التدخل الأميركي في العراق: أزمة كبيرة تنذر بعودة الفوضى
تتفاقم الأزمة في بلاد الرافدين بسبب خلافات «القوى الشيعية» وفق ما يوضح مصدر عراقي مطلع ، مؤكداً أن إيران لم تنجح - إلى الآن - في جمع القوى البارزة على موقف موحّد، وأن الوسطاء يشكون «تعاظم المصالح الخاصة» لدى زعماء «البيت الشيعي».
ويقدّر المصدر أن الأزمة قد تمتدّ لأسبوع آخر في الحدّ الأدنى إذا لم يحصل «تدخل قوي من جانب المرجعية، وهو أمر مستبعد»، لافتاً إلى أن «الجميع يخشون عودة الشارع إلى فوضى أكبر من السابق».
هذا التأزّم، الذي لا تخفي بعض الأطراف - كما هو حال تحالف «البناء» - إمكانية اضطرارها إلى دخول «مواجهة كبرى» من أجل إنهائه، يبدو أن واشنطن تجد فيه فرصة مناسبة لإعادة تفعيل تدخلها، على رغم أن سلوكها الظاهر يوحي بأنها تفضّل المهادنة. إذ إن الولايات المتحدة، التي استثمرت في أحزاب وقوى وشخصيات وأجهزة أمنية ومنظمات مجتمع مدني، من أجل توجيه الشارع والحراك المطلبي الذي يشهده إلى حيث تريد، تحاول استغلال الموقف الحرج الذي يعيشه حلفاء إيران من أجل تصفية حساباتها مع الأخيرة، والدفع في اتجاه تقليص نفوذها على الساحة العراقية. وهي محاولات تعتمد واشنطن، في خلالها، على حلفاء لها كالرئيس برهم صالح الذي لا يفتأ يسهم في تعقيد المشهد لحسابات سياسية، وأيضاً على العداءات في ما بين القوى العراقية والتي لا تمنعها على ما يبدو من المضيّ إلى آخر الطريق في «الكباش البيني» ولو على حساب مصلحة البلاد، وليس أخيراً تقاطع مصالح من نوع ما مع «المرجعية» التي كانت وضعت شروطاً صعبة للحلّ بدعوتها إلى حكومة «غير جدلية».
لا يبدو أن الأزمة السياسية المفتوحة التي دخلها العراق منذ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي ستسلك طريقها إلى الحلّ قريباً، وخصوصاً بعدما دخلت عليها أبعاد دستورية، لا يُستبعد أن تطاول ــــ لاحقاً ــــ شكل النظام، في ظلّ إقرار البرلمان قانوناً جديداً للانتخابات التشريعية، يقوّض سلطة الأحزاب. وتسارعت، في خلال الساعات الماضية، وتيرة الاشتباك السياسي، مع إقدام رئيس الجمهورية، برهم صالح، على خطوة غير متوقّعة بوجه «تحالف البناء» (ائتلاف «الفتح» بزعامة هادي العامري، و«دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، وآخرين)، بإعلانه استعداده لوضع كتاب استقالته من منصبه أمام البرلمان، بما يضمن «الحفاظ على استقلال العراق وسيادته، ووحدته وسلامة أراضيه» كما قال. وجاءت خطوته هذه، والمدعومة من زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر وزعيم «تيار الحكمة» عمار الحكيم وزعيم «تحالف النصر» حيدر العبادي، بعد اعتذاره عن عدم تكليف مرشح «البناء»، محافظ البصرة أسعد العيداني، بتأليف الحكومة. وأشار صالح، في كتاب رسمي وجّهه إلى البرلمان، إلى المادة 76 من الدستور، والتي تلزم الرئيس بتكليف «مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً تشكيل الحكومة، من دون أن يكون له اعتراض»، مقرّاً بأن «موقفه المتحفظ على الترشيح الحالي إخلال بالنص الدستوري».
هذا التحدّي حمل «البناء» على إعادة إشهار ورقة عزل صالح إذ دعا التحالف البرلمان إلى «اتخاذ الإجراءات القانونية بحق رئيس الجمهورية لحنثه باليمين وخرقه للدستور»، بعدما «رفض تكليف رئيس الوزراء وفق السياقات الدستورية... ولجأ إلى سياسة قتل الوقت وتوجيه الرسائل إلى هذه الجهة وتلك، ولم يلتزم بالمهل الدستورية، كما لم يُكلّف مرشح الكتلة الأكبر بحجّة رفض المرشح من بعض الأطراف». وفيما عمدت طهران إلى التواصل مع كلّ من أربيل والسليمانية للوقوف على رأيهما في ما قام به رئيس الجمهورية، علمنا أن ضغوطاً أميركية مورست على صالح لدفعه إلى اتخاذ خطوته الأخيرة. وفي هذا الاتجاه أيضاً، اتهمت «كتائب حزب الله ــــ العراق»، في بيان، صالح، بـ«تنفيذ إرادة أميركية تُخطط لجرّ البلاد نحو الفوضى، وإبقاء الأزمة السياسية بلا مخرج، لفرض احتلال أميركي جديد بغطاء أممي».
وإذا لم يتمّ تطويق تلويح صالح بالاستقالة، فهو سيقود إلى أزمة دستورية؛ إذ تنصّ المادة 75 على أنه «لرئيس الجمهورية تقديم استقالته تحريرياً إلى رئيس مجلس النواب، وتُعدّ نافذةً بعد مضيّ سبعة أيام من تاريخ إيداعها لدى المجلس». كما ينصّ الدستور على أن يحلّ نائب الرئيس مكان الأخير، في انتظار انتخاب رئيس جديد خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً من تاريخ الخلوّ. وفي ظلّ شغور هذا المنصب، يحلّ رئيس البرلمان محلّ رئيس الجمهورية، على أن يتم انتخاب رئيس جديد خلال مدة لا تتجاوز أيضاً 30 يوماً. لكن وفي ضوء الوضع الحالي، من يضمن انتخاب رئيس جديد؟ ومن يضمن أيضاً بقاء رئيس البرلمان محمد الحلبوسي في موقعه أصلاً؟ عملياً، قد يكون العراق قاب قوسين أو أدنى من فراغٍ دستوري يضرب رئاساته الثلاث.
أما على خطّ التكليف الحكومي، وعلى رغم إعلان المرشح العيداني، في تصريح، أن «غالبية نواب سائرون والصدر لم يمانعوا تسنّمي رئاسة الوزراء، إلا أنه، ووزير التعليم العالي السابق قصي السهيل (ابن البصرة أيضاً)، باتا عملياً «ورقتين محروقتين». وكان ترشيح العيداني قد أثار خلافات داخل تحالف «البناء»؛ إذ تفيد معلومات بأن الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، دخل في مشادة مع العامري والمالكي وبقية قيادات «الفتح» نتيجة «الخيارات الخاطئة» في التعامل مع ملف رئيس الوزراء، واصفاً ترشيح العيداني بـ«الكارثي، لأنه شغل منصباً في حكومات فاشلة». لكن، على ما يبدو، ثمة توجّه لرفض أيّ اسم يخرج من التحالف المذكور لاعتبارات سياسية بالدرجة الأولى. وفي هذا السياق، تلفت مصادر مطلعة إلى أن «تهمة الفساد لا يُستثنى منها أحد... فتحميل الفتح المسؤولية الكاملة عمّا آلت إليه الأوضاع موقف مشبوه، ويخدم مخطّطاً خارجياً واضحاً»، مشيرةً في حديثها إلى «الأخبار» إلى أن «انقلاب الصدر على التفاهمات مع الفتح جعل الأخير في فوّهة المدفع». مع ذلك، ترى المصادر أن على «الفتح» «السعي إلى إيجاد وجوه تُرضي الشارع الغاضب، والمرجعية الدينية العليا (آية الله علي السيستاني)»، وخصوصاً أن الحراك الشعبي في عدد من المدن الرئيسية جنوب البلاد كالبصرة والناصرية والديوانية سارع، بعد ساعات على طرح اسم العيداني، إلى رفضه.
وفيما أعلنت «المرجعية» أن «خطبة الجمعة اليوم لن تتطرّق إلى الوضع السياسي»، عُلم أن الصدر سيدعم ترشيح رئيس «جهاز الاستخبارات الوطني» مصطفى الكاظمي، أو رئيس «هيئة النزاهة» السابق رحيم العكيلي (على رغم صدور مذكرة اعتقال بحقه لتورطه في قضايا فساد)، أو النائب فائق الشيخ علي الذي يفتقر إلى أيّ جهة داعمة. إزاء ذلك، يبدو أن حظوظ الكاظمي ترتفع مجدّداً، على رغم معارضة شريحة واسعة من «البناء» لهذا الخيار.
الأخبار
إضافة تعليق جديد