08-12-2017
الأعشاب الطبية.. خلطات ووصفات علاجية ومنافسة تجارية في سوق العطارين
كان ملفتاً فعلاً ذلك العرض الذي قدّمته لنا قبل فترة مندوبة إحدى الشركات المرخصة التي تجمع الزهورات، وغيرها من الأعشاب البرية والتوابل، وتعبّئها في ظروف وعبوات أنيقة، فتنتهي إلينا كخلطات متنوعة ومختلفة بتسميات عديدة، منها ما هو مفيد ونافع طبياً، كما تصفه تلك الشركات، لتصل إلى الزبون الباحث عن الفائدة والمتعة من نكهة تلك الأعشاب، أما العرض فكان باختصار إخراج محتوى ظرف “الزهورات” لإحدى الشركات المنافسة، واستخلاص بعض الذرات التي تم مزجها مع محتوى الأعشاب الموجودة داخله، ثم إخبارناً أن هذه الذرات ما هي إلّا منكهات إضافية لمنح المحتوى رائحة نفاذة، ونكهة تستخدمها الشركة المنافسة، في حين أن المنتجات التي يقدمونها طبيعية مئة في المئة، وهو أمر لم نرجح صحته أيضاً، بل استغربنا تلك الطريقة في المنافسة، ومع التساؤل عن حقيقة تلك المنكهات التي يتم مزجها في ظروف الأعشاب، وشركات العطارة، تبقى النتيجة الثابتة التنامي المتزايد لاستخدام الزهورات والأعشاب البرية، سواء الخلطات المعبأة آلياً منها، أو تلك التي تتواجد في دكاكين العطارين.
بدائل مفيدة
وتتعدد التجارب لمن اختبر هذه الوصفات، وعمل على تركيبها، مثل علاء الذي استبدل منذ شهور تقريباً مشروب المتة الذي اعتاد عليه يومياً بمجموعة أعشاب وزهورات مختلفة، ابتاعها من أحد العطارين، ويشربها بنفس طريقة شرب المتة، ويقول: إنه اليوم اعتاد هذا المشروب المفيد، وبدأ بتقديمه لأصدقائه كبديل عن المتة، ويضيف: هذه الأعشاب مفيدة ولها فوائد كثيرة، وأعتقد أن الاعتياد عليها لن يضر، بل سيمنح الجسم مناعة إضافية، خاصة مع بداية فصل الشتاء، أما السيدة هناء، فتعتقد أن هذه الأعشاب، إن لم تنفع فلن تضر بعكس الأدوية الكيميائية التي لا تعرف ما فيها، ولا ما ينتج عنها من تأثيرات جانبية يمكن أن تسببها على المدى البعيد، وتبتاع هذه الزبونة بشكل مستمر ولأكثر من عشر سنوات العديد من الخلطات العشبية المختلفة، منها للكولسترول والشحوم، ومنها للنحافة والرشاقة، ومنها لمنع التعرق، وتبتعد قدر ما استطاعت عن الأدوية الكيميائية إلّا عند الضرورة، في حين يؤكد عامر، أحد الزبائن الذين قابلناهم بعد أن ابتاعوا حاجتهم من أحد محلات العطارة، ويقول: كسرت ذراعي اليمنى من مدة ليست ببعيدة، وأعاني الآن من مشاكل في حركة المفصل، والنصيحة كانت على لسان عطار باستخدام زيت الخروع، ودلك المنطقة المصابة، وفعلاً استجبت للنصيحة تلك، وأشعر الآن بتحسن.
أضرار ومنافع
“الأعشاب أو الوصفات المحضرة والموجودة لدى العطارين، ليس كما يتراءى للبعض الذي يقول: إن لم تأت بالمنفعة، فلن تضر مستخدمها، فكأي عقار طبي يؤدي استخدامه عن جهل، وسوء تقدير إلى عواقب لا تحمد عقباها”، هذا ما قاله الحاج خليل صاحب محل آخر، صادفنا في سوق البزورية، حيث تكثر الخلطات، وتتعدد الأعشاب الطبية والبرية، وأوضح الرجل: مثلاً “السلمكي”: من الأعشاب المستخدمة على نحو شائع من قبل الزبائن بوصفه مليناً ومطرياً للمعدة، يؤدي استخدامه المفرط إلى ضرب الغشاء المخاطي لجدارها.
ويكمل: الأعشاب والتوابل.. والزيوت المتوفرة لدينا تتنوع استخداماتها وفوائدها وخصائصها الطبية، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر الزعتر البري، والمعروف كمقشع فعال، ومطهر للقصبات الهوائية، وزهر الزعرور الذي يوصف للقلب، وتنشيط الدورة الدموية، وأما بذور الكتان، فتبيّن لدى تحليل المركبات الكيميائية فيها أنها تحمل عناصر مشابهة إلى حد ما لمركبات غدة البروستات، الأمر الذي جعلها مستخدمة لعلاج أمراض التهاب وتضخم البروستات، أما خل التفاح، فيستخدم لعلاج الشحوم وتذويبها عند شرب ما يعادل ملعقة كبيرة منه في كأس ماء صباحاً، أو بعد الطعام بشكل يومي، أضف إلى استخدامه كعلاج لفروة الرأس، أما الروماتيزم وأمراض المفاصل والركب، فعلاجها الطبيعي موجود أيضاً، وتُداوى إما داخلياً عن طريق ما يسمى “بالعشبة المغربية” بشرب المغلي من مائها الذي يستخدم أيضاً كمهدئ للأعصاب، أو خارجياً عن طريق زيوت مختلفة متوفرة لدينا، ودلك الأماكن المصابة بواسطتها، ولحب الشباب وبقع الوجه، أو الحبوب والالتهابات الجلدية الحل موجود أيضاً، إذ تستخدم بذورالقطن عن طريق خلط أو طحن ما يعادل الملعقة منها (10 جرامات) مع الماء، وتركها مدة 5 دقائق، ثم وضعها على الوجه وغسله.
مفيدة اقتصادياً
وبالحديث عن أصناف النباتات الطبية وأنواعها المختلفة المنتشرة في سورية، تتحدث د. غيداء الأمير، رئيس قسم النباتات الطبية والعطرية والتزيينية في وزارة الزراعة، فتذكر أنواعاً وأصنافاً مختلفة منها ذات أهمية اقتصادية، وتقول: “تضم النباتات الطبية الموجودة في سورية نباتات تستعمل أوراقها طبياً وعطرياً مثل: الريحان، والنعناع، ونباتات تستعمل أزهارها مثل: البابونج، والنرجس، وأخرى تستعمل بذورها وثمارها مثل: اليانسون، والكمون، وفول الصويا، ونباتات تستعمل جذورها مثل: العرقسوس، وتكمل: تتبوأ المحاصيل الطبية مركزاً متميزاً في سلم أولويات المحاصيل التي يرغب المزارع بزراعتها لما تمتاز به من طلب عليها داخلياً وخارجياً، وارتفاع أسعارها، وإمكانية تصديرها بالقطع الأجنبي نظراً لفوائدها الطبية، كونها تشكّل العمود الفقري للكثير من الصناعات الدوائية”، وتضيف: “تعود أسباب التوسع بزراعة محاصيل النباتات الطبية، وخاصة الكمون، واليانسون، وحبة البركة، والشمرة، والكزبرة، إلى فترة نموها القصيرة التي تعتمد على مياه الأمطار، ولا تحتاج إلى جهد كبير من الفلاح، إضافة إلى استغلال الفلاحين للمساحات البور التي لم تتم زراعتها في المواسم السابقة، وكذلك العائد الاقتصادي الجيد لهذه المحاصيل لتميزها عن مثيلاتها من المنتجات في دول الجوار، وخاصة تلك التي تحوي مواد زيتية، إذ يتم استجرار هذه المادة من قبل الشركات الطبية للقطاع الخاص، كما يتم تصدير قسم من الإنتاج للخارج”.
خلطات مغشوشة
وكأية مهنة أخرى، هناك من يخرق القوانين والقواعد، ويدخل للمصلحة من باب المتاجرة، وجني الفوائد والأرباح، وهو ما يتحدث عنه عاصم فيقول: “لجهلي وقلة خبرتي ومعرفتي وقعت ضحية من ضحايا أحد العطارين الدجالين، (ودون تردد في ذكر الاسم)، يدعى أبا بسام في محلة الميدان، وتحديداً نهر عيشة، وكان هذا العطار يبيع كبسولات من الدواء ادعى أنها قادرة على معالجة عدد كبير من العلل والأمراض، وللحقيقة أقول: كنت قد ابتعتها منه لمعالجة ضعف جنسي أصابني، وجاءت النتيجة عند الاستخدام على عكس المتوقع بأن ارتفع ضغطي، وساءت حالتي، وسارعت بالدواء إليه شاكياً له بطلان مفعوله المزعوم، وطالباً منه إعادة ثمنه، أو تحليل الدواء في وزارة الصحة، ولدى سماع الرجل التهديد والوعيد أعاد النقود، وما أن وصلتني نقودي حتى تركت الرجل لشأنه دون أن أتسبب له بالضرر”!.
مرخصة صحياً
يقول الدكتور عدنان سعد، اختصاصي داخلية وصحة عامة، معلّقاً على سؤالنا عن المنكهات التي تضاف إلى الأعشاب الطبية المعبأة بالقول: “لا أرى مشكلة في هذا الأمر طالما أن هذه المنتجات مرخصة ومراقبة صحياً من قبل وزارة الصحة، ولكن ينبغي لتلك الشركات الإعلان صراحة عن وجود هذه المنكهات في منتجاتهم، فهي ليست طبيعية مئة في المئة”، وعن رأيه في الطب البديل يعلّق د. سعد بالقول: “طب الأعشاب من العلوم القديمة والمعروفة، والتي سمعنا عنها من آبائنا وأجدادنا قبل الانتساب لكلية الطب، ويجب التركيز على مقرراته، وتخصيص مواد إضافية عنه لطلاب الطب، رغم أن الاهتمام الأكثر بهذا العلم والمستخلصات النباتية وفوائدها موجود في كليات متخصصة كالصيدلة، والكيمياء”، ويتحدث الحسن عن تجربته مع أدوية تعتمد النباتات والمركبات الطبيعية كعلاج فيقول: “أبحث في الفترة الراهنة عن معلومات لداء يعرف بالعربية بمرض (كثرة الحركة وقلة التركيز)، والعلاج الرئيسي والشائع للمرض دواء “الريتالين” المعروف بتأثيراته الجانبية على المدى الطويل لمستخدميه، وأثناء عملية البحث عثرت على دواء نباتي محضر من الأعشاب بشكل كامل، (أمريكي الصنع)، لم أتمكن من اختباره على مرضاي بنفسي، لكن العينات التي جربت الدواء أكدت نجاحه، وقلة تأثيراته الجانبية، إذاً بالعموم يمكن القول: إن المركبات الطبيعية فيها من الفوائد ما تضاهي به الأدوية الأخرى وتتفوق عليها، ولكن شرط نجاحها الأساسي أن يتم تركيبها وفقاً لقواعد ومعايير علمية تتضمن البحث والتجريب، وتتطلب الخبرة والدراسة والمعرفة، وأي مختص في هذا المجال إن كان ملتزماً القواعد فلا مشكلة، وأعتقد أن الطب أيضاً لن يمانع”.
“مورث” قديم
ويمكن القول أخيراً: إن الحكاية مع الأعشاب البرية ترتبط مع “مورث” قديم وأصيل للسوريين، ولاتزال اليوم مطلباً شعبياً وسوقاً يتجه إليه السوريون بحثاً عن خلطات ووصفات مختلفة ومتنوعة بعيداً عن عالم الأدوية والعقاقير الكيميائية التي تضاعفت أسعارها في الأزمة، ورسمت حول فاعلية بعضها أسئلة استفهام كثيرة.
المصدر: محمد محمود- البعث
إضافة تعليق جديد