الخلافة الإسلاميّة حلم واقعيّ؟
استقبل ناشطون ينتمون إلى جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر رئيس الوزراء التركيّ طيّب رجب أردوغان في مطار القاهرة بشعارات "مصر وتركيا خلافة إسلاميّة". ولم يتوانَ الناشطون أنفسهم عن ترداد الهتافات المؤيّدة للخليفة العتيد "أردوغان أردوغان تحيّة كبيرة من الإخوان". غير أنّهم سرعان ما تخلّوا عن تأييدهم لأردوغان الذي خيّب آمالهم في اليوم التالي حين تحدّث عن إيجابيّات العلمانيّة والدولة المدنيّة، وعدّوا كلامه تدخّلاً غير محمود في شؤون مصر الداخليّة.
لو تحدّث أردوغان عن عودة الخلافة بعد زوالها قبل نحو تسعين عامًا، ودعا المصريّين إلى الانضواء تحت لواء الخلافة المتجدّدة لما كان الإخوان اعتبروا ذلك تدخّلاً في شؤون بلدهم. ذلك أنّ الإخوان يعتبرون أنّ الأمّة الإسلاميّة شاءها الله موحّدة في دولة واحدة. وعلى غرار جمال الدين الأفغاني أحد ملهمي حسن البنّا مؤسّس الجماعة لكانوا، على الأرجح، اعتبروا أنّ الرابطة الدينيّة التي تجمع المسلمين إلى أيّ بلد انتموا إنّما هي أقوى من الرابطة الوطنيّة. وتاليًا، ما يجمع المسلمين من الأتراك والمصريّين أقوى من أيّ رابطة أخرى.
جماعة "الإخوان المسلمين" ليست الجماعة الإسلاميّة الوحيدة التي تؤمن بضرورة عودة الخلافة والسعي الجدّيّ في سبيل تحقيق ذلك في أيّ ساعة تتوفّر فيها شروط هذه العودة المنشودة. فثمّة جماعات وأحزاب أخرى لا تخفي هذا الأمر، بل تناضل من أجله جهارًا وبكلّ ما أوتيت من قوّة وتصميم. وليس ثمّة فقيه واحد من المراجع الكبرى في الإسلام نفى أو أنكر أن تكون الخلافة قد ولّت إلى غير رجعة لحساب دولة المواطنة. وكلّنا نعلم مصير علي عبد الرازق عندما تجرّأ في كتابه "الإسلام وأصول الحكم" (1925) على القول بعدم ضرورة الخلافة، فحوكم وطُرد من الأزهر.
"الخلافة الإسلاميّة" حلم يراود الكثيرين من المسلمين الناشطين الذين ينتمون إلى تيّارات متعدّدة من الإسلام المعاصر، ولا فرق هنا بين المتشدّدين والوسطيّين إلاّ بالوسائل اللازمة، عنفيّة لدى الأوّلين أو غير عنفيّة لدى الآخرين، لتحقيق هذا الحلم. وفي سياق ما يجري في العالم العربيّ اليوم من تحوّلات مصيريّة لا يمكن المراقب أن يغفل إمكان وصول الإخوان وأمثالهم إلى السلطة بالوسائل الديموقراطيّة، والحكم باسم الإسلام وشريعته. وهذا حقّهم الشرعيّ، وعلى الجميع أن يرضخوا لرأي الغالبيّة الشعبيّة إذا اختارت هذا النمط من الحكم.
أمّا القول للمتوجّسين من حكم دينيّ، وبخاصّة المسيحيّين، أنّ الشعوب العربيّة لن تقبل بسوى الدولة المدنيّة العادلة التي تساوي بين أبنائها كافّة، بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينيّة والمذهبيّة، فهو قول مردود. فمَن يقول إنّ مشروع الدولة الإسلاميّة غير قابل للتحقيق هو كمَن ينفي بشكل غير ديموقراطيّ خيارًا حاضرًا بقوّة في شرائح واسعة من الشعوب العربيّة. وما نشهده في مصر وسواها من البلدان العربيّة لدليل ساطع الى احتمال انتصار هذا الخيار على سواه من البدائل المدنيّة.
في المقابل، يحقّ لبعضهم، مسلمين ومسيحيّين، أن يقلقوا من دولة سوف تعود بهم قرونًا إلى الخلف. وهذا لا يعني البتّة أنّهم يؤيّدون، مغمضي الأعين، الأنظمة القائمة حاليًّا. لكنّهم يتوجّسون من مستقبل قاتم، ومن صروف دهر لا يرحم. غير أنّهم، في كلّ حال، سيبقون في هذه البلاد شاهدين لنهضة حقيقيّة مرتجاة اذ لا فضل لإنسان على آخر إلاّ بما يصنعه من خير لوطنه ومجتمعه.
الأب جورج مسّوح
المصدر: النهار
إضافة تعليق جديد