السطو على مكتبة عبد الرحمن منيف
بعد رحيله بسنوات، عبث مجهولون بقبر الروائي الراحل عبد الرحمن منيف(1933 ــ 2004/ الصورة) في مقبرة الدحداح، وسط دمشق، بقصد الاستيلاء على القبر وبيعه مجدّداً، وها هو يتعرّض اليوم لمحنة أشدّ إيلاماً. هذه المرّة، لم يكن الفاعل مجهولاً، بل شخصية معروفة، إذ سطا حمزة برقاوي (رئيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين في دمشق) على مكتبة صاحب «مدن الملح» بكامل لصوصيته، وفقاً لرواية رفيقة درب الراحل سعاد قوادري.
بدأت الحكاية حين تضامنت الأخيرة مع أسرة برقاوي الابن، إثر إصابة بيته في مدينة حرستا بقذيفة، فاستضافت العائلة في بيتها، بقوة الدوافع الإنسانية أولاً، ولصداقة قديمة تستدعي مثل هذا الموقف. لكن حين عادت إلى هذا البيت بعد غياب، اكتشفت أنها ارتكبت خطأً كبيراً. فقد وجد «الضيوف» أنهم حيال كنز من الوثائق والكتب والحوليات النادرة التي تضمها مكتبة الروائي الراحل التي تربو على نحو 15 ألف كتاب. وهنا بدأت عملية سطو ممنهجة على محتويات المكتبة الدسمة، عن طريق تصوير بعض الوثائق والمخطوطات والموسوعات القديمة، واستبدالها بالأصل. عملية النهب هذه طالت كل ما هو نفيس: نسخة نادرة من القرآن، مجلات قديمة محتجبة، وكتب فنيّة مقتناة من متاحف العالم، في أكبر عملية «تعفيش» ثقافية بانتهاك الحقوق الفكرية للكاتب والاتجار بميراثه الثريّ. لم يكتف حمزة برقاوي بالسرقة، بل انتهى إلى تشويه كل ما وقعت عليه يداه، عن طريق التمزيق والقص واللصق لإخفاء معالم الجريمة الأصلية، بالإضافة إلى سرقة الأوراق والرسوم الشخصية لمنيف، ومخطوط غير مكتمل، كان الكاتب الراحل قد بدأ الكتابة فيه، عن مدينة دمشق، ورسائل كان تبادلها مع عدد كبير من الكتّاب والفنانين والأصدقاء، ومذكرات ويوميات كانت قيد النشر. النداء الذي وجهته سعاد قوادري لإنقاذ ميراث الروائي الراحل ينطوي على وجع لا يوصف، وندم على لحظة إنسانية لمن لا يستحقها، ودعوة لاستعادة المفقودات ومحاكمة وملاحقة الجناة، على أمل تحقيق أمنية قديمة بتحويل هذا الميراث إلى مكتبة وطنية تحمل اسم منيف وتخلّد أعماله. الروائي الذي رحل من دون جنسية ينتمي إليها، ها هو يعود إلى لحظة عراء أخرى، في ظل قيم مشوّهة أفرزتها تحولات لحظة عربية دامية، وإذا بكاتب مثل حمزة برقاوي يتحوّل إلى مجرد لصّ كتب، كنوع طارئ من «التعفيش».
ربما، علينا أن نردّد، مرّة أخرى، ما قاله منصور عبد السلام في «الأشجار واغتيال مرزوق» إثر هزيمته: «العالم لا يحتاج إلى التدمير. لقد فسد كل شيء فيه، تفتتت خلاياه، تعفّن، ولم يعد ممكناً إصلاحه أبداً».
خليل صويلح
المصدر: الأخبار
التعليقات
افتراء و كذب
إضافة تعليق جديد