الخطر يقترب من غربي حماه: لا وقت للزرع
تدير قوات الجيش السوري ظهرها لبلدة الربيعة التي تبعد عن مطار حماه 11 كلم غرباً، مطمئنة إلى الخزان البشري الموالي لها، أثناء الاتجاه شمالاً لاستعادة قرية خطاب، غربي حماه. اجتياح المسلحين لهذه القرية تسبّب في سقوطها وسيطرتهم على «الرحبة» العسكرية فيها، بمخازنها وآلياتها. وهو ما ساهم في تردّي الأوضاع الميدانية في الريف الغربي، وعودة بلدة الربيعة وما حولها إلى دائرة الخطر.
وقد قابلت وحدات الجيش و«قوات الدفاع الوطني» في حماه، إضافة إلى عناصر تنظيم «صقور الصحراء»، حشوداً على المقلب الآخر للمسلحين، بعد وصول تعزيزات إليهم من بلدة معرة النعمان في ريف إدلب. 400 مسلح ارتفع عددهم الى 1400 في خطاب، وسرعان ما استولوا على قرية أرزة، الواقعة إلى الشمال من بلدة الربيعة، والجنوب من بلدة محردة. وبعدما تكرّر الهجوم على قرية الشيحة، للسيطرة على تلّة ضهرة شيحة وقصف مطار حماه العسكري بعشرات الصواريخ، استطاع الجيش استعادة التلّة بعد ساعات عدة قبل خسارتها مجدداً. السيطرة على قرية الشيحة، بالنسبة إلى الجيش، تعني قطع طريق مصياف، وخسارة آخر خط دفاعي عن مطار حماه العسكري. المطار هو هدف المسلحين من عملية القضم الرئيسي للقرى والبلدات الواقعة شماله، وهذا ما يثبته تحييدهم لحماه المدينة عن أي هجمات حالياً. انتقال الجيش من الاستعدادات للهجوم إلى حالة الدفاع، سرّعت إنجاز الخطط العسكرية وتحديد ساعة إطلاق العملية العسكرية التي لن تتوقف، بحسب العسكريين الميدانيين، قبل السيطرة على ريف حماه الغربي، وإنقاذ بلدة محردة من الهجمات المتتالية.
قدّمت بلدة الربيعة 300 شهيد خلال المعارك ضد المسلحين
ورغم أن الأخبار الواردة من الشمال غير مبشّرة، توحي التوقعات بأن قضم الجيش للبلدات الخارجة عن سيطرته في الريف الغربي مستمر، بالتوازي مع معاركه المستمرة شمالاً في بلدة مورك المشتعلة منذ أشهر.
وإذ يحتشد الجيش غرباً، يدير ظهره مطمئناً نحو الجنوب، حيث تقع بلدة الربيعة. ولهذه البلدة خصوصيتها، باعتبارها متهمة من قبل المعارضين بضم «غُلاة الموالين». يسعد أبناء البلدة بحماية ظهر قوات الجيش المشغولة بالعملية العسكرية الجديدة التي تهدف إلى استعادة أهم النقاط التي خسرتها السلطات السورية أخيراً، وأبرزها رحبة خطاب العسكرية. وتشكّل استعادة الموقع العسكري، الذي سقط بأيدي المسلحين الشهر الفائت، تحدياً كبيراً للعسكريين المصممين على إنهاء العملية بنجاح، خلال أسرع وقت ممكن. تشارك في هذه العملية قوات الدفاع الوطني من أبناء المحافظة، إضافة إلى وحدات من نخبة ضباط الجيش وجنوده استقدموا إلى المدينة لضمان تنفيذ الخطط العسكرية بفعالية. تعتمد القوات المشاركة من أبناء ريف حماه المتطوعين في الجيش والقوى الأمنية والدفاع الوطني على أعداد كبيرة من أبناء بلدة الربيعة أيضاً، الذين يعتبرون أنفسهم «أم الصبي» في معارك يبدأها الجيش حالياً لإخماد جذوة التمرد في الريف الحموي. ويعتبر أهالي البلدة الجيش المخلّص الذي سيقضي على مراكز المسلحين المخصصة لإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون على بيوتهم الآمنة. 70% من شباب القرية متفرغون لشؤون الحرب والقتال، وهذا ما يبرّر خسارة الربيعة 300 شهيد خلال المعارك على الأرض السورية. عدد الشهداء يعتبر كبيراً، إذا ما قيس بتعداد سكان البلدة الذي لا يتجاوز 11 ألفاً.
معاناة المدنيين
«الزرع يبس ع إمو»، تقول امرأة أربعينية خسرت ولديها وزوجها في مورك. وتشرح كيف توقف أهل البلدة عن الزراعة، بسبب الحرب ورحيل الشباب للدفاع عن البلدة والبلدات المجاورة. مستوصف القرية الوحيد غير قادر على تلبية احتياجات الأهالي اليومية، في ظل أعداد من الجرحى القادمين من مناطق المعارك. الإصابات اليومية جراء قصف بيوت البلدة بصواريخ المسلحين في خطاب ومجموعة قرى زوار المجاورة، تسبّب عجزاً إضافياً في القدرة على إسعاف الجرحى وفق الإمكانيات المتواضعة. يعبّر أحمد، ابن القرية المتطوع في الجيش، عن مآسيه بعد عودته من القتال في درعا مشلولاً، وذلك إثر صدمته من الإهمال الكبير لحالته وعائلته. الإهمال يقابلك أينما اتجهت في الربيعة، إذ إن الخدمات المفعّلة من قبل البلدية محدودة.
تزخر البلدة بحكايات الحرب الموجعة. سوسن، الطفلة التي لم تتجاوز 10 سنوات والتي حرمتها الحرب والدها الشهيد، أضيفت لعنة أُخرى إلى حياتها، عندما ضربت صواريخ خطاب البيت الذي يؤويها مع والدتها وأشقائها، ما أدى إلى قطع أصابع يدها ونجاة بقية أفراد العائلة. استهداف القرية لم يوفر المدارس، إذ يروي محمد عن قصف مدرسة القرية بصاروخ أدى إلى استشهاد 7 أطفال، بينهم ابنه. ويتابع: «الموت هُنا في كل مكان. صاروخ أو قذيفة يحول سكوننا إلى مأساة وهلع، بينما مواكب الشهداء القادمة من بقية المناطق هي المسلسل اليومي». يحنّ الرجل المتطوع في «الدفاع الوطني» إلى الخضر التي لطالما أنتجتها القرية، إضافة إلى القمح والقطن والشعير. مزروعات افتقدتها القرية، «بسبب الافتقار إلى الأيدي العاملة وارتفاع أسعار المازوت وموجة الجفاف التي ضربت المنطقة».
«ما من تعويض لأي عائلة متضررة. الأهالي يقومون بالترميم، ومساعدة بعضهم بعضاً. الجميع هُنا مقتنع بأن لا مكان آخر نرحل إليه، وأن النزوح غير مُجدٍ»، يقول محمد.
مرح ماشي
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد