التقرير الأولي لخسائر إسرائيل المالية بسبب الحرب
أظهر التقرير الاولي غير النهائي عن التبعات التي رتبتها الحرب الاسرائيلية على وضع المالية العامة للدولة خلال السنة الجارية، اطاحة احداث تموز بجهود الحكومة في تحقيق مزيد من الاستقرار المالي والاقتصادي، وكان في محصلتها تقدير حجم الخسارة المتوقعة في المالية العامة حتى نهاية 2006 في حدود الـ1,6 مليار دولار، وتوقع ان تسجل سنة 2006 عجزا اجماليا بقيمة 3,850 ملايين دولار اي ضعف العجز الاجمالي المسجل عام 2005، كذلك لحظ توقع تدني حجم الاستيراد الاجمالي لهذه السنة بنسبة 15 في المئة مقارنة مع عام 2005. ولم يغفل التقرير الاشارة الى ان تنفيذ قرار مجلس الامن رقم 1701 يستلزم اجراءات امنية اضافية ترتب كلفة اضافية بنحو 70 مليون دولار. كذلك توقع ان يصل حجم خدمة الدين العام لسنة 2006 الى 3,090 ملايين دولار، لافتا الى ان مؤسسة كهرباء لبنان قدّرت الخسائر الاولية بنحو 114 مليون دولار.
وكان وزير المال الدكتور جهاد أزعور عقد امس مؤتمرا صحافيا في الوزارة، اذاع فيه التقرير الاولي الموجز بانعكاسات حرب تموز على وضع المالية العامة خلال السنة الجارية، وهنا ابرز ما جاء في التقرير:
1 - إنّ تداعيات حرب تموز 2006 على الاقتصاد لن يقتصر أثرها على المدى القصير فحسب بل ستمتد انعكاساتها السلبية طوال السنوات المقبلة. وفي انتظار التقويم النهائي لآثار العدوان والذي سوف يتبلور خلال الفترة القصيرة المقبلة، يبدو أن آثار الحرب وتداعياتها على المؤشرات الاقتصادية ومؤشرات المالية العامة ستظهر على المديين القصير والمتوسط، خصوصا وأن الحصار البحري والجوي على لبنان دام لفترة شهرين، عانت خلاله القطاعات الاقتصادية شللا شبه كامل.
2 - خلال الاعوام التي سبقت وقوع الحرب، وخصوصاً العام المنصرم، عملت الحكومة جاهدة على إعادة التوازن إلى المالية العامة، فتمكنت من تحسين مستويات الفائض الأولي بطريقة ملموسة ولجم العجز الإجمالي للموازنة والخزينة، والتخفيف من وتيرة نمو الدين العام، خصوصا بعد الأحداث السياسية والأمنية التي شهدها عام 2005. وبالفعل نجحت الحكومة في تعزيز الاستقرار المالي والنقدي، وتجلى ذلك في التحسن الملموس الذي طرأ على الفائض الأولي الإجمالي خلال النصف الأول من 2006، وقبل اندلاع الحرب وبدء الاجتياح الإسرائيلي، والذي بلغ نحو 994 مليار ليرة أي بزيادة تجاوزت أربعة أضعاف الفائض الأولي الإجمالي المحقق خلال النصف الأول من عام 2005.
3 - يعود التحسن في الفائض الأولي إلى الجهود التي بذلت لرفع مستوى الإيرادات عن طريق: تحسين الجباية وحض المؤسسات والمصالح العامة، على إجراء التحويلات على نحو دوري ومنتظم إلى الخزينة مما أتاح لها وفرا ماليا مهما بلغت معه إيرادات النصف الأول من عام 2006 نحو 4,063 مليارات ليرة، أي بارتفاع نسبته 15 في المئة مقارنة مع النصف الأول من عام 2005. ويذكر أن إجراءات تحفيز الإيرادات قد بوشر العمل بها خلال النصف الثاني من عام 2005 حيث ارتفعت عائدات هذه الفترة مقارنة مع النصف الأول من عام 2005 بنحو 10 في المئة. ولم تقتصر جهود الحكومة على زيادة الإيرادات فحسب، بل تعدتها إلى ضبط وبرمجة النفقات لاسيما النفقات من خارج خدمة الدين العام مما ساهم في انخفاضها من 3,309 مليارات ليرة في النصف الأول من 2005، إلى 3,070 مليارات ليرة خلال النصف الأول من 2006، أي بنسبة 7 في المئة.
4 - إنّ التحسن الذي طرأ على مؤشرات المالية العامة، قبل بدء الحرب، رافقه تحسن مماثل على صعيد إدارة الدين العام، الأمر الذي ساهم في التخفيف من حدة الاخطار المرتبطة بالتمويل حيث استطاعت الحكومة بموجبه توفير التمويل اللازم عبر آليات السوق وبفوائد بقيت مستقرة على الليرة وانخفضت على الدين بالعملات الأجنبية. وقد ساهمت هذه السياسة التمويلية بالتخفيف من الاعتماد على مصرف لبنان كأحد مصادر التمويل كما كان حاصلاً في السابق، مما مكّنها من إعادة نحو 3 مليارات دولار كديون لمصرف لبنان في الفترة الواقعة بين تشكيل الحكومة واندلاع الحرب.
5 - افشلت أحداث تموز الجهود التي كانت تسعى الحكومة عبرها إلى تحقيق مزيد من الاستقرار المالي والاقتصادي. كذلك أطاحت بالتوقعات التي كانت تشير إلى أن النمو الاقتصادي المرتقب كان سيبلغ أكثر من 5 في المئة، اضافة إلى أن الدمار الهائل والخسائر البشرية والمادية التي خلفتها الحرب ستؤدي إلى تراجع كبير في معدلات النمو الاقتصادي، وارتفاع مستوى الإنفاق العام.
6 - في المحصلة، يقدر حجم الخسارة المتوقعة في المالية العامة والناجمة عن العدوان الإسرائيلي على لبنان حتى نهاية سنة 2006، في حدود 2,419 ملياري ليرة (1,6 مليار دولار) وذلك مع عدم الأخذ في الاعتبار، عند احتساب النفقات، الكلفة الإجمالية لأضرار البنى التحتية، وما ستتحمله الخزينة من نفقات إعادة الأعمار. مع الإشارة إلى أن الأثر الحقيقي والكامل للعدوان الإسرائيلي على المالية العامة ستمتد آثاره فعلياً خلال السنوات المقبلة ولاسيما سنة 2007.
7 - في تفاصيل ما آلت إليه مؤشرات المالية العامة، ووفق بعض التوقعات الأولية، بلغ الانخفاض في حجم الإيرادات (منذ بدء الحرب وحتى نهاية آب) ما قيمته 470 مليار ليرة، أي ما يوازي 1,44 في المئة من الناتج المحلي وذلك في أقل من شهرين. ويُتوقع أن يصل حجم هذا الانخفاض إلى أكثر من 1,386 مليار خلال عام 2006، مقارنة عما كان متوقعاً قبل اندلاع الحرب. كذلك أدت الحرب إلى تراجع كبير في الإيرادات، ولاسيما على صعيد الرسوم المتعلقة بالمبادلات التجارية الدولية والضريبة على القيمة المضافة والهاتف وغيرها، الأمر الذي سيؤثر في إيرادات الخزينة المباشرة وغير المباشرة وفي الناتج المحلي ككل في السنوات المقبلة.
8 - أمّا على صعيد النفقات الأولية، فيُقدر أنها سترتفع بنحو 1218 مليار ليرة، مقارنة بالمستويات المسجلة عام 2005، أي ما يزيد على 3,6 في المئة من الناتج المحلي، كإنفاق إضافي. ولعل أبرز أسباب هذا الارتفاع الكبير في النفقات سيتمثل في المبالغ التي ستتحملها الحكومة كمساعدات للمتضررين من جراء هذه الحرب سواء عن أرواحهم أو عن ممتلكاتهم، كذلك وفي إعادة بناء البنى التحتية، وتمويل الإنفاق الإضافي على الصحة والذي تجلى بشكل خاص خلال فترة الحرب، إضافة إلى تمويل الإجراءات الأمنية التي يتطلبها تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701.
9 - إنّ التدهور في مؤشرات المالية العامة سيؤدي حكما إلى ظهور عجز أولي للمرة الأولى منذ 6 اعوام، وذلك في أعقاب اعوام من الجهود الحثيثة لاحتواء الوضع في المالية العامة. وقد بات من المتوقع أن ينقلب الفائض الأولي المسجل حتى منتصف سنة 2006، والبالغ 994 مليار ليرة إلى عجز أولي قد يصل إلى 1,173 مليار ليرة مع نهاية السنة الجارية، أي بتراجع للميزان الأولي يفوق الـ 2,400 مليار ليرة فيما المتوقع أن تسجل سنة 2006 فائضاً أولياً بـ 1,246 مليار ليرة. وفي موازاة ذلك، يتوقع أن تسجل سنة 2006 عجزاً إجماليا بقيمة 5,808 مليار ليرة، أي ضعف العجز الإجمالي المسجل عام 2005. إن هذا التنامي في العجز، الأولي والإجمالي، سينتج عنه مزيد من الحاجات الملحة للتمويل، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من التنامي في الدين العام، في بلد كان يعمل جاهداً على التخفيف من حدة الاختلالات المالية. وهو ما يتطلب جهداً استثنائياً من المواطن ومن الهيئات والدول العربية الشقيقة والدول الصديقة لمعالجة الآثار الكبيرة على الاقتصاد والمالية العامة.
10 - بلغت إيرادات الخزينة خلال النصف الأول من سنة 2006 نحو 4,063 مليارات ليرة (2700 مليون دولار)، أي بزيادة نسبتها 15 في المئة ومقدارها 531 مليار ليرة (350 مليون دولار)، مقارنة مع إيرادات النصف الأول من عام 2005. وقد بلغت حصة الإيرادات الضريبية من إجمالي الإيرادات نحو 390 مليار ليرة (260 مليون دولار)، نجم معظمها من عائدات الضريبة على الأرباح والضريبة على الأملاك المبنية والضريبة على القيمة المضافة، إضافة إلى رسوم الطوابع. أما القسم المتبقي، والبالغ 161 مليار ليرة (107 ملايين دولار)، فكانت أبرز مصادره من حاصلات إدارات ومؤسسات عامة /أملاك الدولة (الاتصالات في شكل خاص) إضافة إلى الرسوم والعائدات الإدارية والمبيعات.
11 - كان من شأن استمرار المنحى الذي ساد خلال النصف الأول من السنة أن يؤدي إلى تحقيق إيرادات بقيمة 8,100 مليارات ليرة. غير أن العدوان أسقط هذه التوقعات، وبات مرجحا أن تحقق الإيرادات ما يقارب 6,714 مليارات ليرة أي بانخفاض مقداره 1,386 مليار ليرة مقارنة مع التوقعات السابقة. مع التنبيه إلى أن التوقعات بنيت على فرضية أن الحصار الجوي والبحري سيرفع مع حلول أيلول، وأن النشاطات التجارية ستستأنف طبيعية خلال فترة قصيرة بعد فك الحصار.
12 - وفي المقارنة مع عام 2005، فان الإيرادات المتوقعة لسنة 2006 ستنخفض بما يفوق 9 في المئة (6,714 مليار ليرة في مقابل 7,405 مليارات)، مع التذكير بأن عام 2005 كان شهد أحداثاً أمنية وسياسية أدت إلى تراجع الحركة الاقتصادية، وقلص من مستوى جباية العائدات. ولولا احداث 2005 و2006، لكان من الممكن تحقيق نقلة نوعية على صعيد المالية العامة والناتج المحلي والاقتصاد الوطني ككل.
13 - يتوقع أن تحقق العائدات الضريبية في 2006 نحو 4,596 مليار ليرة (3,050 مليون دولار)، أي بانخفاض 6 في المئة مقارنة مع المستوى المسجل عام 2005. ولعّل أبرز الأسباب وراء هذا الانخفاض هو التراجع في النشاط الاقتصادي، كنتيجة مباشرة للحرب، وما رافقه من تباطؤ في معدلات الاستهلاك. ففي مقابل معدلات النمو المقدرة بنحو 5-6 في المئة ما قبل الحرب، يتوقع أن يشهد لبنان ركوداً اقتصادياً، ساهم في زيادة حدته الحصار البحري والجوي والذي استمر شهرين تقريباً.
14 - كنتيجة مباشرة للحرب وللحصار، يُتوقع أن تتراجع إيرادات الرسوم على التجارة والمبادلات الدولية بمعدل سنوي نسبته 35 في المئة في سنة 2006، مقارنة مع 2005. فرغم ارتفاع الاستيراد بنسبة 33 في المئة خلال النصف الأول من سنة 2006، مقارنة مع الفترة المقابلة من 2005، يتوقع أن يتدنى حجم الاستيراد الإجمالي لهذه السنة بنسبة 15 في المئة مقارنة مع 2005. وأدى وضع سقف محدد لسعر البنزين، في وقت تشهد أسعار النفط ارتفاعاً في الأسواق العالمية، إلى تقليص تدريجي لما تستوفيه الدولة من رسوم على المواد الملتهبة، مع الإشارة إلى أنه بدءاً من حزيران لم تستوفِ الخزينة أي إيرادات عائدة من هذا الرسم. كذلك ان إيرادات الرسوم على التجارة والمبادلات الدولية كانت تشكِل نحو 25 في المئة من إجمالي الإيرادات في الأعوام الماضية، أما السنة، فيتوقع ألا تزيد عن 12 في المئة.
15 - أما بالنسبة الى الايرادات من الرسوم الداخلية على السلع والخدمات فيتوقع أن تسجل انخفاضاً سنوياً نسبته 7 في المئة، سيطاول على نحو رئيسي إيرادات الضريبة على القيمة المضافة. ويأتي ذلك كنتيجة للحرب ولاستمرار الحصار البحري والجوي، وللتراجع المتوقع في الاستهلاك المحلي بسبب الأضرار التي لحقت بكل القطاعات، في موازاة ضرب الموسم السياحي والشلل الذي أصاب الحركة الاقتصادية. ويتوقع أن يشهد النصف الثاني من 2006 تراجعاً بنسبة 24 في المئة في عائدات الضريبة على القيمة المضافة، مقارنة مع النصف الأول من السنة. وبذلك يكون الانخفاض خلال 2006 في حدود الـ8 في المئة مقارنة مع عام 2005.
16 - ويتوقع أن تتراجع الإيرادات غير الضريبية بنسبة 20 في المئة سنوياً كنتيجة للانخفاض في حاصلات الإدارات والمؤسسات العامة وأملاك الدولة ولاسيما في إيرادات مرفأ بيروت بسبب تعطل الحركة فيه، إضافة إلى تدني الإيرادات من وفر موازنة المواصلات السلكية واللاسلكية بسبب الأضرار التي لحقت بالشبكة وحركة القطاع بشقيه الخليوي والثابت.
17 - ستظهر مفاعيل العدوان الإسرائيلي على نحو أكبر على الإيرادات المتوقعة لـ2007، ذلك أن بعض الإيرادات الضريبية، ولا سيَما إيرادات ضرائب الدخل وضرائب الأملاك المبنية والتي شكلت نحو 20 في المئة من إيرادات 2005، كان تمّ استيفاء معظمها في النصف الأول من السنة، مما جعل تأثر هذا النوع من الإيرادات محدودا نسبياً. غير أن التراجع في النشاط الاقتصادي خلال النصف الثاني من السنة، وما رافقه من تراجع في الأرباح ومن صرف محتمل لأعداد كبيرة من العاملين، ستظهر مفاعيله خلال سنة 2007، ولا سيما في النصف الأول منه.
18 - بلغت النفقات العامة حتى منتصف 2006 نحو 5،230 مليارات ليرة، مقارنة مع 4,867 مليارات خلال النصف الأول من 2005، أي بزيادة 7,5 في المئة، نجمت عن ارتفاع خدمة الدين بنسبة 38 في المئة خلال الفترة عينها، أي 602 مليار ليرة. أما الإنفاق من خارج خدمة الدين فانخفض بنحو 7 في المئة، أي بـ 239 مليار ليرة مقارنة مع الفترة عينها من عام 2005، كنتيجة لجهود الحكومة للجم النفقات وإدارة المدفوعات المالية والسيولة.
19 - أدى العدوان الإسرائيلي إلى تغيير المنحى المفترض أن تسلكه النفقات حتى نهاية السنة. ففيما كان متوقعا أن تبلغ النفقات من خارج الدين نحو 6,854 مليار ليرة مع نهاية 2006، فان توقعات ما بعد الحرب تشير إلى ارتفاعها إلى 7,887 مليارات ليرة بسبب استكمال مرحلة الإغاثة ثم الانتقال المباشر إلى مرحلة إعادة الأعمار، أضف إلى زيادة الإجراءات والتدابير الأمنية، وزيادة الإنفاق العسكري والأمني، التي يتطلبها تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 وما يترتب عليها ما سيؤدي إلى ارتفاع الإنفاق العام إلى 1,031 مليار ليرة أي 9 في المئة مقارنة مع كان متوقعاً قبل اندلاع الحرب. كذلك يتوقع أن يصل حجم النفقات السنوية - مع خدمة الدين- في نهاية 2006 إلى 12،522 مليار ليرة ، أي بارتفاع يقارب الـ2,319 مليار ليرة مقارنة مع عام 2005، وبنسبة 23 في المئة. علما أن هذه التوقعات تقريبية ولا تأخذ في الاعتبار كامل الإنفاق الاستثماري الإضافي الذي سيترتب جراء الحرب، بما في ذلك كلفة إعادة أعمار المنازل.
20 - يعود الارتفاع المرتقب في النفقات إلى 4 أسباب رئيسية: الإنفاق العسكري والأمني، وتكاليف الإغاثة، وحجم التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان، وتكاليف إعادة الأعمار.
21 - إنّ تنفيذ القرار 1701 يستلزم إجراءات أمنية إضافية مما سينعكس على بند الرواتب وبنود اخرى كالمواد الاستهلاكية اوالتجهيزات. وتقدر الكلفة الإضافية لهذه الإجراءات، حتى آخر السنة بنحو 105 مليارات ليرة (70 مليون دولار).
22 - يتوقع أن تصل التكاليف الإضافية الأولية التي دفعتها وستدفعها الخزينة كنتيجة لأعمال الإغاثة خلال الحرب وبعدها إلى نحو 70 مليار ليرة (45 مليون دولار)، علما أن ثمة إنفاقاً إضافياً سيترتب خلال المرحلة المقبلة.
23 - إنّ إطلاق مرحلة إعادة الإعمار ستؤدي على نحو كبير ورئيسي إلى رفع مستوى النفقات العامة، ولاسيما في المجالات التي تعد من الأولويات كالخدمات العامة وإعادة بناء الجسور والطرق الرئيسية، إضافة إلى ترميم المدارس والمراكز الصحية، والتي لن تتمكن الحكومة من تغطية كل تكاليفها من خلال الهبات . وكنتيجة لذلك يتوقع أن ترتفع النفقات الاستثمارية على عاتق الخزينة بما لا يقل عن 500 مليار ليرة (330 مليون دولار) عما كان متوقعاً لها خلال 2006. كذلك أن أعباء الخزينة ستكون مرشحة للارتفاع في حال تأخر وصول الهبات والتبرعات، أو في حال كانت قيمة هذه الهبات لا تكفي لتغطية النفقات المخصصة لها.
24 - أما في ما يتعلق بنفقات خدمة الدين، فالمعطيات المتوافرة حتى أخر تموز، يتوقع أن يصل حجم خدمة الدين العام لسنة 2006 إلى 4,635 مليارات ليرة منها 2,375 ملياران لخدمة الدين الداخلي، و 2,261 ملياران لخدمة الدين الخارجي. غير أن آثار هذه الحرب على خدمة الدين العام ستبدأ بالظهور في المديين المتوسط والبعيد بدءاً من 2007.
25 - ان مؤسسة كهرباء لبنان، والتي تمول على نحو كبير من الخزينة اللبنانية، تنتظرها استحقاقات كبيرة في الفترة المقبلة وحتى نهاية 2006. وأبرزها: تسديد الاستحقاقات المترتبة عن اتفاقات الفيول أويل والغاز أويل لمصلحة سوناتراك وشركة النفط الكويتية وقيمتها حتى نهاية 2006 نحو 744 مليار ليرة، وتسديد متأخرات للموردين بقيمة 210 مليار ليرة، واستحقاق ديون خارجية للإنشاء والتجهيز بقيمة 116 مليار ليرة.
26 - الأثر الأبرز للحرب على مؤسسة الكهرباء تجلى بعدم قدرتها على دفع مساهمتها في مستحقات الاتفاقات مع شركتي سوناتراك وشركة النفط الكويتية، مما سيرتب على الخزينة أعباء إضافية لتسديد الجزء الذي كان يفترض بالمؤسسة تسديده. وقامت وزارة المال فعلياً في تموز 2006 بتسديد 131 من أصل 133 مليون دولار استحقت هذا الشهر. وقدرت المؤسسة الخسائر الأولية بنحو 114 مليوناً.
- اتجاهات نمو الدين العام حتى نهاية 2006
27 - إن التوقعات الأولية، التي سبقت الحرب، قدرت ألا يتجاوز مستوى الدين عتبة الـ 60 ألف مليار ليرة (40 مليار دولار) مع نهاية 2006، دون الأخذ في الاعتبار ما كان يمكن لعملية الخصخصة أن توفره. وكان الدين بلغ في نهاية 2005 نحو 58 ألف مليار ليرة (38,5 مليون دولار).
28 - غير أنّ العدوان الإسرائيلي على لبنان سيؤدي، إلى زيادة أسرع في نمو الدين، وتنامي اخطار إعادة التمويل واحتمال ظهور أزمة ثقة لدى المستثمرين. ففي ما يتعلق بمستوى الدين، فان تفاقم العجز الإجمالي وظهور عجز أولي، سيؤدي إلى تسريع وتيرة نمو الدين ليصل إلى 62 ألف مليار ليرة (41 مليار دولار) مع نهاية 2006.
- سبق للوزارة ان نجحت في عمليات إصدار سندات الاوروبوند جديدة بقيمة 750 مليون دولار و175 مليون اورو، وباستبدال سندات اوروبوند بقيمة 1,7 مليار دولار، أي ما يوازي 71 في المئة من مجموع سندات الاوروبوند المستحقة خلال 2006. وتمت الإصدارات بمعدلات فائدة متدنية ولآجال طويلة، رغم ارتفاع معدلات الفوائد في الأسواق المالية الدولية خلال تلك الفترة. وكانت الوزارة تعتزم إصدار سندات اوروبوند جديدة في الأسواق المالية في نهاية تموز، غير أن اندلاع الحرب أدى إلى وقف هذه الإصدارات. واستعيض عنها بإصدارين، الأول بقيمة 450 مليون دولار والثاني بقيمة 206 ملايين دولار، مباشرة مع مصرف لبنان.
30 - وتسبب العدوان أيضاً، بانخفاض أسعار الاوروبوند في الأسواق الثانوية، أي انه ادى إلى ارتفاع المردود المتوقع عن تلك الأدوات نتيجة ارتفاع مستوى المخاطر. وعبرت عن هذه الاخطار الوكالتان الدوليتان للتصنيف، "فيتش" و"ستندرد اند بور"، عبر تصنيف لبنان في حالة "مراقبة الدين" بعد نشوب الحرب.
31 - إن التداعيات السلبية للحرب على المالية العامة ستتجلى في تدهور وضع الميزان الأولي – مع توقع ظهور عجز أولي - ما سيؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في عجز الموازنة العامة، الذي سينتج عنه تالياً نمو أكبر في كتلة الدين العام. إن هذا الواقع سيترتب فوائد إضافية يتوقع أن يبدأ أثرها المالي بالظهور خلال النصف الأول من 2007 على أبعد تقدير.
- خلاصة عامة: تحديات المرحلة
إنّ التحديات التي يواجهها لبنان على مستوى المالية العامة كبيرة جداً، لا بل تكاد تكون الأكبر في ظل الخسائر الكبيرة، التي تكبدتها الحكومة والاقتصاد الوطني على السواء، والمرشحة للازدياد مع الإطلاق الفعلي لورشة إعادة الأعمار. لقد كان لبنان، عشية الحرب، يسعى إلى تنظيم مؤتمر دولي للمانحين لمعالجة أزمته الاقتصادية الرئيسية وكان يعتمد، قبل أي مساعدة خارجية، على المجهود الداخلي للحكومة لإجراء إصلاحات بنيوية على مستوى المالية العامة والاقتصاد والشؤون الاجتماعية، ولتحقيق فوائض أولية تساهم في لجم نمو الدين العام، وإعادة التوازن إلى المالية العامة. وقد أعد لبنان لهذه الغاية برنامجاً اقتصادياً إصلاحياً متوسط الأجل طالب به اللبنانيون، كانت أبرز أهدافه زيادة معدل النمو الحقيقي حتى مستويات بين 4 و5 بالمئة، وايجاد فرص عمل وتحسين المؤشرات الاجتماعية، وتقليص الفوارق بين المناطق ومختلف الفئات الاجتماعية.
كذلك استهدف هذا البرنامج وضع الدين العام على مسار تراجعي يجعله قابلاً للاحتمال بعد ما بلغ هذا الدين في نهاية 2005 نحو 175 في المئة من الناتج المحلي.
وكانت أبرز توجهات الحكومة تتركز على احتواء النفقات وتعزيز الإيرادات والقيام بإصلاحات هيكلية، لاسيما حيال المضي قدماً بإجراءات الخصخصة وتمكين الإدارة وتعزيز الشفافية. وقد كانت هذه الطموحات، منذ شهرين فقط، معقولة وقابلة للتحقيق، في ظل الاستقرار النسبي الذي تم تحقيقه بعد أحداث عام 2005، والذي تجلى بتحقيق نمو اقتصادي كان ليتجاوز الـ 5-6 في المئة في عام 2006، وبإعادة المنحى التصاعدي للفائض الأولي، إضافة إلى إعادة الثقة بلبنان على جميع الصعد.
أما اليوم، فحجم التحديات أصبح أكبر بكثير. وأبرز مؤشر هو ارتفاع معدل الدين إلى الناتج المحلي إلى حدود 190 في المئة مع نهاية 2006، في ظل الإنفاق الإضافي المباشر الذي سببته الحرب ناهيك عن سعي الحكومة إلى عدم تحميل الشعب اللبناني ما لا طاقة له به.
إنّ المطلوب في المرحلة المقبلة هو تضافر الجهود بين الأطراف كافة، من شعب وحكومة وهيئات المجتمع المدني والاقتصادي، بغية إعادة التوازن إلى الاقتصاد والمالية العامة، مع الأخذ في الاعتبار متطلبات فترة ما بعد الحرب، والتزام الحكومة بمسؤولياتها الكاملة تجاه مواطنيها وكذلك تجاه مستقبل الأجيال القادمة. إنّ الحاجة إلى الإصلاح لا تزال ماسة، وهي تبدو الآن أكثر إلحاحاً من ذي قبل، وهو ما ستسعى الحكومة إلى تحقيقه في الفترة المقبلة.
المصدر: النهار
إضافة تعليق جديد