الخبراء المحليون: الخبراء الاجانب الذين تعتمدهم الحكومة خبراء (تنفيعة)
بحجة نقص الخبرات الوطنية تلجأ الحكومة السورية، في معظم مشاريعها للاعتماد على الخبرات الأجنبية، سواء عن طريق خبراء المنح التي تقدم لسورية كمشاريع أو عن طريق استقدام خبراء للعمل ضمن مشاريع الحكومة، كما تقوم الحكومة بإيفاد بعض الخبرات المحلية من أجل التعلم أو إجراء بعض الدورات في الخارج بهدف الاستفادة منهم في المشاريع الحكومية، إلا أن بعض الخبراء والباحثين المحليين يرون أن هناك خللا إدارياً في استقدام وإيفاد هذه الخبرات، فيما يرى البعض الآخر أن معظم الخبراء سواء الذين يستقدمون إلى البلد أو الذين يوفدون هم خبراء تنفيعة ولا يتمتعون بالخبرات الكافية للقيام بما يوكل إليهم ولمعرفة حقيقة تبادل الخبرات بيننا وبين الدول الأخرى استطلعنا آراء بعض الباحثين والخبراء ممن عملوا في بعض المشاريع الحكومية أو عملوا كخبراء لدى بعض الهيئات الدولية .
د عمار ناصر أغا: هناك مشكلة إدارية في انتقاء الخبير
أكد الدكتور عمار ناصر أغا رئيس قسم الإحصاء في كلية الاقتصاد (جامعة دمشق) أن الاستفادة من الخبرة الأجنبية هو أمر غير سيئ وهو ضرورة في بعض الأحيان لأننا في سورية نعاني من نقص كبير في الخبرات ويجب الاستفادة من الخبرات الأجنبية إلا أن هناك مشكلة إدارية في انتقاء الخبير الأجنبي ومشكلة أخرى في إرسال الخبير المحلي إذ تقوم هاتان العمليتان على مبدأ ( التنفيعة ) كون الخبراء المستقدمون أو المرسلون يقبضون بالعملة الصعبة، مبيناً أنه تجب دراسة أبحاث الخبير الأجنبي وما هي أعماله قبل استقدامه لان بعض الدول ترسل خبراء (تنفيعة ) دون أن تكون لديهم خبرات كافية، وحتى عندما نرسل خبراء للتعلم أولدورات في الخارج تتم هذه البعثات ضمن محسوبيات وتنفيعات لبعض الأشخاص لذلك يجب أن يتم وضع آلية إدارية صحيحة لتبادل الخبرات يتم من خلالها دراسة السيرة الذاتية للخبير المراد استقدامه ومدى الحاجة لتلك الخبرات في المشروع الذي سيأتي من أجله كما تجب دراسة مدى الفائدة التي ستعود على البلد من الخبير المحلي الموفد ودراسة مدى توافق اختصاصه وامكاناته العلمية مع الموضوع الموفد من أجله،
د ياسر الجندي: الخبير المحلي كلفته أقل وكذلك مخاطره الأمنية
أما الدكتور ياسر الجندي من كلية الاقتصاد في جامعة دمشق فقد أكد أن هناك مشاريع تحتاج الى خبراء أجانب وهي المشاريع التي لا يتوفر فيها خبرات محلية ، أما إذا كان خبراؤنا الوطنيين يستطيعون القيام بالمشروع فمن الأفضل الاستعانة بهم لأن كلفتهم ستكون أقل ومخاطرهم الأمنية أقل، وأضاف د الجندي : وفي حال الاستعانة بالخبير الأجنبي فيجب معرفة خلفية هذا الخبير الذي سنقدمه لأن وجود خبير أجنبي سيطلع على دقائق الأمور في أي مشروع اقتصادي، يجب أن يسبقه معرفة كاملة بالخبرات التي قدمها الخبير في الأماكن الأخرى ومدى تطابق خبرته مع ما يحتاجه المشروع من خبرة، إضافة إلى معرفة الخلفية السياسية والأمنية للخبير الأجنبي، لذلك يجب الاعتماد أولا على الخبرة الوطنية ومن ثم على الخبرة العربية وإذا لم يوجد فالاعتماد على الخبرة الأجنبية ، لأنه من الناحية الاقتصادية الخبرة الوطنية أقل كلفة من الخبرة الأجنبية، والخبير المحلي يعلم ببواطن الأمور المحلية أكثر من الخبير الأجنبي علماً أن لدينا كوادر مؤهلة كي تطور الكثير من المشاريع الاقتصادية في البلد، مثل مشاريع الإدارة المحلية ومشاريع الاتصالات وغيرها ، وضرب د الجندي مثلاً عن مخاطر التعاقد مع خبرات أجنبية حين تم التعاقد مع شركة رومانية لإنشاء مصفاة نفط ، إذ بين أن الشركة أنشأت المصفاة ولكنها لم تقبل تشغيلها إلا بعقد أخر مما كلف الحكومة مبالغ إضافية لم تكن بحسبانها بسبب عدم ورود مادة في عقد الإنشاء يلزم الشركة بتشغيل المصفاة فطالبت بتوقيع عقد تشغيل وشدد د الجندي على ضرورة إعطاء الفرصة للخبير المحلي ومنحه حرية الحركة ودعمه بمردود مادي مناسب مبيناً أن الخبرات التي نوفدها للخارج الكثير منها لا تعود إذ تبقى الخبرة المميزة في البلد الذي تذهب اليه بسبب عدم وجود حافز للخبير للعودة للبلد، الدولة لا تقصر بالإيفاد ولكن التقصير بتحفيز الخبير كي يوظف خبراته ضمن بلدهم فالحكومة تصنع خبراء محليين وتطفشهم
د قاسم النعيمي : هناك عدم ثقة بالخبير المحلي
رغم تأكيد الدكتور قاسم النعيمي من كلية الاقتصاد في جامعة دمشق والخبير لدى البنك الدولي على ضرورة تبادل الخبرات إلا أنه يرى أن الخبراء الذين يأتون إلينا هم خبراء المساعدات بالعموم وهم لا يفيدون البلد بشيء، وإنما يخربون الاقتصاد الوطني، وعزا د النعيمي سبب اعتماد الحكومة على خبراء أجانب في مشاريعها إلى عدم ثقة الحكومة بالخبير المحلي ومن ناحية أخرى عدم تقبل وجهة نظر الخبير المحلي (طبعاً وجهة النظر العلمية) من قبل المسؤولين الحكوميين في تعارضت مع تصوراتهم أو وجهات نظرهم وأضاف د النعيمي: مثلا في مجال الإحصاء عندما يكون هناك تصور في ذهن المسؤول لرقم معين أو لظاهرة ما وعندما يخرج الخبير الوطني برقم معارض لتصور المسؤول فيأخذ المسؤول موقف من الخبير ويعده لا يصلح للعمل كخبير، أما الخبير الأجنبي فكل ما يقوله فهو مقدس وأضاف: أنا مع تبادل الخبرات وليس مع الاعتماد على الخبرات الأجنبية وعن الآلية التي يتم من خلالها التعاقد مع الخبرات قال د النعيمي: هناك مقولة لأحد المدراء العامين ( أوصتني أمي ان لا ادع احد بمستواي أو أعلى مني في مكان عملي) وهذا هو المبدأ الذي تسير عليه الأمور في جميع مشاريع الحكومة فهناك الكثير من الخبراء الذين ياتون من الخارج ويكونون من طرف المنظمات الدولية ويكون هناك مصالح شخصية مشتركة بين الخبراء في المنظمات وبين المسؤولين في بلدنا وأضاف: دائما الخبير المحلي عندما يقدم خبرته ينطلق من الخبرة الأكاديمية والخبرة التجريبية أكاديميا، أما الخبير الأجنبي قد يكون فهيما ولكن بالنسبة للتجربة العملية قد يكون قام بعمل ما في بلده ولكن بلده تختلف عن سورية فمثلا ( أنا لا ٍأستطيع أن أقول أن دالة الاستهلاك في فرنسا يمكن أن تصلح لان تكون في سورية)، فالخبير الأجنبي يقوم بنقل الخبرة العملية التي اكتسبها في بلده، وليس بالضرورة أن يتطابق واقع بلده مع واقع سورية وعن آلية استقدام الخبراء قال د النعيمي: قدوم الخبراء يتم بأحد اتجاهين إما أن المنظمات الدولية تقدم منحاً لسورية، وفي هذه الحالة وحتى لا تذهب أموال المنحة بعيداً ترسل ترسل الجهة المانحة خبراء مع المنحة يتقاضون معظم مبلغ المنحة واعتقد أن أكثر من 75 % من قيمة المنحة تذهب أجور خبراء .
والاتجاه الثاني هو استخدام الحكومة للخبراء وعندئذ نرى ان الحكومة لديها أمر مستفحل غير قابل للحل وهو عدم التعاطي مع الخبرات الوطنية وأعتقد أن لدينا خبراء وطنين يديرون العالم ومن باب اولى أن يديروا بلدهم ولكن لا يوجد قاعدة بيانات يستند اليها أصحاب القرار في اعتماد الخبرات وإنما يتم انتقاء الخبراء وفق المعرفة الشخصية ، وتساءل النعيمي: ماذا قدم الخبراء في مجال عمل الحكومة وأي تقدم حصل نتيجة عملهم، علما أنه صار لهم يعتمدون منذ العام 2000 على خبرات الأجانب في كل مجالات العمل الحكومي والى اليوم لم نجد الخبير المتميز الذي قدم شيئا لسورية ، ومن ناحية أخرى فالخبراء الأجانب يقدمون خبرتهم باللغة الانكليزية ويتم تعيين لهم شخص يجيد اللغة الانكليزية وقد لا يكون اختصاصيا في مجال عمل الخبير وبالتالي لا يتم الاستفادة من الخبير الأكاديمي وعندما يتم عقد ورشات العمل يتكلم الخبير باللغة الانكليزية ولا تتم الترجمة ومن يدعي انه يفهم الانكليزية أفضل من الانكليز عددهم محدود وليسوا اختصاصيين في مجال عمل الخبير وبالتالي الاستفادة تكون في الحدود الدنيا
ويرى الدكتور النعيمي ان هناك خبراء يعملون مع جهات خارجية ومع ذلك لا يتم الاستعانة معهم لخبرات البلد ويضيف: أنا على سبيل المثال خبير لدى البنك الدولي في مجال دراسة مناخ الاستثمار ومع ذلك أنا أستبعد من كل موضوع له علاقة بالاستثمار في سورية .
أحد الخبراء في مجال الموارد المائية قال: ليس هناك جدية لدى الحكومة في البحث عن الخبير المحلي فالجهات الحكومية تنظر الى الأستاذ الجامعي على انه أكاديمي ولا يفقه شيء في الحياة العملية وعلى سبيل المثال:
تم الاستعانة بعدد من الخبراء الأجانب في إعداد الخطة الخمسية العاشرة وعندما بدأنا بعملية تقييم هذه الخطة من قبل خبراء محليين تم نسف كل أرائهم وتمت الاستعانة بخبراء من الخارج من أجل تقييم الخطة الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات، علما أن الخبير المحلي ينطلق من واقع الحال لا الارقام لأن الأرقام لا تعبر عن الواقع في معظم الحالات.
عبسي سميسم
المصدر: مجلة الهندسة والمقاولات
إضافة تعليق جديد