضح أنه «يجب على كل دولة مشاركة تقديم عشرة في المئة من أرباح البيع لديها إلى منظمي السوق، وسيجمع ذلك مع التبرعات الشخصية وريع تذاكر الدخول وتذاكر سحوبات الحظ (يشتري من يريد بطاقات الحظ ويجرى سحب لينال كل فائز جائزة)».
وتشير دالوين إلى أن المنظمين لا يقدمون الأموال التي يجمعونها مباشرة إلى الجمعيات التي يعتزمون مساعدتها، «لكننا نسألهم عما يحتاجونه ونشتريه لهم، وبذلك نكون مطمئنين لاستفادتهم، لأننا إذا أعطيناهم النقود ستكون هناك شكوك وأسئلة غير لازمة». وعن غلاء البضائع تقول: «هذا طبيعي لأن البضاعة التي نعرضها غير موجودة في السوق، ويجب أن تكون هناك أرباح لنتمكن من مساعدة الجمعيات الخيرية». وتضيف أن السوق جمع العام الماضي ما يتجاوز 3 ملايين ليرة سورية (60 ألف دولار).
ويبدو لافتاً أن المطلوب هو فقط تقديم عشرة في المئة من الأرباح، ويمكن أن يقدم المشاركون نسبة أكبر لكن إذا رغبوا! ويشير المنظمون هنا إلى أن بقية الأرباح تستخدمها كل سفارة لتساعد بنفسها الجمعيات الخيرية التي تريد، ويحاولون عبر المنظمين تنويع المساعدة لئلّا تستفيد الجمعيات نفسها منها. لكن ما معنى كل هذا التنظيم الجماعي إذا كان توزيع الجزء الأعظم من الأرباح كمساعدة يخضع ولإرادة كل سفارة على حدة؟ ألم يكن الأجدى أن يتولى المنظمون توزيع كامل الأرباح؟ هذا مع الأخذ في الاعتبار أن كل سفارة ستسترد بنفسها ثمن بضائعها إضافة إلى ما تكلفته على نقلها وغيره.
هناك حساسية يتفادى المشاركون نقلها. مثلاً عندما نسأل السيدة نورا ضو، زوجة السفير الليبي في دمشق، وهي تقف أمام طاولة البيع، عن توزيع المساعدات تقول مباشرة: «هناك لجنة وهي التي ستتولى التوزيع للجمعيات الخيرية سواء كانت اسلامية او مسيحية»، مع العلم أن السؤال لم يحمل أي إشارة أو تلميح يطلب تحديد طبيعة الجمعيات؟! ومن المعروف أن عدد الجمعيات الخيرية المسلجة في سورية يتجاوز الـ 600 جمعية.
ومن ضمن مشاركة بعض الدول يلاحظ الزائر أن بعض الجمعيات الخيرية سمح لها ببيع انتاجها (هناك جمعيات تنتج بعض البضائع من خلال تدريب ذوي الحاجات الخاصة)... ويبقى السؤال هنا هل تلقت بعض الجمعيات الخيرية دعوة الى المشاركة؟ لكن الأجابة تأتي بأن الصالة التي قدمها فندق «الميرديان» «مجاناً» بحسب المنظمين، هي أكبر الصالات المتوافرة، وهي بالكاد اتسعت للمشاركين هذا العام.
وغير ذلك فإن الاقبال الكبير على السوق لا يمكن تجاهله، ويبرره بسام وهبي الذي أنهى التسوق مع عائلته بقوله: «يأتي الناس بكثرة لأن السوق يقام ليوم واحد فقط، وتعرض فيه أشياء غريبة من ثقافات مختلفة، وكأنه معرض متنوع»، مضيفاً أن ارتفاع الأسعار لم يزعجه «لأن النقود ستذهب لمساعدة الجمعيات الخيرية».
وسيم إبراهيم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد