الجيش اللبناني شمالاً: العدّ التنــازلي لانكفاء المسلّحين؟
الانطباع الذي يمكن الخروج به، بعد جولة أمس في ساحة عبد الحميد كرامي وما يحيط بها من شوارع في طرابلس، أن الاشتباكات العنيفة التي شهدتها هذه المناطق ليل أول أمس أفضت إلى خلاصة واضحة: الجيش اللبناني استعاد هيبته عبر فرض الأمن فيها، وبالتالي في طرابلس، قاطعاً الطريق على من يحاول الوقوف في طريق تأدية واجبه.
حركة الازدحام التي شهدتها الساحة والشوارع المؤدية إليها، وقيام عمال بلدية طرابلس وشركة كهرباء قاديشا بإصلاح الأعطال وإزالة آثار المعركة، وتفقد المواطنين أرزاقهم في المنطقة تحت نظر عناصر الجيش الذين توزعوا مع آلياتهم على أطراف الساحة، كلها مؤشرات الى أن الحياة الطبيعية عادت سريعاً.
وهذا المشهد ما كان ليصبح ممكناً لو أن المسلحين تمكّنوا من تنفيذ قرارهم بإقامة اعتصام مفتوح في الساحة حتى الإفراج عن غالي حدارة، الذي سبّب توقيفه أول من أمس اندلاع أحداث طرابلس الأخيرة.
لم يتحوّل حدّارة إلى نسخة مكرّرة من شادي مولوي الذي حوّل توقيفه في أيار 2012 طرابلس إلى ساحة وغى، لم تهدأ إلا بعد إطلاقه وعودته معززاً مكرماً إلى طرابلس بمباركة من رئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي.
لا تنكر مصادر سياسية طرابلسية أن إنهاء الجيش حالة الشيخ أحمد الأسير الأمنية في صيدا ساعدت الجيش إلى حدّ كبير في منع تكرار حالة مولوي مع حدارة، وفي جعله يُقدم، وهو يتمتع بمعنويات مرتفعة، للحؤول دون استنساخ «الأسيرية» في طرابلس.
الهيبة التي استعادها الجيش في صيدا، وعزّزها أول من أمس في طرابلس، يعود قسم كبير منها إلى غطاء سياسي سنّي تأمّن للمؤسسة العسكرية لضبط الانفلات الأمني، إضافة إلى تأييد شعبي واسع بعدما بلغ استياء الأهالي من استباحة المسلحين طرابلس أقصى مداه.
مصادر سياسية طرابلسية تضيف أن ما أقدم عليه الجيش في صيدا، وبعدها في طرابلس، ما كان ليفعله لولا غطاء دولي له، جعله يتحرّك بارتياح كبير تحت شعار «محاربة الإرهاب». وتوقفت عند إعلان نائب وزير الخارجية الأميركي وليم بيرنز، بعد لقائه قائد الجيش جان قهوجي أول من أمس، أن بلاده «تقدر جهود الجيش في الحفاظ على استقرار لبنان»، وأكّد التزام بلاده «الاستمرار في دعمه وتعزيز قدراته العسكرية».
أمام هذا الواقع، باتت المجموعات المسلحة اليوم في موقف صعب. فهي لا تتمتع منفردة بثقل على الأرض يشابه وضع الأسير، فيما توحيد صفوفها دونه صعوبات لا يمكن تخطيها بسهولة. ومن هنا يمكن فهم إقدام البعض على إعادة قراءة حساباته جيداً قبل إقدامه على خطوة غير محسوبة قد تكلفه ثمناً غالياً.
وما أجبر بعض هذه المجموعات المسلحة، أو معظمها، على فرملة تحركاتها و«ضبّ» عناصرها من الشارع بعد اشتباكات أول من أمس، أن الجيش أوقف ليلتها العديد من المسلحين الملثمين، كما أوقف آخرين بعدما دهم أماكن وجودهم، من غير أن يخرج أحد معترضاً على هذه الإجراءات، وهو الذي كان حتى الأمس القريب يواجه حملة شعواء ضده في الشارع إذا قام بتوقيف أي مشتبه فيه أو مطلوب للعدالة.
مع ذلك، يؤكد مراقبون وشهود عيان أن الجيش لم يضرب المسلحين بيد من حديد، بل اكتفى بالتلويح بعصاه فقط، لافتين إلى أن حجم الرصاص والقذائف التي استخدمت في اشتباكات أول من أمس، لا تتناسب، نظراً إلى كثافتها وامتدادها ساعات، مع حجم الأضرار البشرية التي تركتها وراءها، بسقوط قتيل و5 جرحى، ولا الأضرار المادية التي لا تبدو كبيرة قياساً بحجم المعركة، لأن أغلب الرصاص والقذائف التي استخدمت أطلقت في الهواء، وهي بدت كأنها استعملت للتحذير فقط وليس لحسم الوضع عسكرياً.
لكن المصادر لا تنفي أن اتصالات عديدة وكثيفة جرت مع بعض المشايخ، أبرزهم الشيخان سالم الرافعي وحسام الصباغ، لضبط الأمور وتهدئة الوضع واستيعاب «فورة» المسلحين، وهو ما حصل، الأمر الذي ساعد الجيش في مهمته، وسحب البساط من تحت أرجل بعض قادة المحاور والمجموعات المسلحة في طرابلس، ومن داعميهم من الأمنيين والسياسيين على السواء.
غير أن الإسلاميين والمشايخ الذين برزوا في السنوات الأخيرة، وشكلوا حيثية سياسية وشعبية وإعلامية لافتة، باتوا اليوم في موقف حرج، نظراً إلى تقرّبهم من المسلحين وتشكيل بعضهم غطاء لهم، من دون الالتفات إلى المواطنين الذين يعدّون المتضرّر الأكبر من ممارسات المسلحين، ما جعلهم ينظرون إلى الإسلاميين والمشايخ نظرة سخط وعدم رضى.
هذه النظرة يدركها مشايخ كثيرون أيضاً، لكن فرصة التعبير عنها لم تكن متاحة لهم، لأنهم يعرفون، بحكم تجاربهم في السابق وتجاربهم الحالية، أن حضورهم الديني والشعبي، وأيضاً السياسي، في طرابلس، لا يمكن أن يحصد نجاحاً إذا كانوا يسيرون مع المجموعات المسلحة على موجة واحدة.
هذه الخلفية لم تغب عن أذهان من اجتمعوا أمس في دار إفتاء طرابلس برئاسة أمين الفتوى في الشمال الشيخ محمد إمام لبحث الأوضاع في المدينة، عندما وجّهوا سؤالاً استنكارياً يمكن اعتباره رفعاً للغطاء عن المسلحين، عندما قالوا في بيانهم: «لماذا ينزل السلاح بفوضى وعبثية للتخريب؟».
جاء ذلك بعدما أشار البيان إلى أن «طرابلس ضحية، وهي تعاقب وتستهدف وتهمش، وعلى الجميع أن يتحملوا مسؤولياتهم وأن يعاملوا طرابلس بما تستحق وبما يليق بأهلها».
عبد الكافي الصمد
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد