الجيولوجيا البحرية ..تاريخ قيعان المحيطات
الجيولوجيا البحرية علم معني بدراسة تاريخ قيعان المحيطات وبنيتها، ودراسة الصخور الصلبة والأحواض التي ترسو عليها المحيطات. ويعتمد على مجالات علمية أخرى مثل علم الإحاثة، وعلم الرواسب، وعلم الكيمياء الجيولوجية، وعلم الفيزياء الجيولوجية، وغيرها. قد تتساءل لماذا يدرس علماء المحيطات قيعانها. إنهم يدرسونها بغرض فهم التغيرات المناخية والتنبؤ بها وبتأثيراتها على المحيطات والشواطئ. علاوة على ذلك، تساعد دراسة قيعان المحيطات على حماية كوكب الأرض وتوازنه، وعلى اكتشاف الموارد الطبيعية مثل البترول والمعادن.
ففي بداية القرن العشرين، واجه علماء الجيولوجيا البحرية مشكلات مع رسم قيعان البحار عند استخدام أدوات قياس الأعماق. وأثار استخدام أصداء السونار في القطع البحرية الحربية خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية فضول العلماء المدنيين؛ فبدأوا في استخدام هذه الطريقة الأقل كلفة لدراسة قيعان البحار.
وهذه التقنية تبعث بموجات صوتية إلى قاع البحر وتنتظر أصدائها؛ وبما أن الصوت ينتقل بسرعة ثابتة عبر المياه، يدل الوقت الذي يستغرقه للمرور عبر الماء وإعادة إرسال صداه إلى السفينة مرة أخرى على المسافة بين السفينة وبين قاع البحر. وهكذا، كلما زادت سرعة وصول صدى الصوت كلما كانت المياه أكثر ضحالة.
كان عالما المحيطات الجيولوجيان بجامعة كولومبيا بروس هيزين وماري ثارب أول من رسما خريطة جغرافية فيزيائية ثلاثية الأبعاد لأحواض المحيطات في العالم، والتي قامت الجمعية الجغرافية الوطنية بطباعتها في عام 1956.
أدت خريطة قياس الأعماق هذه إلى اكتشاف سلاسل من البراكين تحت المسطحات المائية، واكتشاف الخنادق العميقة التي تحيط بكوكب الأرض تحت المحيطات، مما أحدث ثورة في علم الجيولوجية البحرية وفي نظرية الصفائح التكتونية في العقدين التاليين.
يقوم علماء المحيطات بعمل تصور كامل بقياس الأعماق لأحواض المحيطات – ولنقل لحوض المحيط الهادي على سبيل المثال – والذي يضم خصائص قاع المحيط:
الجرف القاري: وهو حواف القارات المغمورة بالمياه الضحلة. وبعضها كبير للغاية مثل الحال في الشواطئ الشرقية لقارتي أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، وبعضها محدود للغاية مثل شواطئ القارتين الغربية. عبر الأزمنة الجيولوجية تنحسر الخطوط الساحلية أو تزداد وفقًا لزيادة أو انحسار الجليد في قطبي الأرض وللارتفاع أو الانخفاض العالمي لمستويات البحار.
السفح والمنحدر القاري: المنحدر القاري هو تغير مفاجئ من الجرف القاري إلى أعماق المحيط. ويقطعه أخاديد كبيرة تعمل على تغيير تيارات التعكر، ويكون الارتفاع بفعل تراكم الترسبات في قاع المنحدر.
ظهر المحيط: وهو سلسلة متصلة من البراكين المنخفضة المتماثلة، والتي تمتد بامتداد أحواض المحيطات. وهو منطقة شاسعة مرتفعة ذات وادٍ صغير للغاية في مركزها، مثل ظهر المحيط الأطلنطي بين قارتي أفريقيا وأمريكا الجنوبية. وتقوم الثورات البركانية الطفيفة بصب الحمم في وادي محور الظهر، والذي يتحول بعد برود تلك الحمم إلى قاع البحر الجديد.
الخنادق المحيطية: أودية ملتوية لا قاع لها موجودة عند حواف الأحواض المحيطية؛ وهي أعمق البقاع في المحيطات. وعند هذه النقطة، تحدث عملية معروفة باسم الاندساس؛ حيث تتم إعادة تدوير قاع البحر المسافر داخل كوكب الأرض في هذه الخنادق.
السهول السحيقة: تضاريس ضخمة ومسطحة من قيعان المحيطات العميقة. أحيانًا ما تعترض مجموعات صغيرة من النتوءات المدببة، والمعروفة بالتلال السحيقة أرضية البحار الممهدة. واكتشف العلماء عند دراستهم للسهول السحيقة أنها قمم قطع صخرية مائلة تقبع أسفل طبقة من الترسبات المحيطية العميقة.
والصخور الصلبة الموجودة في قاع البحر مختلفة عن تلك الموجودة على القارات. أما الأولى، فهي أقل سمكًا، وأعمق، وأغمق لونًا، وتحتوي كميات أكبر من المغنسيوم والحديد مقارنة بمثيلاتها على سطح الأرض. هذا وتقوم البراكين الموجودة في ظهر المحيط بترسيب البازلت، وهو مكون أساسي لأرضية قاع المحيط. والترسبات التي تغطي السهول السحيقة في قاع المحيط، والمعروفة بالوحل البحري تتكون بفعل التراكم البطيء المستمر للسيليكا والكالسيوم، وهما وفيران في البقايا النباتية والحيوانية الدقيقة التي تهبط وصولًا إلى قاع المحيط. وأما الثانية، فتحتوي على صخور غير مصقولة ذات ألوان فاتحة مثل الجرانيت.
والحدود الفاصلة بين الصخور المحيطية والصخور القارية موجودة أسفل ترسبات كبيرة تمثل الحواف القارية. والحواف القارية − مثلها مثل المنحدرات القارية والرفوف − هي طبقات رسوبية سميكة تجلبها الأنهار المتجمدة والجارية من داخل القارات.
يظل مجال الجيولوجيا البحرية الشائق في تطور؛ حيث يجذب تأثيره على البيئة واكتشافه للمواد الجديدة اهتمامًا متزايدًا. ومن شأن هذا أن يلهم مزيدًا من الناس للانخراط فيه في حياتهم العملية نظرًا لأهميته في عالمنا اليوم.
كوكب العلم
إضافة تعليق جديد