السياسات اللغوية بين الاستبداد والديموقراطية
الجمل: «نشرت (الجمل) الخارطة اللغوية في سوريا، التي بينت وجود 16 لغة في سورية: 15 منها حية، وواحدة منقرضة. وأبرزت الدراسة أهم الأبحاث والإحصائيات، التي ركزت على اللغات المستخدمة وأنماطها، وأمكنة انتشارها، والتسميات البديلة التي اتخذتها، وتصنيفها اللغوي، وحتى عدد المتحدثين بها وانتماءاتهم الدينية والقبلية. والآن تتابع (الجمل) البحث في موضوع اللغة كسياسة تتبعها القوميات والأعراق والدول، ضمن سياسة وطنية أو قومية عامة، أو ما يسمى بالقانون الخاص بكل دولة، يتلاءم مع توجهاتها الاثنية والقومية».
تقوم بعض بلدان العالم، بوضع سياسة لغوية، من أجل دعم لغة واحدة، أو مجموعة من اللغات. ورغم أن الأمم، تاريخياً، استخدمت السياسات اللغوية لدعم لغة رسمية واحدة، على حساب اللغات الأخرى، إلا أنها حالياً تقود سياسات لغوية لحماية اللغات الإقليمية والاثنية المهددة بالانقراض.
إن المحافظة على التنوع الثقافي واللغوي في عالم اليوم، أصبح شأناً رئيساً للعديد من العلماء والفنانين والكتاب والسياسيين وزعماء الأقليات اللغوية.
الآن، تستخدم في العالم ستة آلاف لغة، نصفها يواجه خطر الانقراض. وهناك عدد من العوامل، التي تؤثر في وجود واستخدام لغة إنسانية ما، ومن بين هذه العوامل: حجم السكان المتحدثون بهذه اللغة، واستخدامها في الاتصالات الرسمية، والتوزيع الجغرافي، والوزن الاجتماعي - الاقتصادي لمن يتحدثون بها.
إن السياسات اللغوية الوطنية، يمكن أن تخفف أو تزيد من حدة تأثيرات بعض هذه العوامل. ويمكن استعراض أبرز أنواع السياسات اللغوية، على النحو الآتي:
*سياسات التماثل والاستيعاب:
وهي سياسات، يتم بموجبها استخدام بعض الإجراءات، لتقليل حجم ومستوى التعامل بلغة واحدة تستخدمها أقلية واحدة، أو مجموعة لغات، تستخدمها مجموعة أقليات، وذلك لدمج هذه الأقليات، ضمن المجتمع الوطني الموحد.
*سياسات عدم التدخل:
وهي سياسات تقوم على أساس اعتبارات السماح بالتواصل بين اللغة أو مجموعة اللغات الرئيسة، ولغات الأقليات بشكل عادي وتلقائي، وذلك وصولاً إلى تفاعل لغوي، يضيف المزيد من الثراء للغة أو اللغات الوطنية.
*سياسات وضع الأفضلية القانونية:
وهي سياسات تقوم على الوضع القانوني المتميز للغة محددة، وعادة ما تهدف إلى السماح بالتعايش بين المجموعات اللغوية المتعددة داخل الدولة. ويكون هناك حق قانوني يفرض لغة الأغلبية، مع استثناء قانوني خاص للغات الأقليات.
*سياسات تثبيت اللغة الرسمية:
وهي سياسات تقوم على دعم اللغة الرسمية، على أساس اعتبارات الوحدة اللغوية. وفي بعض الأحيان تهدف لدعم اللغة القومية أو دعم لغة المستعمر الذي يملك نفوذاً دولياً كبيراً. وقد تبين، في كثير من الحالات، أن هذه السياسات تكون عادة مصحوبة بإجراءات، تهدف للاعتراف بلغات الأقليات وحمايتها.
*السياسات القطاعية:
وهي مجموعة من السياسات اللغوية، وتتضمن:
1- الثنائية أو الثلاثية اللغوية: وهي سياسات تهدف إلى دعم لغتين رسميتين أو ثلاث. ويتم تطبيق هذه السياسات وفقاً لثلاثة أساليب؛ الأول: يتمثل في (الاستناد إلى حقوق الأفراد، غير المرتبطة بمنطقة معينة من مناطق الدولة)، حيث تكون حقوق الفرد أو الجماعة محفوظة في كافة مناطق الدولة، بغض النظر عن المنطقة التي يعيشون فيها؛ والثاني: يتمثل في (الاستناد إلى حقوق الأفراد والجماعات المرتبطة حصراً بمنطقة محددة من مناطق الدولة)، حيث تكون الحقوق اللغوية محفوظة وسارية في الإقليم أو المنطقة المحددة حصراً لاستخدام هذه اللغة. أما الثالث: فيتمثل في (الاستناد إلى الحقوق الإقليمية)، وذلك بحسب الشروط التي تحددها السلطات المحلية الإقليمية وفقاً لاختصاصاتها.
2- التعددية اللغوية: وتقوم استناداً إلى حقوق الأفراد والجماعات، في كل إقليم الدولة، وتعترف بحقوق الجميع في كافة أنحاء الدولة، بغض النظر عن الموقع أو مكان العمل أو السكن.
وعموماً نقول: لقد ترتب على غياب السياسات اللغوية، الكثير من المشاكل والحساسيات، التي أدت إلى المزيد من الآثار السلبية الفاعلة بين السكان في علاقاتهم البينية، وخاصة الأقليات اللغوية.
الجمل: قسم الدراسات
إضافة تعليق جديد