المياه الزرقاء وصمتها الخطير
من وقت إلى آخر يرى نقاطاً سوداً صغيرة (تشبه الذباب الطائر) تتحرك أمام ناظريه خصوصاً عندما يشخص بعينيه إلى السماء أو إلى جدار أبيض. لم يكترث للأمر ظناً منه أن معاناته عابرة عزاها سلفاً إلى عامل التقدم في السن.
ظل المريض على هذه الحال سنوات طويلة، ولكن مع مرور الوقت أصبح يشاهد الذباب الطائر في شكل مكثف إضافة إلى تراجع في حدة البصر. ما الخطب؟
راجع الطبيب المختص في أمراض العيون. وبعد إجراء الفحص اللازم تبين انه يعاني من الغلوكوما، وأن هناك تراجعاً ملحوظاً في الرؤية المحيطية، فوصف له الطبيب قطرة عينية يستعملها يومياً.
فما هو الغلوكوما؟
الغلوكوما (الماء الأزرق في العامية) مرض يصيب العين نتيجة ارتفاع ضغط السوائل في داخلها الذي يؤدي مع الوقت إلى حدوث تلف في ألياف العصب البصري التي تحمل الصور المرئية إلى المخ، يتبعها حصول تغيرات طارئة في الرؤية قد تفضي في النهاية إلى الإصابة بالعمى.
والماء الأزرق في العامية تسمية خاطئة لمرض الغلوكوما، فهي في الأصل جاءت من معنى كلمة الغلوكوما عند الإغريق التي تشير إلى الشلالات الزرقاء، لأن المريض يشاهد أحياناً هالات زرقاء حول مصدر الضوء الأمر الذي يعطي انطباعاً بوجود مياه زرقاء في العين، ولكن في الحقيقة لا يوجد لا ماء أزرق في العين ولا من يحزنون.
في الواقع يوجد في داخل كرة العين سائل تفرزه الأجسام الهدبية، وفي الحالة العادية يتم تصريف هذا السائل إلى الخارج، وهو لا يشكل أبداً جزءاً من الدموع التي تطرح على سطح العين. إن ضغط السائل داخل العين يعتمد على وجود توازن بين إنتاج السائل من قبل الأجسام الهدبية في العين من جهة، ومن جهة ثانية تصريف السائل المذكور عبر منظومة الصرف الواقعة في مقدمة العين التي تتألف من حوالى عشرين طبقة من الأنسجة المثقبة التي تفسح الطريق لسائل العين كي ينساب إلى خارج العين.
وعندما يكون هناك توازن ما بين إفراز السائل داخل العين، وتصريفه منها، يكون الضغط داخل العين طبيعياً ليبلغ في هذه الحالة 15 مليميتراً زئبقياً وسطياً. بينما في حال الإصابة بالماء الأزرق فإن تصريف السائل من العين سيئاً، وهنا يزداد الضغط داخل العين ليصل إلى أكثر من 22 مليميتراً زئبقياً.
ما هي عوارض الماء الأزرق في العين؟
في الواقع هناك أعداد كبيرة جداً من البشر يعانون من ارتفاع الضغط داخل العين من دون علمهم بوجوده، وفي الولايات المتحدة يوجد أكثر من 3 ملايين مصاب نصفهم لا يعرفون أنهم مصابون به، والسبب الأساس يرجع إلى كون الغلوكوما مرض صامت يسرق البصر خفية وببطء شديد من دون أن يلحظ المصاب ذلك لهذا يسمى المرض أحياناً بالسارق الصامت. وتشير التقديرات العالمية إلى أن 1 في المئة من سكان العالم الذين قطعوا سن الأربعين يعانون من الغلوكوما، وأن حوالى 7 ملايين شخص يصابون بالعمى جراء الإصابة به، وهو يعتبر السبب الثاني لفقدان البصر في العالم المتطور.
إن مرض الماء الأزرق لا يترافق مع أي عارض في بداياته، فلا ألم، ولا احمرار، ولا اضطراب في الرؤية. ولكن المشكلة هي المدى البعيد، فالإصابة تبقى صامتة فترة تراوح من 10 إلى 20 سنة، تتعرض خلالها ألياف العصب البصري لتغيرات يترتب عنها تدهور في حدة البصر إلى درجة أن العمى سيكون على الموعد في النهاية.
من هنا ونظراً الى خطورة مرض الماء الأزرق، يصبح من الضروري اكتشافه باكراً ما أمكن وذلك بقياس مستوى الضغط في العين لكل شخص تجاوز الأربعين، وقبل ذلك للأشخاص الذين توجد لديهم سوابق عائلية بالإصابة.
ما العلاج؟
عندما يرصد الطبيب زيادة في ضغط العين فقط من دون حصول تغيرات في الحدة البصرية أو علامات تليف في العصب البصري، يتم وصف قطرات خافضة لضغط العين يستعملها المصاب مرات عدة في اليوم، وتقوم هذه القطرات إما بالحد من إفراز السائل المائي داخل العين، أو بتحسين تصريف السائل عبر القنوات الخاصة في العين، وقد تسبب تلك القطرات بعض العوارض الجانبية مثل الصداع، والوخز في العينين، وتشوش الرؤية.
وفي حال وجود موانع تحول دون استعمال قطرات العين، يلجأ الطبيب إلى حلول أخرى مثل الجراحة، وأشعة الليزر لاستئناف تصريف السائل من العين.
إن كل ما تحدثنا عنه أعلاه هو مرض الغلوكوما بالزاوية المفتوحة الذي يشكل حوالى 90 في المئة من إجمالي حالات الغلوكوما.
أما النوع الآخر فهو الغلوكوما بالزاوية المغلقة، وفيه يحدث ارتفاع شديد في ضغط العين نتيجة الإنسداد المفاجئ في قنوات تصريف العين.
ويترافق هذا النوع من الغلوكوما بعوارض حادة مثل تصلب وألم في مقلة العين، وتشوش في النظر، وظهور هالات قوس قزح حول مصادر الضوء، والصداع، والغثيان، والتقيؤ. إن الغلوكوما بالزاوية المغلقة مرض خطير جداً لأنه قد يسبب العمى إذا لم يتم علاجه بسرعة جراحياً على يد طبيب مختص.
ومن باب العلم بالشيء فإن الإصابة بالغلوكوما قد يكون سببها أحياناً انخفاض الضغط داخل العين، ويسمى في هذه الحال غلوكوما الضغط المنخفض، وهو مرض نادر نوعاً ما.
ومن باب العلم أيضاً، فإن بعض الفئات من الناس أكثر تعرضاً من غيرها لمرض غلوكوما العين، ومن هذه الفئات: المصابون بقصر النظر، وشاربو الكحول، والمصابون بالداء السكري، ومرضى ضغط الدم، وأصحاب البشرة السوداء، والذين يملكون سوابق عائلية بالإصابة.
على كل مريض يعاني من ارتفاع الضغط داخل العين أن يقوم بالخطوات الآتية:
1- الفحص الدوري للعينين للتأكد من نجاح العلاج.
2- استعمال القطرات المناسبة التي يصفها الطبيب المختص.
3- في حال فشل الأدوية في خفض ضغط العين يجب اللجوء إلى حلول أخرى، منها: الجراحة التقليدية لفتح قناة خاصة لتصريف الماء الزائد في العين، أو زراعة صمام في الغرفة الأمامية للعين لشفط الماء الزائد والحفاظ على الضغط الطبيعي للعين، أو استعمال أحد أشعه الليزر المناسب بحسب نوع الغلوكوما بالزاوية المفتوحة أو المغلقة.
يبقى بعض النقاط التي تتعلق بمرض الغلوكوما بالزاوية المفتوحة:
- في تجارب أجراها الطبيب الأميركي براساد كولكارني على الأرانب، تبين أن المصابة بارتفاع الضغط في العين التي أطعمت غذاء منقوعاً بزيت سمك القد، أظهرت انخفاضاً في مستواه، وعندما حُرمت هذه الأرانب من الغذاء المذكور عاد ضغط العين الى الارتفاع مجدداً. هذه التجارب خطرت على بال الباحث المذكور بعد معاينات قام بها على سكان الأسكيمو إذ لاحظ وجود معدلات منخفضة من غلوكوما الزاوية المفتوحة عندهم فتبين له أن السبب هو الغذاء البحري الغني بزيت السمك الذي يعج بالأحماض الدهنية اوميغا-3. ويعتقد الدكتور كولكارني بأن السمك الدهني يمكن أن يساعد في لجم وقوع الغلوكوما في حال استهلاكه في انتظام.
- أكدت دراسة لباحثين صينيين على الفئران، أن كل أجزاء العين يمكن أن يستفيد من مركبات الكاتيشينات (مواد مضادة للأكسدة) التي يزخر بها الشاي الأخصر، إذ تعمل هذه المركبات على وضع حد لعمليات الشدة التأكسدية التي تضر بالعين، وبأن هذا الفعل يمكن أن يستمر حتى 20 ساعة. ولكن الفريق الذي قام بالدراسة، لم يتوصل إلى الطريقة التي تجد فيها مركبات الكاتيشينات طريقها من الجهاز الهضمي إلى العين.
- في دراسة يابانية سابقة شملت أكثر من 10 آلاف عامل يتبعون أكبر أربع شركات يابانية، تبين أن البقاء لفترة طويلة أمام شاشة الكومبيوتر يزيد خطر التعرض لمرض الغلوكوما، خصوصاً إذا كان الشخص يعاني من قصر النظر.
د. أنور نعمة
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد