الاسكوا تتعاون مع دول المنظمة لوضع سياسة اجتماعية متكاملة
قد يلاحظ أن معظم الانتقادات التي توجه إلى بلدان المنطقة العربية وشعوبها تقع غالبيتها في إطار الجوانب الاجتماعية. والسؤال يطرح نفسه: لماذا؟ وما هي أسباب ذلك؟ هل لأن دول المنطقة تعطي اهتماماً أكبر للجوانب الاقتصادية على حساب الجوانب الاجتماعية خصوصاً أنها ركزت جهودها على بناء الحجر أكثر منه على بناء الإنسان؟
على رغم أن تاريخ الحضارة الإسلامية هو الشاهد الأكبر على الاهتمام بالإنسان والثقافة والفنون، وأن الإسلام وضع أسس السياسة الاجتماعية والعدالة الاجتماعية. ورغم ان المفكرين العرب، وعلى رأسهم ابن خلدون، هم أول من نادى بالعقد الاجتماعي، وأن معظم البلدان العربية عمل على تقديم الخدمات الاجتماعية كتأمين التعليم والخدمات الصحية وتوفير المسكن - وكلها تعتبر ضمن واجبات الدولة في كل الأحوال- ما زالت غالبية هذه البلدان تعاني من عدم احترام قيمة الفرد كإنسان، إذ انها لم توفر العدالة الاجتماعية وأسس التسامح ومبادئ حقوق الإنسان بسبب عدم تحديد الحقوق والواجبات لكل طرف في غياب عقد اجتماعي يوضح العلاقة بين الدولة والمواطن. كما تعاني بلدان المنطقة من ضعف التنسيق بين الهيئات والوزارات المعنية بالقضايا الاجتماعية وضعف التعاون بين القطاعين الرسمي والأهلي وشرائح المجتمع المدني. كل هذا أدى إلى مشاكل اجتماعية خطيرة كالبطالة والهجرة وعدم التسامح والتطرف وهي مشاكل سيطرت في غالب الأحيان على الفئات المهمشة لغير الصالح العام. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن معظم بلدان المنطقة لا يميز بين الخدمات الاجتماعية والسياسة الاجتماعية المتكاملة.
إن وجود سياسة اجتماعية مدعومة بتشريعات قانونية واضحة تحمي الدولة من مخاطر جمة أهمها غياب الأمن والسلم الأهلي. لذلك تسعى لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (اسكوا) جاهدة إلى مساعدة بلدان المنطقة على وضع سياسة اجتماعية متكاملة، ركيزتها العدالة الاجتماعية والتسامح الديني والمساواة بين الأفراد، وتقبل الآخر والحوار بدل العنف.
ومن أجل دعم مشروع السياسة الاجتماعية المتكاملة الذي أطلقته «اسكوا» في العام 2001، وبنائه على أسس ملموسة، وضعت دراسات معمقة لأسباب نجاح خمسة بلدان وتجاربها هي: كوريا الجنوبية وماليزيا وتونس والنروج وكندا. كما قامت «اسكوا» أيضاً بدراسة مقارنة لكل دولة عربية مع البلدان الخمسة كي يتسنى للمشاركين من سياسيين ومفكرين، في المؤتمرات الوطنية المعنية التي تنظمها، التركيز على النموذج الذي يتناسب مع خصوصية بلدانهم. وقد توصلت «اسكوا»، من خلال الدراسات التي قامت بها، إلى تحديد مبادئ أساسية يجب اعتمادها من أجل وضع سياسة اجتماعية متكاملة هي:
وجود رؤيا والتزام سياسي - اعتبار التنمية الاجتماعية ركناً أساسياً في تحديد السياسة العامة للدولة - تحديد المبادئ والقيم الأساسية التي تبنى عليها السياسة الاجتماعية - تأمين التشريعات اللازمة - وضع سياسة اجتماعية تسد الثغرات الناتجة عن سياسات السوق والعولمة - تأمين المصادر المالية واستمرارها وتحديد الأولويات - توفير الكوادر البشرية المدربة التي تؤمّن كفاءة الإدارة العامة - التنسيق والتعاون بين الوزارات والهيئات المعنية - إشراف مجلس الوزراء على السياسة الاجتماعية وتنفيذها.
إن أهمية وضع سياسة اجتماعية متكاملة وتنفيذها على صعيد الدولة، تكمن في أنها تبني السلام الوطني بكل أبعاده السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية وتساعد على مواجهة أخطار تغلغل التطرف في ثنايا المجتمع وتقويض الدولة لصالح وأهداف فئات معينة. كما تساعد على مواجهة التحديات الخارجية الناتجة عن الآثار التي تحدثها العولمة. فالسياسة الاجتماعية تبقى أيضاً الأداة الأقوى في تثبيت السياسة الاقتصادية الصالحة للدولة وإنجاحها. وهذا ما لم ندركه بعد في المنطقة العربية.
إن البلدان العربية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالعودة إلى القواعد الاجتماعية التي وضعها تاريخها الزاهر المستلهم من الشرائع السماوية والمبنية على حقوق الإنسان والعدالة والتسامح وتقبل الآخر والحوار. وهذا يحتم مراجعة وافية للقوانين والتشريعات من أجل وضع سياسة اجتماعية تحمل في بعدها الاستراتيجي مبدأ حماية أمن الوطن العربي عن طريق إزالة الأسباب التي أدت إلى التراجع الخطير الذي تعاني منه شعوب المنطقة.
وفي هذا الإطار، تعقد «اسكوا» ووزارة التضامن الاجتماعي المصرية «المؤتمر الوطني للسياسة الاجتماعية المتكاملة» في جمهورية مصر العربية وذلك في 7 و8 شباط (فبراير) 2007. ويأتي هذا المؤتمر بعد «المؤتمر الوطني للسياسة الاجتماعية في مملكة البحرين» الذي عقد في شهر نيسان (ابريل) من العام الماضي وضمن سلسلة من المؤتمرات التي تعتبر أساساً لمشروع «اسكوا» الهادف إلى مساعدة البلدان العربية في وضع سياسة اجتماعية متكاملة. وسوف يوفر مؤتمر القاهرة فرصة للمشاركين فيه لبلورة تصور عام حول السياسة الاجتماعية المتكاملة التي تتوافق مع الواقع المصري وتنسجم مع إمكانيات وتطلعات المجتمع المصري بحيث يمكن تحديد الأولويات والتوجهات العامة لترسيم ادوار محددة لمختلف الشركاء والفرقاء في الشأن العام بما فيه المجتمع المدني ووكالات الأمم المتحدة المعنية بالتنمية. ويعول المؤتمر أهمية كبرى على الدعم الذي يجب أن توليه المؤسسات الإعلامية لقضية التنمية الاجتماعية إذ انه من الضروري إشراك الإعلام ليس في إبراز السياسات الاجتماعية فحسب بل في صياغة هذه السياسات وتطبيقها وفقاً لاستراتيجيات إعلامية محددة.
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد