انتخابات "كما تراني ياجميل أراك"
تحقيق ـ سعاد جروس : «كما تراني يا جميل أراك»، شعار رفعه مرشح من مدينة حماه لمجلس الشعب في الدور التشريعي الأول بعد قيام «الحركة التصحيحية» التي قادها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. جاءت تلك الحكمة في برنامج انتخابي مكون من ثلاثة عشر بنداً، اثنا عشر منها خصصت للشأن المحلي، أما البند الثالث عشر، فلتوضيح سياسة المرشح الخارجية بالقول: سياستي الخارجية مع كل دول العالم سوف تظل قائمة على مبدأ «كما تراني يا جميل أراك».
بعد مرور أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، شهدت ثمانية ادوار تشريعية، مدة الدور أربع سنوات، تعممت تلك الحكمة أو الشعار، لتصبح لسان حال الكثيرين بين المرشحين لمجلس الشعب وبين الناخبين، ففي حين لا يرى المرشحون في الناس سوى أصوات يتوسلونها للوصول إلى كرسي النيابة، باتت غالبية من الشعب لا ترى في النواب سوى مجموعة من الذين يستثمرون نيابتهم في تحقيق مصالحهم الخاصة قبل العامة، فلا تعقد عليهم الآمال، وإذا كان ثمة ما يرتجى منهم فعلاً، فليس أكثر من ثمن الأصوات.
أحمد سائق تاكسي من اللاذقية، في الخمسين من عمره، يقطن في دمشق، قال إنه ترك خبراً في أكثر من دائرة انتخابية بأنه على استعداد لبيع صوته في الانتخابات المقررة الاحد المقبل، وجمع أصوات أخرى بسعر ثلاثة آلاف ليرة (60 دولارا) للصوت الواحد، عدا ذلك لن يشارك في الانتخابات، فهو لا يعرف أي من المرشحين، ولن يستفيد من الناجحين لاحقاً. وحين حاولنا مناقشته في حقه كمواطن، هز رأسه باستخفاف قائلاً: القافلة تسير سواء شاركنا أم لم نشارك.
قدرت وزارة الداخلية عدد الناخبين بـ12 مليونا من أصل 19 مليون سوري، في حين لم يتجاوز عدد البطاقات الانتخابية التي سلمت سبع ملايين وستمائة ألف بطاقة، وتم تخصيص 12 ألفاً و425 مركزا انتخابياً للمقترعين، بنسبة مركز لكل ألف مقترع. وقد لوحظ لدى الإعلان عن الترشيحات، الإقبال الكبير للمرشحين حيث بلغ عددهم 9770 بينهم 1004 نساء؛ انسحب منهم 1172 ليبقى 8598 يتنافسون على 250 مقعداً، موزعة على قطاعين (أ) 127 لقطاع العمال والفلاحين، و123 (ب) لباقي فئات الشعب، وتحظى «لجبهة الوطنية التقدمية» بـ131 مقعداً تضم 10 أحزاب يسارية وقومية واشتراكية، منضوية في إطار الائتلاف الحاكم الموالي لحزب البعث الحاكم والذي بلغ عدد مرشحيه في قائمة الجبهة 134 مرشحاً ومرشحة، فيما رشحت باقي الأحزاب مجتمعة 36 شخصاً وترك 80 للمستقلين.
الإقبال على الترشح لم يواكبه حماس وتفاعل من الناس، بدا وكأن الحملات الانتخابية تخص أصحابها، ومنذ انطلاقتها ووجهت بانتقادات حادة من الشارع والصحافة السورية، على رأسها الصحف الرسمية، وتنامى الحديث عن عزوف الناس عن المشاركة في الاقتراع، ما دفع السلطات السورية والجبهة الوطنية التقدمية للعمل على تفعيل الشارع الذي أبدى لا مبالاة وبرود حيال الانتخابات، ودعت القيادة المركزية للجبهة في بيانات متتالية لها السوريين إلى «ممارسة واجبهم الوطني من خلال الإقبال على صناديق الاقتراع لانتخاب ممثليهم»، وحثتهم على «اختيار المرشحين الأكثر قدرة وكفاءة على تمثيلهم وخدمة مصالحهم». إلا أن ثمة قناعة شبه عامة بأن قائمة الجبهة لا تحتاج إلى التصويت، وإعلان أسماء مرشيحها يعني بشكل ما أنه تم تعينهم في المجلس، فبإمكان حزب البعث الحاكم أن يوجه أعضائه الذين يمثلون أكثرية في سورية (مليون ونصف بعثي تقريباً ) للتصويت للمرشحين المطلوب نجاحهم في قائمة الجبهة، وقد سجلت الدورات السابقة الاحتفال بنجاح مرشحي قوائم الجبهة قبل إعلان نتائج الاقتراع. هذا العام طالب أحد مرشحي الجبهة في محافظة حمص زملاءه الإقلاع عن هذه العادة لأنها تكرس القناعة بعدم جدوى الاقتراع وترسخت حالة من السلبية واللامبالاة تسعى السلطات إلى تفاديها في هذا الدور. وأكد المرشح الجبهوي عماد غليون لـ«الشرق الأوسط»: إن هذا التصرف معيب والاقتراع مطلوب، حتى لو كان شكلياً كي لا ينسى الناس أن التصويت حق لهم، وأن بإمكانهم تغيير الواقع لو شاءوا ذلك. لكن ثمة واقعاً يفرض نفسه على المشهد الانتخابي، فمرشحوا الجبهة غير مضطرين للإنفاق على الدعاية الانتخابية التي تكلف مئات الملايين من الليرات السورية، ومن يراقب كثافة الإعلان في الشارع، لا بد أن يذهله حجم الإنفاق الإعلاني، الذي حُدد سقفه في هذه الدورة ولأول مرة بثلاثة ملايين ليرة سورية، لا شك في أنها لا تغطي ربع ما يبعثره المرشحون على شتى وسائل الإعلان الطرقية والخيم الانتخابية والولائم، بالأخص كبار المتمولين والتجار، إذ البذخ ظاهر بطريقة فجة، فالخيم شغلت الأرصفة والساحات وتحولت إلى منتديات للسمر وصالونات للاستقبال مفروشة بأفخم قطع الأثاث الشرقي والغربي من كراسي موزاييك مطعمة بالعظم والصدف والفضة إلى أخرى جلدية على الطراز الغربي وثالثة خشب حفر وقطيفة، وستائر حرير ومخمل وشيفون وأرضيات موكيت. وتظهر كل خيمة حسب قدرات أصحابها المالية، فمن خيمة تعقد فيها الدبكات الشعبية على انغام على الدلعونة إلى خيمة أخرى تتسع لألف شخص تحف بها أكثر من خمس وعشرين فرقة عراضة شامية كل فرقة لا يقل عدد أعضائها عن عشرين شخصاً، عدا فرق الخيالة يطوف بداخلها عشرات من النادلين بصواني القهوة المرة والليمون والكمون والشاي والماء والسكاكر، وتصدح في أرجائها أغاني فيروز عن الشام والعشق للشام وتزينها شاشات عرض ضخمة مع إضاءة تضفي على صور المرشحين مسحة مسرحية لا تخلو من تمثيل واضح. وخيمة رابعة لم يملك أصحابها المال الكافي للمنافسة، فلجأت لشيوخ طريقة ليقيموا حلقات ذكر ودروس دينية ومواعظ تستقطب البسطاء. ولا يمكن للمرء الداخل إلى الخيام الفارهة إلا أن تذهله كميات الأموال التي تصرف يومياً على هذه المظاهر. ترى هل من الممكن بعد كل هذا الإنفاق ألا يفوز كبار المتمولين بالمقعد النيابي؟ هناك من يقول أن هذا الأمر وراد، خاصة بعدما سمعنا أنه في محافظة حمص على سبيل المثال منعت التجاوزات في الحملة الإعلانية للمرشحين، كإشغال الأماكن العامة بالخيم أو تعليق الملصقات واليافطات في الأماكن غير المخصصة، وقد بلغ حجم الغرامات بحق المرشحين 207 مليون ليرة سوري، وبلغت غرامة النظافة بحق أحد المرشحين 9 مليون ليرة أي ثلاثة أضعاف المبلغ المخصص للدعاية. وما يقلق هو إمكانية استخدام موضوع المخالفات للتأثير على النتائج. لا ريب في أن حجم رأسمال المال الداخل في الانتخابات كان سبباً آخر في تعزيز الشعور لدى الناس بعد أهمية المشاركة في التصويت، فـ«المال يحكي» حسب رأي أحدهم. وكان واضحاً أن الحملات الإعلانية تجاوزت السقف المسموح به، من خلال التحايل وتوقيع الصور واللافتات بأسماء أشخاص وهيئات باعتبارها تقدمه من أصدقاء المرشح، وهناك من اخبرنا بأنه وجد اسمه مكتوباًَ على إحدى اللافتات دون علمه. رامي 26 عاماً، يعلق متهكماً بأن من ينفق كل هذه الأموال لابد أنه منشغل بتدقيق حساباته، وليس لديه وقت للتفكير باحتياجات الشعب. دخل رامي إلى إحدى الخيام بدافع الفضول وأيضاً تلبية لرغبة والده الذي يعمل موظفاً لدى شركة لأحد المرشحين، على أمل أن يلفت رامي نظر رب عمل والده لعل وعسى أن يقبله للعمل لديه، لأن موسم الانتخابات يشكل فرصة عمل مؤقت لكثير من الشباب، سواء العمل في الخيام أو تعليق اليافطات وجمع الأصوات. كما ساهمت الانتخابات في تحريك سوق المواقع الالكترونية فأنشأ كثير من المرشحين مواقع شخصية لهم، يستقبلون فيها الآراء والاقتراحات ويتواصلون مع الشباب، كما حاولت شركات أخرى افتتاح مواقع تستضيف فيها المرشحين وتنشر نبذة عن كل واحد منهم. ليشكل كل موقع خيمة افتراضية، لا تقل بذخاً عن الخيمة الحقيقية التي تحولت إلى مجلس مفتوحاً للنقاش إما لكيل المديح او للشتائم للمرشحين.
في خيمة بدت متواضعة بل فقيرة قياساً إلى غيرها شغلها ثلاثة مرشحين، بينهم مرشح رصد لحملته سبعة آلاف ليرة فقط، بدا أنه أنفقها للتذكير بوجوده ليس إلا، وكذلك مرشح آخر تجاوز السبعين من العمر يقول انه العالم الكوني الوحيد في العالم، وقد طبع صورته بالأبيض والأسود عندما كان شاباً على خلفية لصور بوارج حربية مثل البارجة «جان بارت» وكتب تحتها «أغرقناها 1956، والمدمرة «إيلات» أغرقناها ،1967 والبارجة «ساعر» أغرقت »2006، مع عبارة أخرى «شمس تبعد عنا 226 سنة ضوئية لها عدة كواكب مأهولة»، ولم يوضح صاحب الملصق الكوني علاقته بتلك الرموز ولا ببرنامجه الانتخابي، بينما اظهر ولعاً خاصاً بالمايكروفون وهو يخطب بالحضور مستعرضاً معلوماته الفلكية الممزوجة بالعلوم الدينية. أما الجمهور فكان من نساء وأطفال عائلة المرشح الثالث صاحب الخيمة، والذي بدا متواضعاً دمثاً وهو يشرح أهدافه من الترشح وهي إيصال صوت الناس للحكومة وحل مشاكلهم، لأنه من عائلة كانت تدعى «نصف رغيف وكوساية» كناية عن عملها الخيري بتوزيع نصف رغيف وحبة كوسا للمحتاجين. يقول هذا المرشح انه دخل إلى الانتخابات بوصفه مواطنا محروقا قلبه من النواب الذين عندما يصلون الى الكرسي ينسون الناس، لذا تعهد في حال وصوله إلى البرلمان بنشر أرقام هواتفه في الصحف ليتصل به المواطنون، ويكون صوتهم الصارخ تحت القبة.
وهذا ما يعتبره المرشح عماد غليون «خطأ كبيراً في فهم المرشح لطبيعة عمل المجلس فهو جهاز رقابي على أداء الحكومة كسلطة تنفيذية، لا مكتب خدمات وشكاوى. ويقول إن المجلس حين لا يلبي الخدمات المطلوبة يظهر عاجزاً وبالتالي يفقد الثقة». هذا الخطأ لا يتحمل مسؤوليته الشعب، وإنما النواب الذين يتحولون إلى مسهلي معاملات وملبي الحاجات لقاء المعلوم، بينما يدخله الأثرياء طمعاً بالحصانة، ولدعم القرارات والمراسيم التي تخدم مصالحهم. فالتغييرات الاقتصادية في سورية والتوجه إلى «اقتصاد السوق الاجتماعي» في السنتين الأخيرتين بالإضافة إلى الأحداث الإقليمية وتصاعد المد الديني في المنطقة، انعكست على الانتخابات السورية لتظهر في تقاسم التنافس على مقاعد المستقلين بين رجال الأعمال وبين رجال الدين، والذي عبرت عنه بجلاء صور المرشحين المنمقة والمعدلة بفضل برنامج الفوتوشوب «معالج الصور» لتأتي الوجوه طهرانية في نقائها موردة في استبشارها، لا يؤثر فيها غم ولا هم ولا تتالي الأحداث والسنين. فالجميع شيباً وشباناً، رجالاً ونساء، محجبات وسافرات كانوا كنجوم السينما، يرمقون المارة بنظرات وديعة، لا تخلو من إغراء كي ينتخبونهم.
النائب السابق والمرشح الحالي الدكتور محمد حبش كان له رأي طريف في هذا النوع من الدعاية التي غابت عنها البرامج الانتخابية، يستند إلى حديث نبوي: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها». كذلك المرشح ينتخب لأربع أيضاً: إما لماله فيقدم نفسه وفق هذا المنطق، وإما لجماله ويبدو في المرشحين الذين يعتنون بتجميل وجوههم بالمكياج وتصفيف شعورهم، أو لحسبه فيُبرز نسبه ويتصرف بهذا المنطلق. وإما لدينه وهو عمله وما ينبغي عليه القيام به.
غالية (26 عاما) من مخيم الوافدين، قررت التصويت لأجمل مرشح برأيها، لأن الله جميل ويحب الجمال، وقد احتفظت بصورته في هاتفها المحمول، مما يؤكد جدوى الصورة الجميلة في عصر الغلبة فيه للمظهر لا للمضمون، فكلما ازداد المرشح جمالاً نال أصوات أكثر. المهندسة الزراعية سميرة(50 عام) تقول أن صور المرشحين ذكرتها بالراغبين بالزواج الذين يرسلون صورهم إلى الخاطبة كي تبحث لهم عن عروس، وغالباً لا تتطابق الصورة مع الواقع، ويكون العريس أسوأ من المتوقع. وهذا حالنا مع المرشحين، فهم لا يطرحون برامج انتخابية لنحاسبهم على تنفيذها، ولا شعارات واقعية يمكن تصديقها، بل إن طروحاتهم طموحة وفضفاضة، تعجز عنها الدولة، مثل «مكافحة الفساد والبطالة والغلاء وأزمة السكن». أما بيانات الجبهة فنراها سياسية عامة، لا تختلف عن افتتاحيات الصحف الرسمية، والكلام المكرور إياه، لذا الغالبية غير معنية بالانتخابات، إلا بقدر ما تستفيد. مارلين (20 عاما) لن تشارك في الاقتراع، لأن أياً من المرشحين لم تعجبها صورته، ولا تصدق الشعارات الخلبية التي يرفعونها، فقد تخرجت من الثانوية التجارية، ولم تقبل في جامعة أو معهد، وتقبع في المنزل عاطلة عن العمل تنتظر فرصة لتعلم صنعة كالخياطة أو تصفيف الشعر تضمن استقلالها المادي ليس أكثر، ولأن كاهن الرعية طلب من جميع أبناء رعيته في ريف دمشق أن يشاركوا في الانتخابات كواجب وطني، خشيت إغضابه أو الخروج عن الجماعة، كما أن عمها طلب من أبناء الأسرة جميعاً التصويت لمرشح معين. تقول مارلين، أنا حائرة بين قرار اتخذته بعدم المشاركة وبين أن أشارك تلبية لرغبة عمي والكاهن، لا ادري ما أفعل، على الأغلب سأستسلم، كوني لن أخسر شيئاً.
ويدرك المرشحون صعوبة حض الشارع على التفاعل مع الانتخابات، ما لم يتم تحريك مشاعر الناس، وبما أن الحس الديني في طور صعود، لجأ غالبية المرشحين الى مخاطبته عبر الاستعانة بالرموز الدينية، فتم وضع صورة للجامع الأموي كخلفية لبورتريه المرشح، فيما عمد بعض المرشحين المسيحيين لاتخاذ آيات من الكتاب المقدس شعاراً لهم، وثمة من زايد على الفريقين بوضع خلفية لصورته جامع مع كنيسة، وحتى المعروفين بتوجهاتهم العلمانية لم يوفروا التعابير الإيمانية في مخاطبة الناس، فرفعوا شعاراً مثل «حب الوطن من الإيمان».
محسن (25 عاما) قرر انتخاب الشاب الشيخ التقي الورع الذي يؤازره، وهو إمام الجامع الذي يصلي فيه، فهذا الشيخ سيكون صوت الإيمان والمؤمنين تحت القبة، وسيخدم قضايا الدين الحنيف، وبرأيه أن رجال الدين أفضل من التجار الذين لا يهمهم سوى مصالحهم الشخصية، بينما رجال الدين سيعملون من أجل القيم الفاضلة وحماية المجتمع من الفسق والفساد. كما يعتقد أن الشارع السوري بشكل عام سيرجح كفة المتدينين، بدليل لجوء معظم المرشحين إلى رفع شعارات دينية إيمانية. الدكتور محمد حبش لم ير شيئاً غريباً في الاستعانة بالرموز الحضارية الروحية فالشارع السوري مؤمن. ويلفت حبش إلى أنه لا يوجد في سورية علمانية على النمط الموجود في الغرب، كما لا يوجد حزب سياسي يعمل ضد الدين، فحتى الحزب الشيوعي ليس بإمكانه أن يكون أحمر بالكامل. وعن البرود في حماسة الناس للمشاركة في العملية الانتخابية يقول: المؤسسة البرلمانية لدينا لا تزال مؤسسة ضعيفة، ونحن لا نستطيع الزعم بأننا أنجزنا مؤسسة برلمانية تامة، كالمؤسسات الموجودة في الدول المتقدمة. ومع ذلك يتوقع حبش أن يكون هناك إقبال على الاقتراع، فعدد الناخبين الكبير يشير إلى تنامي الوعي بضرورة المشاركة فهناك 100 مرشح عن دمشق يتنافسون على 29 مقعداً.
رضا علي طبيب (45 عاما) يختلف مع الدكتور حبش في قراءته لعدد المرشحين الكبير، بأن ذلك لا يشير إلى وعي، وإنما إلى رغبة لدى التجار ورجال الدين باستكمال نفوذهم المالي والاجتماعي بنفوذ سلطوي سياسي، يخولهم حماية مصالحهم وتنفيذ مشاريعهم سواء الدينية كرجال دين أو اقتصادية كرجال مال، أما المتواضعون منهم فالكثيرون منهم يرغبون في الظهور وقت الحملات الإعلانية، كرد فعل على الفراغ الكبير وحالة التهميش التي يعيشونها، فيحاولون إرضاء أنفسهم بنشر صورهم في كل مكان تيمناً بالمشاهير. بينما يقول المرشح عن قائمة الجبهة عماد غليون، إنه ترشح لرغبته بفعل شيء، «وكي لا نبقى ننتقد دون أن نحاول العمل فعلياً»، وهو مصمم على خوض هذه التجربة رغم عدم ضمان النتائج، ويأمل بتقديم صورة مختلفة للنائب في مجلس الشعب، فهذا ليس مكسباً شخصياً وإنما هو مكسب عام، لذا لا بد من العمل على إعادة الثقة بين الناس وممثليهم في البرلمان. ووعد غليون بالمحاولة لأن يكون نائباً حقيقياً. أما نحن فوعدنا بتذكيره بهذا الكلام بعد أربع سنوات في حال وصل إلى مجلس الشعب.
لا يمكن تعميم تلك المواقف، إلا أنها تعتبر مؤشراً على تفاعل السوريين مع حدث محلي بهذه الضخامة، وتبدت مخاوف السلطات من ضعف الإقبال على المشاركة في الانتخابات من خلال التطمينات الكثيرة التي أعطتها، مؤكدة أن الانتخابات ستكون الأكثر نزاهة. ففي تعميم لوزارة الداخلية تم التأكيد على رؤساء اللجان المركزية والمراكز الانتخابية بعدم جواز اقتراع أي مواطن إلا بحضوره شخصياً إلى مركز الاقتراع مصطحباً البطاقة الانتخابية وأي مخالفة ستعرض مرتكبيها للمساءلة القانونية بموجب المواد 319 وحتى 343 من قانون العقوبات العام. كما سيتم استخدام الحبر الخاص ووجوب تركه على السبابة لمدة 30 ثانية حتى تجف قبل مغادرة المقترع المركز الانتخابي؛ منعاً لتكرار الاقتراع من قبل الناخب في أكثر من مركز ولأكثر من مرة، لا سيما أن هذا الحبر غير قابل للإزالة المباشرة. كما ستكون الصناديق شفافة.. الخ من إجراءات تعتبر من بديهيات العملية الانتخابية. وهناك من رأى فيها تشديداً غير مسبوقاً في الانتخابات السورية، وهو ما فسره كلام رضوان عليوي من محافظة حمص بأن المرشح سابقاً كان يقصد شيوخ العشائر وزعماء ومخاتير القرى ويطلب مساندتهم مقابل دعم ما أو هدية عينية، فيتولى هؤلاء توجيه الأشخاص الذين يؤثرون عليهم لانتخاب فلان أو فلان. ويقول رضوان«أذكر في إحدى الدورات مختار قرية نائية جلب كيساً كبيراً ملأه ببطاقات شخصية لأهالي القرية ومنحه لأحد المرشحين. وعلم لاحقاً أنه تقاضى ثمنها 25 ألف ليرة وربما أكثر». لذا يأمل رضوان أن تحد الإجراءات المشددة من عمليات بيع الأصوات وبالأخص أصوات المسنين والعجزة وربات المنازل ممن يصعب ذهابهم إلى مراكز الاقتراع، وهم الشريحة الأكثر عرضة لهذا النوع من الاستغلال. الإجراءات والتعليمات المشددة، لم تمنع مرشحا حمصيا من اتخاذ خطوات استباقية للوقوف في وجه تلاعب محتمل بالصناديق، أثناء عملية فرز الأصوات، فلجأ توفيراً للوقت في معركة ضروس متوقعة إلى كتابة أوراق شكوى تاركاً فيها رقم الصندوق فارغاً لاستخدامها فوراً في الاعتراض على التلاعب إذا حصل، وهو شبه متيقن من حدوثه لأن هناك مسؤولين كبارا مصرين على إيصال مرشحين معينين إلى المجلس. مع شبه يقين بأن انكفاء الناس عن المشاركة لن يحول دون وصول 250 نائبا إلى مقاعدهم ليتربعوا فوقها مدة أربع سنوات قادمة. لن يوفرهم خلالها الشعب من نكات لاذعة بدأت بالشيوع مع بدء الحملة الإعلانية، حيث جرى تبادل لصور المرشحين وقد تم تعديلها لتلبي خيال النكتة وظرفها، فقائمة كبار رجال المال عصبت عيونهم بنظارات سوداء وكتب عليها آل باتشينو، وآخر وضع إلى جانب صورته إعلان شاي ليبتون علامة الذوق الرفيع، وثالث كانت صورته إلى جانب صورة إعلان صانسيلك وكتب عليها سأنتخب فتاة الصن سلك، أما إعلان محلات أوبشن فكان تنزيلات بربع القيمة، وجاء وسط مجموعة كبيرة من يافطات وصور المرشحين. ليكونوا جميعاَ بربع القيمة، تماما كما هي حال برلماناتنا.
الشرق الأوسط
إضافة تعليق جديد