الحب في زمن الكورونا (8)
كيف نتخيل وضعنا والعالم من حولنا حتى نهاية عام البؤس هذا ؟
بعد كوفيد 19 لم يعد المرض أمرا فرديا بقدر ماصار شأنا سياسيا بإدارة الحكومات، ليس من باب التعاطف مع المريض بقدر ماهي حالة عامة يتوجب إدارتها واستثمارها في ملفات الأمن الوطني.. صحيح أن المصحات العقلية كانت بإدارة الحكومات بهدف عزل الجانب المعطوب من عقل الأمة، غير أنه لم يكن ملفا مهما إلى حد رفع مستوى الأمن الصحي إلى الدرجة القصوى، وإن كانت السلطات تستخدمه أحيانا لعزل بعض المعارضين لسياساتها تجنبا للوقوع في الإحراج فيما لو سجنتهم من دون حكم قضائي .. وعلى غرار كتاب "إدارة التوحش" لأبي بكر ناجي، الذي شكل برنامج عمل مقاتلي داعش والنصرة والجيش الحر، فإن " إدارة كوفيد" سوف تأخذ طابعا متوحشا في السياسات الأمنية العالمية والمحلية مستقبلاً، بعدما بات المريض مصدرا للشر مهما كانت صفته وتاريخه الإجتماعي عظيما ..
ففي ظل عدم وجود علاج فعلي لكوفيد، تحول الأمر من حالة مرضية إلى حالة بوليسية، حيث باتت مشاركة قوات الشرطة في الحظر والحجر والعزل أكبر من مشاركة الطواقم الطبية، وأظن هذا كان سببا في اشتعال الإحتجاجات الأمريكية والأوروبية مؤخرا ..
في سورية ساهم الإعلام الشعبي، بالإضافة إلى شهور الحظر غير المجدية، في خلق حالة مضادة ترفض الإذعان لكوفيد: باعتباره مؤامرة امبريالية تديرها الماسونية العالمية والشركات الكبرى (بقيادة بيل غيتس نجم نظريات مؤامرة كوفيد 19) ، وبالتالي فإن غالبية الناس استمروا على ماكانو عليه من التزاحم والتواصل والمعانقة، وحتى في مجلس الشعب، حيث وزعوا علينا الكمامات والقفازات والمعقمات، فإن أحدا بيننا لم يضع كمامة، سوى رئيس المجلس الذي داوم على ارتدائها أثناء تعطل المجلس وانعزاله، ثم نزعها بعد عودة التئام الجلسات الأسبوع الماضي ، وواظبنا، مجلساً وحكومةً وشعباً، في المصافحة والمعانقة والتزاحم جكارة بالإمبريالية العالمية، على الرغم من التسارع في عدد إصابات كوفيد حيث كل أسبوع جديد يحمل ضعف إصابات الأسبوع الذي سبقه، مع توقع أن يضرب المرض جموع السوريين في نهاية العام ، وبالطبع سيؤثر سلبا على الإقتصاد والليرة، بعد انتعاش وهمي سنشهده خلال الأشهر القادمة بفعل (المعونات السياسية) التي ستصلنا من الأصدقاء لدعم صمودنا في مواجهة "سيزر" ، إذا لم تقم وزارة الزراعة بحركة إسعافية طال انتظارها في ظل وزير عادي ليس سيئا ولاجيدا ولا مبادرا ولا متقاعسا، في الوقت الذي ترك فيه رئيس الوزارة الجديد حسين عرنوس القياد للوزارات بحسب مايريد وزراؤها الميامين، فإذا أخطأوا سيحملون وزر أخطائهم منفردين، وإن نجحوا في الشهر الأخير من عمر وزارتهم، بعد أربع سنوات من عدم النجاح، فستكون معجزة حكومية .. ولكن ماهو عمل رئيس الحكومة في حال أن الوزارات ستدير نفسها بنفسها من دون عودة إلى رئيسها ؟ يتساءل مواطنون..
فاليوم، وبعد سنوات من الموت العنيف، لم يعد كوفيد بالنسبة لغالبية السوريين شيئا مخيفا، خصوصا أنهم مع الفايروس سيموتون قطعة واحدة من دون تشويه، بعدما قطعت الحرب أجساد أحبابهم أو أخفتهم في مقابر جماعية، غير أن المرض الجديد عزز انتماءنا إلى أجسادنا أكثر من أي شيء آخر، ودفع غالبيتنا لتقبل معاناته في خضم هذا الخراب الذي أصاب الأمم من حولنا بأقل مما فعل بنا؛ فكوفيد وحّد المصائر بين الظالمين والمظلومين، وبين القاتل والقتيل، بين المفترس والفريسة، وبات الصراع من أجل النصر نوعا من الجنون، بينما المنطقي أن يكون من أجل تحقيق السلام .. فالجثث تتساقط في أنحاء المعمورة من حولنا كما يسّاقط المطر، وكل نطفة ينبت فوقها شاهدة قبر، حتى بتنا في حالة سباق مع الموت وتسارع لم تعهده البشرية منذ قرن مضى، ولطالما كان الموت الجماعي في الحروب والأوبئة عاملا محفزا ليقظة العالم من غفلته، وهذا مبعث الأمل الوحيد الذي يدفعنا لتحقيق السلام الذي يأتي بالرخاء معه.. فتغيروا وتجددوا لكي نبدأ دورة جديدة من الحياة على أرض سورية التي كانت مهبط آدم وحواء.. وإبليس معهم، كما تقول الكتب المقدسة..
نبيل صالح
إضافة تعليق جديد