الكوميديا فاكهة مهرجان دمشق المسرحي

16-12-2008

الكوميديا فاكهة مهرجان دمشق المسرحي

من عادة مهرجان دمشق المسرحي أن يجمع جمهوراً لا تجمعه مسرحياته بالمفرّق، فالمهرجان ما زال يشكل طقساً اجتماعياً يصعب الاستغناء عنه. عرض »تكتيك« لعبد المنعم عمايري جمع جمهوراً حاشداً رغم أنه عُرض منذ بعض الوقت قبيل المهرجان ولقي ما لقي من تأييد أو استنكار. استطاع الجمهور السوري أن يكشف على الفور تشابه »تكتيك« مع »خمسون« التونسي فاضل الجعايبي الذي عرض في دمشق منذ أشهر. فحكاية »تكتيك« تتمحور حول تفكك أسرة أقطابها أب يساري ومناضل، وأم تهجره إلى باريس بعد قصة حب، والنتيجة ضياع البنت وفرارها إلى بار فيه فتيات كثيرات يربطن شعرهن بالطريقة نفسها، ويضعن الشامة ذاتها على الخد، ليقلن إنهن كلهن كِنزة، وهذا هو اسم البنت الضائعة. يذهب الأب وزوجته في رحلة بحث عن البنت، لكن الرحلة هي بحث في ماضيهما أيضاً وفي أسباب ضياعها. على الهامش سنتعرف إلى شخصيات أخرى عديدة ضائعة، وهنا سيترك العرض الحكاية الأساس ليفرد مونولوجاً خاصاً بكل شخصية تحكي ألمها. »تكتيك« يعاني من مشكلتين؛ الأولى مشكلة في الكتابة، فهذه ليس المرة الأولى التي يُكتب نص لعمايري بطريقة المونودرامات متجاورة، هكذا كان الأمر في »فوضى«أيضاً. تصلح هذه الطريقة لتدريب طلبة التمثيل في المعهد المسرحي، حيث يطلب المدرس من تلامذته »شخصيات من الجوار« ثم يربط بينها بخيط ما كي تصلح للعرض. ما الفرق في الكتابة مع »شوكولا« رغدة شعراني. أخذت المخرجة الشابة أيضاً شخصيات شبابية راح كل يسرد قضيته على الجمهور. النتيجة مجرد مونودرامات متجاورة لا رابط حقيقياً بينها. أصبحت تلك سمة من سمات الكتابة الجديدة في المسرح السوري. المشكلة الثانية هي هذا الحوار الموتور للشخصيات، حوار مكتوب ومؤدى بإيقاع سريع صارخ وغير مفهوم في أغلب الأحيان، لعب فارغ على اللغة العامية. لم تعد فقط مشكلة كتابة الحوار، بل مشكلة في الأداء، وهي أيضاً سمة من سمات المسرح السوري الجديد.
مذكرات ديناصور
العرض التونسي »مذكرات ديناصور« من إخراج الراحل رشاد المناعي والذي أطلق مسرح »تياترو« التونسي في العام ،١٩٨٧ كان جرعة مسرحية أنيقة بين العروض التي قدمت، فكل شيء فيه مختصر ومحسوب. لقد غامر معدّ النص الممثل والمخرج المعروف توفيق الجبالي بإعداد النص من عمل فكري تأملي هو »حوار المنفى« للألماني برتولد بريشت، واستنبط منه عملاً هو مجموعة من اللوحات تعتمد في معظمها على اللقطة الكوميدية. السخرية هي فاكهة هذا العرض التأملي الصعب، كما كان أداء الممثليْن الجبالي ورؤوف بن عمر متعة وفاكهة، خصوصاً الجبالي الذي قدم أداء كوميدياً بارعاً. العمل يقدم شخصيتين تمثل الأولى شخصية مناضل فقير، والثانية شخصية بورجوازي، وهو هنا الديناصور الذي يكتب مذكراته التي يقرأها على زميله وعلى الجمهور. فكرة الديناصور تستند إلى مقولة في النص الأصلي تفسر سبب انقراض الديناصورات بأنها لم تقبل التزاوج والتعامل مع الحيوانات الصغرى الأقل شأناً، فكان مصيرها الانقراض. وهكذا يبدو البرجوازي الذي يتعالى على زميله الفقير، لكنهما على خلافهما يتشابهان حين يجدان أنفسهما في مواجهة ذات الأزمة الوجودية، مشكلات الوجود التي تنظر إليهما كبشر وحسب من دون التمييز بين غني أو فقير. خشبة »مذكرات ديناصور« عارية ليس فيها سوى مقعد يحيل إلى مكان عمومي، على خلفية ترسم سماء ملبدة بالغيم. إن وجود شخصيتين على مقعد في مكان عام يذكر بشخصيتيْ »في انتظار غودو«، يضاف إليها عبث الأفكار وسخريتها التي تجعل من العمل أقرب إلى روح العبث لا إلى روح بريشت.
تناص
في »المنفردة«، من تأليف نوار بلبل ورامز الأسود، وإخراج الأخير، نحن أمام أفكار معادة، أبرزها تستعيد ثيمة »الاغتصاب« لسعد الله ونوس، وتالياً »المأساة المزدوجة للدكتور بالمي« لأنطونيو باييخو، حيث السجان، الجلاد مصاب بأزمة نفسية نتيجة عقدة ذنب تجعله غير قادر على الإنجاب، وهو حتى لو أنجب سينجب ولداً ميتاً. المسرحية تحكي عن تبادل الأدوار بين السجين والسجان، وعن المنفردة التي تحول الطرفين إلى سجناء. عن علاقة إنسانية بين الطرفين اللذين لا يكفّان عن أن يكونا نفسيهما في لحظة محددة، حيث يعود الجلاد جلاداً والسجين سجيناً. فوق ذلك يحكي العرض لنفسه حكاية؛ السجين يرفض التوقيع مقابل إطلاق سراحه، مدفوعاً برسائل زوجته المتتالية التي تعده بالطرد من البيت إذا وقع، والسجان الذي ينتظر مولوداً بعد جهد وعلاج، لا ندري لماذا يقرر السجين أن يوقّع حين يأتيه السجان بالخبر الفاجع حيث موت زوجته وطفله أثناء الوضع، هل يريد العرض أن يقول ليس في الحياة ما يستحق هذا العناد؟ أن لا شيء يستحق كل هذا النضال؟ لم نفهم بالضبط ما العلاقة بين موت زوجة السجان وطفله وقرار السجين بالتوقيع.
عرض »ليلى والذئب« تأليف الفارس الذهبي وإخراج باسم عيسى، ممتع في تحريفه لحكاية ليلى والذئب الأصلية، فليلى هنا (تمثلها راما عيسى) تهرب إلى حبيبها الذئب، والمسمى دياب (أداه سيف أبو أسعد)، وفي العرض تظل ليلى تستعيد حكاية هروبها من المنزل، ومن وصايا الأم والأب والجدة، هؤلاء الذين يقدمهم العرض على نحو كوميدي حين يستحضرهم على شاشة فيديو. كما تسرد قصة تعرّفها إلى حبيبها في حديقة عامة، وقصة اللقاءات التالية. اللافت في العرض أداء راما عيسى الجميل، وهي لعبت أكثر من شخصية في العمل. لكن استخدام شاشة العرض لم يكن دائماً في محله، لم نفهم مثلاً لماذا تعرض الشاشة في أول العرض لطريق سيارات وتبقى هناك لبعض الوقت، لم نفهم أيضاً أن يعرض في قلب العمل ما يشبه ريبورتاجاً يصور الممثلين أثناء تحضير العمل. عمل ممتع بالتأكيد وخفيف الظل وفيه جرعة من الكوميديا، ولكن لم نفهم ماذا يريد أن يقول!

راشد عيسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...