امتحان تكافؤ الفرص
منذ أكثر من ألف عام، وُضع في الصين نظام امتحانات رسمية لاختيار نخبة أشخاص يحتاج إليهم الحكام، كل سنة. وهو امتحان يخوّل الناجح فيه الانضمام إلى صفوف الموظفين الرسميين، ولكنّه يخلّف عدداً كبيراً من الراسبين الذي يُتركون لمصيرهم.
ولطالما كانت امتحانات التوظيف الرسمية الطريقة الفضلى للارتقاء في المجتمع، بالنسبة إلى أفراد من عائلات متوسطة ينشدون تبوّء مراكز كبيرة. وكان يكفي تعلّم مبادئ الفيلسوف كنفوشيوس والاشتراك في الامتحانات المتتالية والموحدة التي تنظمها الإدارة. وأحياناً، يقدّر لبعض أبناء الطبقة المتوسطة التفوق على أشخاص آخرين ممن ورثوا المنصب بالولادة، على ما ورد في مجلة «تشاينا نيوزويك» الصينية.
وفي عام 1947، ومن خلال دراسة إحصائية حول الامتحانات الرسمية والانتقال من طبقة اجتماعية إلى أخرى، حلّل علماء اجتماع نحو 915 مسابقة، نُسخت بالحبر الأحمر عن الأصلية منعاً للتعرّف الى خطّ الخاضعين للامتحان، وهي تعود إلى عهد «كينغ». وبفضل تحديد «مكان الإقامة» على المسابقة، عُرف ان 52.5 في المئة من الناجحين في الامتحانات أتوا من المدن الكبيرة، و6.34 في المئة من مدن صغيرة، و41.16 في المئة من المناطق الريفية التي تحتوي العدد الأكبر من السكان. وخلُصت الدراسة إلى أن الامتحانات الرسمية عززت الارتقاء الاجتماعي بين صفوف الموظفين في الصين. وبعد 300 سنة على وجوده، لا يزال نظام الامتحانات الرسمية الصيني يوحي للأجيال الجديدة بالثقة. فقد سمح الانتظام الذي تتسم به الامتحانات الرسمية بتناقله من عصر إلى آخر. ولم يكن أحد يجرؤ، حتى الإمبراطور نفسه، على تغييره كما يحلو له، لأنه أصبح متلازماً بشكل طبيعي مع أشهر السنة ومواسمها».
ويعتمد هذا الاستقرار على مبدأ تكافؤ الفرص، وعمدت التعديلات كلها التي أُدخلت على نظام الامتحانات إلى تعزيز طابعها في ما يتعلّق بالمساواة. ففي مراحلها الأولى، كانت المسابقات والإجراءات تتصف بالتنوع، والامتحانات تشمل دراسة المبادئ التقليدية والحساب أو القانون. نتيجةً لذلك، كان الأوفر حظاً للنجاح من يتمتع بمواهب عدة. ولكن معايير الحكم التي لم تكن موضوعية خلّفت العديد من حالات الظلم. وفي مرحلة لاحقة تقلّصت العناصر غير الموضوعية إلى أدنى حدودها عند تصحيح المسابقات. ثم عادت الامتحانات إلى مجراها الطبيعي، قبل أن تأخذ طابعاً سرياً، إذ أقفل رأس الكرّاس (الدفتر)، حيث يُكتب اسم الطالب وعنوانه ليُفتح بعد وضع العلامة. وفي ما بعد، اعتُمد أسلوب «نسخ» المسابقات، لئلاّ يتعرّف المصححون الى أصحاب الخطوط. ولكن الامتحانات بقيت موضع تساؤل حول تكافؤ الفرص أمام المناطق الجغرافية الكثيرة التي يأتي منها طلاب الوظائف. وفي أواسط حكم عائلة «مينغ»، اعتُمد نظام امتحانات جديد يقسم البلاد إلى ثلاثة أقسام: الشمال والوسط والجنوب، بنسب قبول متفاوتة بحسب المنطقة.
وفي 1989، أطلقت الصين أول إصلاح فعلي في طريقة استخدام موظفي الحكومة. ثم في 1994، اعتُمد امتحان للتوظيف على نطاق واسع. وفي 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2005، أشارت دراسة، أصدرها مركز الأبحاث للشباب الصيني، تحت عنوان «وضع التلاميذ في الصين من الابتدائي حتى الثانوي وآمالهم في الدراسة والحياة اليومية»، إلى ان 58 في المئة من التلاميذ في بيجينغ مؤهلون لتقديم امتحان الدخول إلى الجامعة، في حين تفوق هذه النسبة على الصعيد الوطني الـ63 في المئة.
وهكذا، وفي حين هدف إلغاء امتحان الدخول إلى الجامعة في البداية إلى تخفيف عبء الدراسة على التلاميذ، يبدو أن هؤلاء يفضلون هذه الطريقة، أي اختبارهم قبل الدخول. وعلى رغم التخلي عنها منذ نحو القرن، لا تزال الامتحانات الرسمية للالتحاق بوظائف الدولة، حاضرة في ذهن الصينيين وهي تستعمل حالياً كحجة لكل من يدافع عن نظام الامتحانات المعتمد اليوم، باسم إجراء عملية توظيف تعتمد على الكفاءات وتكافؤ الفرص.
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد