الضحك المرّ
تكفّل جارنا تحسين أبو جيبة منذ إحالته إلى التقاعد بتسوق كل ما تحتاجه عائلته من غذاء العائلة.. معتبراً المهمة التي نذر نفسه لها نوعاً من رياضة المشي الضرورية لمن هو في سنه.. وقد اكتسب مهارة وخبرة في هذا المجال.. وغالباً حين أقابله أثناء خروجه من باب البناء، أسأله من باب المزاح: «هل بدأ مشوارك الرياضي؟».. ويجيب: «قل بدأ هز البدن.. وتنظيف الجيب»… وحين نلتقي مساء، إما على شرفة بيتي، وإما شرفة بيته للّعب بطاولة الزهر، يروي طرائف ما يصادفه في السوق، مفتتحاً الحديث بقوله: «يا أخي الأسعار نار كاوية.. والدخل بارد مثل الثلج.. والباعة لا رقيب ولا حسيب… صباح اليوم رأيت الأعاجيب.. جارنا «الخضرجي» حسني أبو البلاش علَّق إعلاناً في مدخل دكّانه.. كتب عليه: «عندنا خضراوات وفواكه مجنونة!.. بدلاً من أن يضع تسعيرة فوق كل صنف.. و«معلومك الخضرجي» أستاذ لغة عربية متقاعد.. ولهذا تجد كتابات غريبة عجيبة على جدران المحل.. ومن كتاباته مقتبس من قصيدة لمجنون ليلى أي قيس بن الملوح، التي مطلعها: «أمر على الديار ديار ليلى…» وقد صارت عنده: «أمر على الخضار خضار ليلى/ أقبل ذا الخيار وذا الخيارا»… ومن نهفاته أنه أطلق أسماء بحور الشعر على أصناف بضاعته.. وقِسْ على ذلك…
ورمى جاري أبو جيبة زهر النرد.. وتابع قائلاً: «قد يكون الأمر مضحكاً.. لكن الأسعار الكاوية المطلوب منك دفع ثمنها تجعلك عابساً كل الوقت.. والأعجب أني اشتريت كيلو البندورة يوم أمس بعد الظهر بثمانين ليرة.. وعدت اليوم صباحاً لشراء كيلو بندورة.. من السحارة ذاتها ومن بضاعة الأمس.. واستقبلني حسني أبو بلاش بسؤاله: (بتعرف اليوم قَدِّيشْ سعر الدولار)… وأجبته بأني لا أعرف، ولا أريد أن أعرف»… وما عرفته، هو أني حين دفعت مئة ليرة ثمن كيلو البندورة.. ضحكت، وضحكت حتى كدت أنقلب على ظهري من الضحك.., بالله عليك يا جار.. (مو شي بيفقّع من الضحك)؟!.
تشرين - وليد معماري
إضافة تعليق جديد