الحرب لن تبقى محصورة في لبنان
بعيدا عن المناحة التي لم ترفع معنويات الناس، وسلاح الدموع الذي شُهر في مواجهة العدو... فإن قمة السذاجة افتراض ان العدوان الاسرائيلي تولّد عن اسر حزب الله للجنديين الاسرائيليين.. او عن تفرد، بحسب التعبير الاعتراضي الأكثري المتكئ على هجوم عربي غير مسبوق، او ربما، غير المعلن من قبل، على المقاومة اللبنانية.
فعملية الاسر، كما يقدّر مرجع سياسي واسع الاطلاع، املتها الظروف الميدانية، التي لا توفر كل لحظة فرصة الامساك بأسير اسرائيلي. الا ان هذه الصدفة الميدانية كشفت ايضا مستورا كان يُخطط له من قبل الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل لتنفيذ القرار ,1559 بعدما اصطدم المشروع الاميركي لتنفيذ هذا القرار بموانع لبنانية، وفي طليعتها حزب الله.
فالعدوان يؤكد دخول اسرائيل لأخذ حصتها من القرار المذكور، وذهابها الى التنفيذ بالاستناد الى حجة الاسيرين، كما استندت الى حجة محاولة اغتيال السفير الاسرائيلي في لندن لاجتياح الجنوب في العام ,1982 وحددت هدفه واستطاعت تحقيقه، اي اخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان.
ان هدف اسرائيل، هو اخراج حزب الله من المعادلة نهائيا. فهل تستطيع ذلك؟
يجيب المرجع السياسي المذكور: ان الفلسطيني في العام ,1982 كان يقاتل دفاعا عن بيت ضيافته.. اما حزب الله فهو يقاتل عن قبور اجداده ومستقبل ابنائه.. وقد قرر ان ينتصر.
لكن الوقائع الميدانية المتسارعة، كما يقول المرجع، تنبئ بما هو اكبر من بقائها محصورة في لبنان، وتهدد باتساع الرقعة اقليميا، ولا سيما في اتجاه سوريا وايران. مع ما يمكن ان تحمله من تحولات وتغييرات جذرية على مستوى المنطقة بأسرها.. وهنا لا بد من القراءة الدقيقة لما يعنية السيد حسن نصر الله باعلانه بأنها معركة الامة.
على ان ما يتخوف منه المرجع السياسي هو الآثار التدميرية الكبيرة التي قد يمنى بها لبنان، فالقراءة السريعة لنتائج هذا العدوان تظهر خسارة فادحة في الارواح، والممتلكات، وفي البنية التحتية، حيث كان لافتا ما اعلنه نصر الله حول تكفل الاصدقاء بالتعويض.
ومن بين هذا الدمار، تبرز من جهة ثانية، مسألة مهمة جدا قريبة من تماسك الجبهة الداخلية من خلال توجيه الخطاب السياسي اللبناني بكل اطيافه لمواجهة العدو والتأكيد على الوحدة الوطنية. كما انها تكشف بوضوح الخداع الاميركي للقوى التي اطمأنت اليه، بأن خيار الاميركيين بين اسرائيل وأي كان في العالم، ومهما قدم من تنازلات او خدمات، سيكون الى جانب اسرائيل.. ما يمكن ان يفسح المجال امام بعض الاطراف المحليين لاعادة قراءة هادئة لمواقفهم، مع الاشارة الى كلام عمرو موسى بالامس: لقد خُدعنا.
وأهم ما في هذه القراءة، انه بعد خمسة ايام من صمود المقاومة، اسقط العدو شرطه الثالث: تنفيذ القرار 1559، الذي قام العدوان الاسرائيلي اساسا لتحقيق هذا الهدف، فيما بقي الشرطان الآخران اللذان يطرحان من باب حفظ ماء الوجه لوقف اطلاق النار، وتبلغهما الرئيس فؤاد السنيورة من رئيس الوزراء الايطالي رومانو برودي، حيث يفيد الشرط الاول باطلاق الاسيرين، وهو شرط كانت المقاومة قد طرحته بعد الاسر مباشرة بأنها على استعداد للتفاوض غير المباشر والتبادل. اما الشرط الثاني فهو إبعاد حزب الله الى ما بعد الليطاني، وهذا الشرط يضعه رئيس الوزراء الاسرائيلي ليكون ثمنا بدل سقوطه السياسي في اسرائيل.
لقد اثبت حزب الله، والكلام للمرجع السياسي المذكور، انه قوة غير مغامرة، اذ ان الوقائع بينت انه يستقرئ المستقبل السياسي على نحو جيد جدا.. وتمكن من إلحاق خسائر كبرى بإسرائيل، التي تحاول ان تخفيها، او تعويضها بالغارات التدميرية للأحياء السكنية والبنى التحتية. فإسرائيل لم تربح سوى سفك الدماء. فهي على المستوى الميداني والعسكري لم تستطع امام قوة مغامرة ان تحقق النصر، برغم ما تملكه من تفوق وامكانيات هائلة. بل هي تعرضت لضربات استراتيجية، برا وبحرا.
ففي البر، تلقت ضربة في سلاح المشاة، من خلال اسر الجنديين وقتل 8 آخرين. كما تلقت ضربة عنيفة في سلاح المدرعات، حيث سقطت <الميركافا> صريعة سهلة بيد بعض المجاهدين، على الرغم من تميّز هذه الدبابة، التي تُعتبر في مكانة الامن القومي لاسرائيل. أما على المستوى البحري، فقد سقطت البارجة، وهي واحدة من ثلاث ضمن الاسطول البحري الاسرائيلي.. ويضاف الى ذلك الصفعة الامنية التي تلقاها الموساد الاسرائيلي قبل فترة قصيرة بكشف شبكة محمود رافع.
والأهم في كل ذلك، ان الذراع الصاروخية لحزب الله طالت العمق الاسرائيلي، على الرغم من الصعوبات الجغرافية وعدم التكافؤ في القدرات العسكرية.. وقد ابرز التقييم الذي اجرته المقاومة (وخصوصا من خلال المتابعة الحثيثة للسجال الداخلي الاسرائيلي) حالا من الارباك الشديد، جراء حجم الرد العنيف التي قامت به المقاومة، والذي لم يكن يتوقعه العدو، وكذلك لم يكن يتوقع نوع الاسلحة الصاروخية المستخدمة، فضلا عن الدقة في الاصابات، حيث اصابت صواريخ المقاومة اهدافا ضمن اهداف.
لقد برهنت صواريخ الحزب على حيفا، وطبريا وصفد وعكا وغيرها من مستعمرات الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين المحتلة، ان منظومة الدفاع الاسرائيلي هي منظومة دفاع <قشرية> على طول الحدود العربية، خاصة مع لبنان وسوريا، لكن العمق او الداخل الاسرائيلي غير محمي، حتى انه لا توجد ملاجئ. قد يكون مرد ذلك ناجما عن ان العقل العسكري الاسرائيلي قد بنى استراتيجيته على اساس ان الاسرائيلي يطال العربي، وان العربي لا يمكن في اي حال ان يستطيع ان يطال الاسرائيلي. لقد حقق حزب الله اختراقا نوعيا لهذه الناحية.. ولن تمضي مدة طويلة إلا وسيدور النقاش بقوة داخل اسرائيل حول هذه المسألة.
إلى أين؟
يقول المرجع السياسي: نحن في الساعات المقبلة امام خيارين: إما الوصول الى تحقيق <صدمة ايجابية> تؤدي الى وقف العدوان.. وإما استمراره والضغط على المدنيين، وانفتاح المنطقة كلها على بركان؟
نبيل هيثم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد