المرصد العمالي: خمسة أضعاف الفجوة بين متوسط الرواتب والحاجة الشهرية للأسرة
قلة من يعلمون أن هناك مجلساً أعلى لتحديد الرواتب والأجور برئاسة الوزراء إلا أنه لم يعقد أي اجتماع، وفي كل مرة تتم المطالبة بدعوته كان الجواب «لا داعي لعقد هذا الاجتماع». وآخر هذه الدعوات انطلقت من المرصد العمالي خلال جلسته الحوارية أمس الاثنين .
إن ارتفاع أسعار السلع التي تضاعفت بشكل جنوني وزيادة تكاليف الحياة اليومية، وتضاعف أعبائها… كل ذلك يُشكل هاجساً يقضّ مضجع شرائح كبيرة وواسعة من المجتمع السوري ولاسيما شريحة العمال التي قدمت الشهداء وكانت الرديف الحقيقي للجيش العربي السوري خلال الأزمة التي مرت فيها سورية. ولأهمية هذا الموضوع ناقش الملتقى العمالي سياسة الرواتب والأجور في سورية وانعكاساتها التنموية.
وقال نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال الرفيق ابراهيم عبيدو إن هذه الجلسة هي استكمال لأعمال ملتقى الإثنين الذي أطلقه الاتحاد العام ليكون منبراً إضافياً يعمل إلى جانب المنابر الوطنية.
وتساءل عبيدو عن جوهر السياسة التي تنتهجها الحكومة وانعكاساتها التنموية مثلاً عام 1945 عندما صدر القانون 135 نجد في الجدول رقم 1 أنه حدد المراتب والرواتب المرتبطة به فكان الحد الأدنى 30 ليرة سورية والدرجة الممتازة كانت 500 ليرة أي ما يعادل 17 ضعفاً بينما نجد اليوم رواتب وأجوراً تبدأ بـ16400 ليرة وراتب الفئة الأولى 19250 ليرة أي بنسبة 1,6 بالمئة فقط الفرق بين راتب بدء التعيين والفئة الأولى ما يعني أن السياسة التي تنتهجها الحكومة لا تمت إلى التنمية.
وشدد عبيدو على ضرورة البحث عن آلية مناسبة لخلق قيمة حقيقية والمحافظة على مستوى معيشي لائق للمواطن السوري.
بدوره أشار الدكتور عقبة الرضا المدير التنفيذي للمرصد العمالي للدراسات إلى أن المرصد العمالي أقام في شهر أيلول الفائت جلسة حوارية عن المستوى المعيشي في سورية تم على أثرها تحديد عناصر أساسية لدراسة المستوى المعيشي للمواطن، وتمت صياغة هذه العناصر في مذكرة رفعت للاتحاد العام لدراستها ومناقشتها لترفع بعد ذلك إلى رئاسة مجلس الوزراء للاطلاع عليها ودراستها.
ولفت عقبة إلى أن هذه الدراسة بينت وجود فجوة كبيرة وفرق شاسع بين متوسط الرواتب في سورية والحاجة الشهرية للأسرة، وأن هذه الفجوة تصل إلى خمسة أضعاف.
وتساءل عقبة: ما هي الاسس المعتمدة لسياسة الرواتب والأجور، وما هي الانعكاسات التنموية لهذه السياسة؟؟
وقال عقبة: إننا مقبلون على مرحلة إعادة الإعمار في سورية لذلك يجب علينا أن نحافظ على العاملين في الدول، فهناك العديد من الشركات الخاصة التي دخلت إلى سوق العمل وبدأت باستقطاب اليد العاملة الخبيرة برواتب مغرية تعادل عشرة أضعاف الراتب الذي يحصل عليه العامل الكفؤ في الدولة، مضيفاً أن هذا ما استدعى ضرورة الحوار بشأن سياسات الرواتب وإلى أين نتجه في ظل هذه السياسات، متسائلاً: هل نحتاج فعلاً لزيادة الراتب أو ان ذلك يقاس من خلال الكتلة النقدية في خزينة الدولة؟ وهل نحتاج لخلق حالة مختلفة تماماً فيما يتعلق بالرواتب والأجور لنبني عليها سياسات تنموية واقتصادية واجتماعية؟
الرفيق عمر حورية أمين الشؤون الاقتصادية في الاتحاد العام تساءل عن هوية الاقتصاد السوري، وكيف يمكن تحديد سياسة للرواتب والأجور في ضوء غياب هذه الهوية، مشيراً إلى أن عمالنا يعملون اليوم بالحالة الوطنية لا بالأجر الممنوح لهم، وطالب حورية باتخاذ إجراءات عملية تساعد المواطن على تحمل شظف الأزمة.
الدكتور صابر بلول أكد أن محاور الجلسة هي محاور أكاديمية ولكن ما يطرح الآن هو توصيف للواقع مع ضرورة اقتراح الحلول المناسبة، مؤكداً غياب الهوية عن الاقتصاد السوري ووجود ارتجالية في اتخاذ تطبيق النظريات على هذا الاقتصاد.
بدوره الدكتور حسن حجازي وزير العمل السابق استعرض ما كان قد طرحه على شاشة الفضائية السورية في العام 2014 حول باب المراتب الوظيفية ومصادر التمويل من خارج الخزينة لهذه المراتب، مشيراً إلى أنه ترك ملفاً كاملاً لوزارة العمل حول هذا الأمر إلا أنه لم تتم المتابعة به.
وحذر حجازي من الفارق في الرواتب بين أصحاب الشهادات العلمية وأصحاب المهن، الأمر الذي قد يؤدي إلى تراجع في عملية التنمية، وأدى إلى تسرب كبير في العملية التعليمية، ونوه حجازي بتهرب السياسات التعليمية من التعليم الفني والمهني حيث في كل دول العالم هناك 80% من الطلاب في التعليم الفني والمهني والبقية في التعليم العام، مشيراً إلى دراسة كان قد قدمها للحكومة وتم تبنيها إلا أنها لم يكتب لها الاستمرار لاحقاً.
وتطرق حجازي إلى قانون العمل 17 للقطاع الخاص والاعتراضات الكثيرة عليه، ولاسيما فيما يتعلق بالرواتب والأجور والتي من المفترض أن تزيد في كل عام مرتين في القطاع الخاص وبحد أدنى 10% وقد تم تشكيل مجلس أعلى لتحديد الرواتب والأجور لهذا الأمر إلا أنه لم يعقد أي اجتماع، وفي كل مرة كان الجواب «لا داعي لعقد هذا الاجتماع».
الدكتور قحطان السيوفي أكد أنه في ظروف الحرب لا توجد سياسات وإنما توجد إجراءات وهذا يحتاج واقعية وحكمة وشجاعة، مشيراً إلى أن الموارد العامة في الدولة مصدرها الدخل القومي الذي يعتمد على ركائز أساسية هي الأرض ورأس المال واليد العاملة والقدرة التنظيمية وهذه الركائز تشير اليوم إلى تحسن متزايد في الدخل القومي، حيث هناك حالة من التعافي التدريجي بفضل تضحيات الجيش العربي السوري الذي يحرر المزيد من الأراضي في كل يوم وعودة تدريجية لرأس المال إلى البلاد وعودة اليد العاملة ما يتيح للحكومة القدرة على التنظيم.
واستعرض السيوفي أرقام الموازنة العامة والمؤشرات التي تدل عليها، مقترحاً الزيادة التدريجية على الرواتب بما يتناسب مع تحسن الوضع الاقتصادي وفرض الضرائب على أصحاب المداخيل الكبيرة كاستنساخ لتجربة مهاتير محمد في ماليزيا.
بدوره الدكتور حسن ذكي من جامعة دمشق تطرق إلى حالة الفلتان في التسعير، محذراً من ظاهرة الاحتكار الفوضوي الذي تشهده الأسواق إذا ما قورنت بالأسواق المجاورة.
ولفت ذكي إلى أن سياسة الرواتب والأجور غير مرتبطة بالإنتاج وتقوم على أساس زمني مع غياب لنظام الحوافز، الأمر الذي يجب إيجاد حلول سريعة له.
الإعلامية الدكتورة يسرى المصري استغربت كيف تقوم الحكومة بتحديث التشريعات المتعلقة بالضرائب والرسوم على سبيل المثال ولا تحدث التشريعات المتعلقة بالعامل سواء التعويض العائلي أو غيرها من التعويضات، وأشارت المصري إلى الحالة المعنوية التي خلقها توزيع حقائب مدرسية على الطلاب في المراحل التعليمية الإلزامية وأثر هذه الحالة في أسر هؤلاء الطلاب الذين هم شريحة ذوي الدخل المحدود.
الاقتصادي إيهاب اسمندر أشار إلى أن هوية الاقتصاد السوري اليوم هي اقتصاد السوق الاجتماعي لأنه لم يصدر أي تعديل على ما تم إقراره في الخطة الخمسية العاشرة وطالب اسمندر بإعادة النظر بالرواتب والأجور في القطاعين العام والخاص، وحذر اسمندر من التفاوت الطبقي الذي سيحدث مع عودة الإنتاج في المدن والمناطق الصناعية مع عدم التغيير في مستويات الرواتب والأجور، مقترحاً على الجهات المعنية أن تقوم بتوصيف وتحليل لواقع كل قطاع واتخاذ الإجراءات التي تتوافق مع هذا التحليل.
الرفيقة إنعام المصري عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام تحدثت عن الدور الذي يقوم به الاتحاد العام لنقابات العمال من أجل تحسين الرواتب والأجور والنتائج التي استطاع تحصيلها من الحكومة في هذا المجال، مطالبة بحماية البيئة الاجتماعية والعمالية من أجل عمالنا.
وخلص الملتقى إلى جملة من التوصيات جاء في مقدمتها ضرورة وضع سياسة للرواتب والأجور في سورية من خلال تفعيل المجلس الأعلى للرواتب والأجور ولاسيما أن الضغوط الهائلة على العمال تهدد بتراجع التنمية من خلال تراجع الوضع المعيشي والصحي والتعليمي والاقتصادي.
ولفت المشاركون إلى أن زيادة الرواتب والأجور لا تقاس فقط بمقدار الكتلة النقدية المتوفرة بالخزينة والمطلوب التوصل إلى خلق حالة جديدة للرواتب والأجور وسياسة تنموية واقتصادية واجتماعية ولاسيما بعد تراجع مؤشرات التنمية في زيادة عمالة الأطفال والفساد والرشوة والأعمال غير الاخلاقية.
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد