الجنوب السوري.. معارك بقرار سياسي
بعد إخفاق معركة «وبشر الصابرين»، وقبلها «عاصفة الجنوب»، في إحداث أي اختراق جدي في «الجبهة الجنوبية»، تعيش المنطقة اليوم على وقع عمليات للجيش، وسط ترقب لخطوات الفصائل التي ترتبط بدعم إقليمي واستحقاقات سياسية، فيما ينتهز المدنيون الهدوء المؤقت لالتقاط أنفاسهم.
ولا يوحي الزحام في محطة الحافلات المتجهة من دمشق إلى درعا بأن المقصد هو محافظة تعيش أوضاعاً ساخنة للغاية، فثمة أعداد كبيرة تستعدّ للمغادرة وأخرى تقترب من الوصول للعاصمة قبل أن يكشف عن أن السبب هو سلامة الطريق بحسب أحد السائقين في المنطقة. ويقول «تتحرك السيارات تبعاً للطريق والاشتباكات، خاصة لبعض مناطق الريف، وطبعاً تنتهي الحركة قبل غروب الشمس مهما كانت الظروف».
كثيرون في المقابل هم المتّجهون لدرعا وريفها، خاصة مع نهاية الأسبوع أو أولئك الذين يحكمهم عملهم بالتنقل بين حوران ودمشق للدراسة أو العمل. وكثيرون أيضاً هم الوافدون إلى العاصمة بقصد العلاج أو الاستعداد للسفر أو التعلّم.
على الطريق الهادئ بدوره في هذه الأيام تتراجع الأبنية تدريجياً لمصلحة مناطق زراعية تكتسب مع الطقس الغائم جزئياً مشهداً يُنسي المسافر للحظات أنه في أحد أخطر مناطق البلاد. سيعود ويتذكّر الخطر حين يسمع رصاصة من هنا أو صوت قذيفة من هناك، أو إن كانت وجهته تحتم عليه الاقتراب من مناطق خاضعة لسيطرة المسلحين.
أما عند مدخل درعا المدينة، فقد نجحت التحصينات التي أقامتها للقوات السورية والتعزيزات العسكرية، بالإضافة للإجراءات الأمنية المشدّدة، في تأمين المدينة وأبعادها عن مصير مماثل لمصير الرقّة وإدلب بعد هجمة «عاصفة الجنوب» بأجزائها الخمسة. ربما كان هذا سبباً أساسياً في استقرار درعا واستمرار الحياة اليومية، رغم كل الظروف القاسية، بالإضافة لاتخاذها من قبل كثيرين من أبناء الريف الحوراني مكاناً للنزوح، لا سيما أن ريف حوران بات محطة في العمليات العسكرية مع التقدم الأخير في محيط الشيخ مسكين والقصف الذي يطال تل الحارة وصولاً إلى سفح جبل الشيخ والجولان، بمشاركة الطيران الحربي الروسي بحسب تقاطع معلومات ناشطي المعارضة مع «المرصد السوري لحقوق الإنسان» الذي ذكر أن «طائرات حربية، يُعتقد أنها روسية، نفذت غارات في مناطق في بلدات الحارة وتل عنتر وكفرناسج وعقربا في ريف درعا الشمالي». وإذا تأكد الأمر فإنها ستكون المرة الأولى التي يشن الطيران الحربي الروسي غارات فيها على المنطقة.
وعلى مقلب الفصائل المسلحة، ثمة أسئلة كثيرة عن حقيقة ما يجري، إذ لم يسبق أن تلقت المجموعات هذا الكم من الخسارات من «عاصفة الجنوب» إلى «وبشر الصابرين»، وسط كلام عن حشود إضافية لإعادة ترتيب الخريطة الميدانية في الجنوب. فماذا يدور في كواليسهم؟
لا يتردّد بعض ناشطي المعارضة بالقول علناً إن هناك عملية تسليم وانسحابات سريعة من المناطق، وهي تتم حتى من دون اشتباك، وكأنه قرار خارجي بعدم المواجهة، فيما يُصرّ البعض الآخر على أن المشكلة الأساسية في الجنوب أن الفصائل بمثابة جسم بلا رأس، فلا يمكن لقائد «فلوجة حوران» أن يتعامل مع مسؤول «جيش اليرموك» أو «فرقة الحمزة»، خاصة أنه لم يكن هناك أمر عام بالهجوم على منطقة. ويُضاف لإشكاليات الجنوب أن «جبهة النصرة» بدأت تعيد تموضعها من جديد، لاسيما أن عدداً من الكتائب قد حسمت قرارها بعدم قتال «لواء شهداء اليرموك»، المتهم بمبايعة تنظيم «داعش»، وهو ما لا يروق لـ «النصرة» التي تفضل في الشمال اتخاذ منهج مغاير في محاباة «الدولة الإسلامية». ويذهب قادة «النصرة» أبعد من ذلك، حين يعملون على استقطاب المسلحين بعد قرار «غرفة عمليات الموك» إيقاف الرواتب، وتستثمر في الأمر بعد انكفاء «جيش الإسلام» عن التوسّع جنوباً .
غير أن مصدراً معارضاً في الجنوب يتوقع اتجاهاً مغايراً، إذ يتوقع تجدّد الدعم السعودي، وحتى الأميركي، وإعادة شن هجمات ومعارك للسيطرة على مناطق جديدة، لكنه يربط الأمر بفشل الاستحقاقات السياسية، معيداً للأذهان بدء التصعيد في محيط درعا والقنيطرة قبل عامين بالتزامن مع فشل مفاوضات «جنيف 2» وبدء الحديث جدياً عن دعم «الجبهة الجنوبية»، ما فتح الباب أمام الفصائل لتسلم صواريخ متطورة وبدء معارك للتوسع في المنطقة، خاصة أن المشهد اليوم شبيه جداً بما حصل، بل إن امتداد العمليات الروسية أخيراً للجنوب يعني نسف خيار استثناء «الجيش الحر» من المواجهة، ويعني أيضاً بالنسبة للجهات الداعمة للمسلحين بدء تفعيل الجبهة من جديد.
طارق العبد
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد