المخدرات الشعبية تجوب المناطق اللبنانية

20-04-2008

المخدرات الشعبية تجوب المناطق اللبنانية

يُمسك بشرشف سريره. يعض عليه. يتململ محاولاً كتم صوته. يدهمه الوجع. فيصرخ من شدة الألمد طبية يتم خلطها للحصول على مخدر. تخور قواه، ولا يقوى على تفسير ما يؤلمه. يعلو أنينه. تركض والدته إلى غرفته. وأخوته الصغار يقفون في الغرفة المقابلة خائفين. يسارع والده إلى طلب المساعدة من الجيران: «ليطلب أحد الإسعاف». يسارع أحد الشبان، هو نفسه صديق ابنه، الذي يقضي معه ساعات طويلة قبل العودة إلى المنزل في ساعة متأخرة من الليل. يدخل إلى الغرفة: «دعني معه على انفراد، لو سمحت عمو». يتهامسان. يخرج ابن السابعة عشرة من الغرفة مسرعاً: «لا تقلق عمو بسيطة». يركض، ومن ثمّ يعود حاملاً زجاجة دواء صغيرة. يمسكها عماد، بعدما نال منه الألم الذي ينخر مفاصله، ويرشف حوالى نصفها بجرعة واحدة، يبتلع السائل، ويضع رأسه على الوسادة، قبل أن تبدأ يداه بالارتخاء تدريجاً، يُكمل ما بقي في الزجاجة. وينام بعد أن خمدت النار التي كانت تشعل مفاصله، بحسب وصفه لما حدث له.

دهشة والد عماد لم تكن أقل من دهشة هذا الأخير، عندما علم أن الدواء الذي كان يتناوله مع أصدقائه على ناصية الشارع، وفي السهرات، لا يعطي مفعول الكحول فحسب، بل يتعدى ذلك إلى ما هو أخطر. اكتشف عماد أنه مدمن «سيمو».

يُعرَّف الإدمان بأنه عملية تفاعل المدمن مع المخدر من خلال تكرار الابتلاع أو التدخين أو المضغ أو الأكل أو الحقن فيتحول إلى تصرف. والمخدر عبارة عن مادة طبيعية أو مصنعة تغير في إحساس جسم الإنسان وتصرفاته وبعض وظائفه أيضاً. والمدمن هو كل من يتعاطى مادة مخدّرة، ويتحول تعاطيه إلى تبعية جسدية أو نفسية أو إلى الاثنتين معاً.

حال عماد ليست مشهداً من فيلم سينمائي عرضته الشاشات الكبيرة أو بثته الشاشات الصغيرة، بل هي واقعة حصلت في أحد الأحياء الشعبية من ضاحية بيروت الجنوبية. وإن كانت حبكتها تصلح سيناريو بطله ذلك الشاب المراهق الذي استطاع أن يكتشف بسهولة ما هو الدواء الناجع لشفاء عماد، بعد سؤاله سؤالين لا ثالث لهما: «هل تشرب سيمو؟» و «متى كانت المرّة الأخيرة التي تناولته فيها؟». الرد على السؤال الأول كان إيجابياً، أمّا الجواب الثاني فكان «حوالى 5 أيام أو أسبوع». عماد كان يتناول يومياً قارورتي «سيمو»، على الأقل. وانقطاعه عنه جاء بسبب الانشغال ليس أكثر، وهو أن والده أجبره على مساعدته في عمله كنجّار، وبات يعود إلى المنزل مرهقاً، فانقطع عن استعمال أجهزة للحصول على مفعول المواد المخدرةرؤية «الأصدقاء».

إلاّ أنه لم يخطر ببال عماد في أي لحظة أن يكون مدمناً، فاللجوء إلى الـ «سيمو»، جاء لسببين: الأول أنه يعطي مفعول الارتخاء، ودرجة من السكر، من دون أن يدخل في دائرة المحرّمات كالكحول والمخدرات، وبالتالي إذا رآه أحد الوالدين فلن يشكك في أي أمر، وثانياً رخص سعره وقوة مفعوله. والـ «سيمو» يعتبر من أبرز الأدوية التي تتعاطاها شريحة مراهقين وشباب ينتشرون في الأحياء الشعبية، وإن كان الكلام عنها في الضاحية الجنوبية كثيراً. البعض يرجع الموضوع إلى تأثيرات «حرب تموز» (2006) الأخيرة على الشبان والشابات، والبعض الآخر يلصقها بالبطالة والمستقبل المجهول، وفريق ثالث يعيدها إلى غياب الرقابة، لا سيما الرسمية منها. وتنتشر هذه الظاهرة في الملاهي الليلية والتجمعات الشبابية على زوايا الشوارع، ولا تنحصر في منطقة معينة ولكنها تتفاوت بين منطقة وأخرى وتنتشر في شكل واسع بين مختلف شرائح الشباب، وإن كان «الصنف» الذي يتم «تعاطيه» يختلف باختلاف القدرة الشرائية. واللافت هو ظاهرة الإدمان على الأدوية المهدئة للأعصاب والمسكنة أكثر من أي نوع آخر، ويرى متخصصون أن هذا الأمر يعود إلى قناعة يختبئ وراءها الشباب، بأن هذه الأدوية ليست مخدرات، إذ يحصرون الكلام عن المخدرات بـ «الهيرويين» و «الكوكايين».

ويعتبر الإدمان المرحلة الأكثر تقدماً والأخطر بين المراحل التي يمر بها متعاطو المخدرات، وهذه المراحل التي تتفاقم تدريجاً تبدأ بـ «الإسراف» في تناول العقاقير، وهو استعمال موقت أو دائم من دون أن يتماشى مع حاجات طبية. ومن هنا، كان التشديد على عدم إعطاء أنواع معينة من المهدئات إلا بوصفة طبية ومنها الـ TRAMAL وbenzhexol وRIVOTRIL وNIVOTRIN.... وغيرها من الأدوية والمواد التي تحمل في طيّاتها مركبات طبيعية أو مصنّعة مخدرة، ومنها الحبوب المنومة والمنشطة، والعقاقير المقاومة للأوجاع والمواد المهلوسة، إضافة إلى ما يعرف بالمواد التخليقية التي تؤثر في الجهاز العصبي المركزي وبالتالي في النشاط العقلي. ولكن الرقابة داخل الصيدليات على هذا النوع من الأدوية، لم تعد مجدية، فـ «للمدمنين الجدد»، طرقهم المختلفة في الوصول إليها، أبرزها بعض الأدوية المهربة إلى داخل المناطق، التي تحظى بخصوصية معينة، كالمخيمات الفلسطينية، ويصبح الحصول على أي منها أسهل بكثير، إذ انها في معظمها أدوية مهربة أو مسروقة.

أسعار هذه المهدئات والأدوية، زهيدة تتراوح بين 5 آلاف ليرة لبنانية وعشرة آلاف كحدٍ أقصى لكميات كبيرة تصل إلى مئة حبّة، هذا في الأيام العادية. ولكنّ طارئاً ما، كإقفال مفاجئ للحدود، أو مراقبة شديدة من الدولة، قد يرفع سعر زجاجة الـ CEMO الى ما يقارب الـ 20 ألف ليرة لبنانية. ومن المضحك المبكي، أن المتعاطين يمكن ان يحصلوا على وصفة طبية بطرق سهلة من أطباء أصبحوا معروفين بكتابة مثل هذه الأدوية لقاء بدل يبلغ بحده الأقصى 15 ألف ليرة ولـ «المريض» الزبون بـ 5 آلاف.

الدخول في «معترك» الإدمان، لا سيما في الأحياء الشعبية المكتظة، يبدأ من أعمار صغيرة، وإن كانت السن التقريبية لبداية الدخول في هذه الدوامة في حوالى الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، فلا سقف لعمر متعاطي «المخدرات الشعبية».

وعلى رغم أن المتعاطين من صغار السن أو العاطلين من العمل إلا أن طرق الحصول على الأموال في سبيل تحقيق هذه «التبعية» تكثر وتتنوع ومنها النشل بواسطة الدراجات النارية، والسرقة، وبيع الحديد والنحاس – من خلال سرقة أشرطة الكهرباء وأغطية المجاري – وسرقة قطع السيارات وخصوصاً البطاريات والإطارات وكل ما يُباع كقطع من دون أي مشاكل. وغالباً ما يخرج هؤلاء بهدف تأمين المال فيسرقون أو ينشلون ما يتوافر أمامهم، وبعض هذه السرقات يتم أحياناً من طريق التهديد بالسلاح، إذ يقترضون مسدساً ما ويقومون باستخدامه من أجل السرقة... لأنهم إن ملكوا هذا المسدس يبيعونه من أجل تلبية حاجاتهم.

أمّا الفتيات اللواتي «تحبحبن»، كنظرائهن «المحبحبين» من الذكور، فإنهن يلجأن الى سرقة الهواتف الخليوية من زميلاتهن في المعاهد، أو يلجأن إلى الأسلوب الأسهل، وهو اصطياد الفتاة الميسورة وتوريطها من أجل أن تساعدهن في المصاريف، وهو ما قد يلجأ إليه الشباب أيضاً. ولدى الفتيات أساليب أكثر تنوعاً تساعدهن في الحصول على مبتغاهن.

وفي غياب المصارحة بوجود هذه المشكلة، تغيب الحلول أو تصعب، وإن كانت خطورتها تطاول المنزل ككل، لا سيما عندما يكون الوالد من المتعاطين أيضاً، إلاّ أنها تبقى فاضحة وأكثر خطورة في انتشارها بين الشباب الذين يقوم بعضهم بدور الموزّع فضلاً عن المتعاطي، إلى أن يتقدّم شيئاً فشيئاً في سلّم التراتبية في هذا الميدان. «المتعاطون» يصفون ما يحصل معهم عندما «يحبحبون» (يتناولون الحبوب)، وأول وصف في لغتهم يُطلق لمن يتعاطى الـ BENZHEXOL «كَوَّمْ»، وهي لفظة مستخرجة من كلمة «كوما»، وذلك إعلاناً منهم بأنه استسلم لمفعول الدواء الذي تناوله والذي يصفه البعض بالـ «رواق» مع مدّ الواو... وفي ظل تعدد أنواع «المخدرات الشعبية»، ومنها شمّ التنر، والسبيرتو، أو تسخينها واستنشاق بخارها، وعلك العقاقير في حال تسرب الرطوبة إليها، وطحن الحبوب من أجل شمّها، بات البعض يصفون «الحشيشة» بالـ FLAGYL وهو دواء مطهر للمعدة.

إن كان عماد غافلاً عن أنه بات مدمناً، إلاّ أن الغالبية الساحقة من هؤلاء الشبان والشابات يعون تماماً ما يحصل لهم، وطريقة التعاطي مع هؤلاء تختلف من منطقة إلى أخرى، ويرجع البعض بدايات هذه الظاهرة إلى أنها انتقلت من السجن، أي أنها خرجت مع أصحاب السوابق، ولكنها تبلغ في هذه الأيام أوجها. وإن كان شباب الضاحية الجنوبية يقولون: «إن شباب الحزب «حزب الله»، يقومون بمداهمتنا وتفتيشنا ونحن نقف على زوايا الشوارع، ومن يُضبط متلبساً، يذهب معهم فيضربونه ويحلقون رأسه ويتركونه بعد تعهده بأنه لن يكررها». ويضيفون: «علقة بتفوت وما حدا بيموت»، في إشارة إلى أنهم لا يأبهون لهذه التنبيهات. ويؤكد آخرون أنه لن تتم مداهمتهم من جانب الدولة لأن «التجار يدهم واصلة، ولديهم مخبرون يخبرونهم بأي تحرك قد يحصل لمداهمتهم». ولا ينكر الكثير من الشبان القبض عليهم بتهمة التعاطي، إلا أنهم يسخرون من الموضوع ويقولون انه يتم الإفراج عنهم بعد التأكد من نتيجة فحص البول الذي يظهرهم «نظيفين»، ويدّعون «أن تناول حبوب منع الحمل المخصصة للنساء أو شرب الكثير من اللبن والحليب، يؤثر في نتيجة الفحوص لمصلحتنا».

معظم هؤلاء الشبان يعتقدون أن في إمكانهم التوقف عن تعاطي هذه المهدئات بقرار منهم ومن دون مساعدة، لأنها «ليست مخدرات»، إلاّ أنهم يفاجأون بصعوبة الأمر عند المحاولة، ما يبقي الكثيرين منهم أسرى لهذه العادات، لأنها أسهل من الامتناع منها. وبعضهم نجح في ذلك بعد جهد جهيد، ما أبقاه ليالي وأياماً يقظاً بسبب الأرق. ويصاب الممتنع بحالات اكتئاب وآلام مبرحة. وتتمكن من المدمن عدائية لافتة، فيبدأ بـ «تشطيب» نفسه إذا لم يجد من يفتعل مشكلة معه، أو إذا أراد تجنّب السجن والمساءلة. أو يتباهى بقدرته على تناول 50 حبة من أحد الأودية، التي يؤكد الطبيب أن تناول أكثر من 3 حبات منها يضع حياة متناولها في خطر. ويبقى العيار المكثف أو OVER DOSE خطأ المدمن القاتل وهو يقوم بتناول كمية من المخدرات أكبر من تلك التي يحتاج إليها، أو عبر تناول كمية من المخدرات المغشوشة... ومن أعراضها تقلّص بؤبؤ العين، انخفاض درجة حرارة الجلد وتحول لونه نحو السواد، بطء في التنفس ثم دخول المدمن في غيبوبة عميقة تقوده إلى الموت جراء شلل مركز التنفس الدماغي وتوقف القلب عن العمل.

فاطمة رضا

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...