الأطر الشرعية والقانونية لطفل الأنبوب
عرف مصطلح طفل الأنبوب سنة 1978 عندما ولدت أول طفلة أنابيب في العالم وكانت تدعى لويس براون ليعلن العالم بعدها ولادة أهم ابتكار يمكن من خلاله القضاء على بعض حالات العقم التي هددت حياة عائلات عديدة لسنوات طويلة.
منذ ذلك الوقت لم تخمد التساؤلات والفتاوى والاجتهادات حول هذا الموضوع، وتواصلت الجهود الحثيثة لوضع عمليات طفل الأنبوب في أطر شرعية وقانونية. ولإلقاء الضوء على الضوابط القانونية والشرعية فيما يخص طفل الأنبوب أقيم في المركز الثقافي في كفر سوسة محاضرة بعنوان (أطفال الأنابيب ودور الضوابط الشرعية والقانونية) بمشاركة الدكتور مجيد العوام، والدكتور محمد حسان عوض، والدكتور محمد سامر قطان.
أشار الدكتور مجيد العوام اختصاصي الأمراض النسائية ومعالجة العقم في بداية المحاضرة إلى الاستطبابات التي تستدعي القيام بعملية طفل الأنبوب وهي: انسداد البوقين عند المرأة، نقص عدد النطاف وحركتها عند الرجل، زيادة التشوه في النطف، انعدام النطف ما يؤدي إلى سحبها من الخصيتين، إضافة إلى حالات العقم المجهولة السبب عند الزوجين.
وذكر الدكتور مجيد الآثار الجانبية لطفل الأنبوب وهي: تحريض الإباضة ما يؤدي إلى فرط النشاط بالمبيض، التخدير العام، سحب البويضات، الحمول المتعددة ومخاطرها، الحمل خارج الرحم.
يقول الدكتور مجيد العوام: إن أول عملية طفل أنبوب في بريطانيا كانت سنة 1978، وفي عام 1983 تمت إعادة تلقيح أجنة مجمدة، وعام 1992 تمت عملية حقن مجهري.
في البداية كان العالم متخوفاً من نتائج عملية طفل الأنبوب فالتقنيات سبقت الأطر القانونية والشرعية.
في سورية صدر عن وزارة الصحة منذ عدة شهور قرار تنظيمي جديد بشأن ترخيص مراكز طفل الأنبوب.
كما أكد الدكتور العوام ضرورة وضع ضوابط شرعية وقانونية لطفل الأنبوب ليتم التعرف على كيفية التعامل مع الحالات التالية قانونياً وشرعياً:
ضبط شراء النطاف، الرحم المستعار، تقديم المعالجة لغير المتزوجين، تقديم المعالجة لذوي الشذوذ الجنسي، مصير الأجنة المجمدة بعد وفاة الزوج، الاستنساخ، تقنية الخلايا الجذعية، معالجة بعض الحالات المثيرة للجدل، تحديد جنس الجنين، التلاعب بمورثات الأجنة، معالجة أشخاص معاقين، مرض السرطان.
وفيما يخص الشق والأطر القانونية أكد الدكتور الأستاذ المحامي محمد سامر قطان زيادة الإقبال على عيادات ومراكز طفل الأنبوب لأسباب اقتصادية وتأخر سن الزواج، وتفشي حالات العقم بين الزوجين.
يقول الدكتور قطان: يوجد العديد من الوسائل الحديثة التي تساعد على الإنجاب غير طفل الأنبوب إلا أن مجتمعاتنا لا تلجأ إليها لاصطدامها مع الفتاوى الدينية التي حرمتها (كتأجير الرحم)، إلا أن عمليات طفل الأنبوب لم تحرم في حال تمت ضمن الضوابط الشرعية.
ويبقى لكل اختراع وجهان أحدهما سلبي والآخر إيجابي، فما الذي يضمن عدم حدوث خطأ سواء كان عمداً أو سهواً؟ ما الذي يضمن أن نطاف الزوج تلقح حتماً بويضات زوجته؟ ما الذي يضمن حقوق هذا الطفل وما آثار هذا الخطأ عليه؟ ما سيؤدي إلى خلط في الأنساب ويلقي بتبعاته على أمور الإرث والتركة وغيرها.
يضيف الدكتور قطان: المشرع في سورية كغيره من المشرعين في الدول العربية والإسلامية، مازال موقفه سلبياً ولم يتدخل في معالجة هذه المواضيع والرد على مثل هذه التساؤلات.
هذا لا يعني أننا في فراغ تام، حيث يوجد قواعد ونصوص موجودة في قوانين مبعثرة، تحاسب عند حدوث أي خطأ، فقانون الأحوال الشخصية مثلااً عالج موضوع النسب بفصل كامل. ولكن لو تفحصنا النصوص لوجدناها قاصرة بأن تجنبنا المحظور وهو خلط الأنساب
كما أكد ضرورة تبني قانون خاص وواضح في سورية، وكذلك في الدول العربية والإسلامية، يتكلم عن المسؤولية الجزائية الطبية بشكل عام، ويُفرد في هذا القانون فصل خاص لطفل الأنابيب، وعلى أن يواكب هذا القانون التطور العلمي وفق المبادئ والثوابت الدينية والأخلاقية الصحيحة، بعيداً عن التقاليد والعادات والأفكار البالية المانعة لهذا التطور الذي ينقذ الأسر من الهدم.
وتبقى الأخلاق والدين والضمير الضامن الأساسي في مثل هذه العمليات لتُنتَج آثارها العلمية ضمن الضوابط الأخلاقية.
وعن الحكم والضوابط الشرعية يقول الدكتور محمد حسان عوض إن تسمية طفل الأنابيب فيها تعد على آدمية الطفل، وهدر لإنسانيته وخاصة في حالة الكبر، وطلب الولد سنة الأنبياء والمرسلين، وهو أمر مشروع ولأجله شرع النكاح.
يتساءل الدكتور عوض: هل طلب الولد ضرورة أم حاجة؟ الضرورة لابد منها، والحاجة ترفع الحرج وتوسع المصلحة، والعلماء أكدوا أن الولد حاجة تنزل منزلة الضرورة، فالنسل الضرورة الرابعة من الضرورات الخمس (الدين، النفس، العقل، النسل، والمال) فلولا النسل لانقطع الوجود الإنساني، وحاجة المرأة المتزوجة لولد أمر ضروري لتعيش معنى الأمومة والحب والشفقة.
كما ذكر الدكتور عوض أنواع النكاح التي كانت قبل الإسلام ونتج عنها أطفال، فجاء الإسلام وحرمها وهي:
نكاح الاستبضاع: يطلب الرجل من زوجته أن تذهب لفلان من الناس فيه صفات مميزة فيقول لها اذهبي واستبضعي لنا ولداً. نكاح الرهط (الرهط أقل من تسعة): يدخل مجموعة من الرجال على امرأة تعرفهم وبعد الحمل والوضع تدعو الرهط، فتنظر فيهم وتختار أحدهم وتقول له: هذا ولدك فليس له أن ينكر.
نكاح البغايا: يدخل على المرأة جمع غفير ويجامعونها جميعاً، فتحمل وبعد الوضع يقترن الولد بالرجل الذي يشبهه. عندما جاء الإسلام وضع للنكاح شروطاً وآداباً وضوابط أخلاقية ودينية ينتج عنها أطفال صالحون.
يضيف الدكتور عوض: يمكن أن يكون هناك علة تصيب الزوجين تحول دون الإنجاب، كالعقم مثلاً، فيتم اللجوء إلى التلقيح الصناعي فما حكمه الشرعي؟
للتلقيح نوعان: التلقيح الداخلي: حيث لا يستطيع السائل المنوي الوصول إلى البويضة فيقوم الطبيب بتأمين وصول السائل إلى رحم الزوجة دون إخراج البويضة أو التلقيح الخارجي، وهذا الأمر جائز.
أما التلقيح الخارجي أو ما يسمى بطفل الأنبوب فهناك عدة صور لهذا التلقيح وهي:
• أن تكون النطفة من الرجل والبويضة من الزوجة وأن يتم الزرع في رحم الزوجة وهو أمر حلال.
• أن تكون النطفة من الزوج والبويضة من الزوجة ولكن الزرع يتم في رحم امرأة ثالثة أو مستأجرة لعلة في رحم الزوجة، وهو أمر محرم بالمطلق.
• النطفة من الزوج والبويضة من الزوجة ولكن خارج الحياة الزوجية أي الاحتفاظ بالنطاف لعدة سنين، ويموت الرجل أو يحدث الطلاق، فتقوم المرأة بتلقيح السائل ببويضتها، وهو أمر محرم ويعتبر الطفل ابن زنا لأن الحمل تم خارج إطار ووقت الزواج.
• النطفة من الزوج بعد طلاقه أو وفاته، والبويضة من الزوجة، وتم التلقيح في رحم امرأة ثالثة وهو أيضاً أمر محرم وغير مقبول، ويعتبر الولد في حكم الشرع ولداً لقيطاً.
• النطفة من الزوج والبويضة من أجنبية وتم وضعها في رحم الزوجة، هنا الولد يكون أيضاً لقيطاً.
• وفي حالة تعدد الزوجات، أخذت البويضة من الزوجة الأولى ومن سائل الزوج، وتم التلقيح في رحم الزوجة الثانية.... بداية أجاز المجمع الفقهي هذه الصورة إلا أنه بعد ذلك خشي المجمع الفقهي من أن يكون هناك حمل ذاتي عند الزوجة المضيفة أثناء وضع البويضة الخارجية، ما يؤدي إلى وجود توءم فأيهما ابن الأولى وأيهما ابن الثانية، فحرم هذا الأمر بعد ذلك، ولكن بعض فقهاء الأزهر أحلوا الأمر ووضعوا لهذه المرأة ضوابط: ألا يقربها زوجها مدة حملها، وأن يكون زرع البويضة في طهر ما مسها فيه.
يمكننا أن نستنتج أن هناك صورة واحدة حلالاً وهي الصورة الأولى (نطفة من الرجل وبويضة من المرأة تتم في رحم الزوجة) ولكن يجب أن تتم بشروط أيضاً:
أن تكون الحياة الزوجية قائمة، أن تكون هناك ضرورة وحاجة للولد، وأن تقوم بهذه العملية امرأة طبيبة مسلمة وإن لم توجد فامرأة من أهل الكتاب، وفي حال لم توجد فطبيب مسلم وإن لم يتوافر فطبيب من أهل الكتاب، مع ضرورة وجود محرم مع الزوجة في غرفة الإنجاب في حال قام طبيب بعملية الولادة، وقد أباح العلماء كشف العورة بقدر الضرورة فقط، وأن تكون عند الطبيب خبرة واضحة، مع التأكد القاطع من القضاء على بقية النطاف والبويضات بعد نجاح العملية، والتأكد من سلامة الجنين أي عدم وقوع التشوهات.
وفي نهاية المحاضرة ذكر الدكتور محمد حسان عوض مجموعة من التوصيات تتعلق بطفل الأنبوب وهي:
1- الاعتماد على فتوى من مجلس الإفتاء الأعلى بضرورة الإنجاب.
2- تشكيل لجنة تسمى (لجنة الرقابة الشرعية) في كل مؤسسات التلقيح الصناعي للتأكد من هدر ما تبقى من النطاف والبويضات ومراقبة شرعية وصحة عملية التلقيح.
3- المهارة الطبية التي يجب التحقق منها في الطبيب.
4- أن تكون هناك ضوابط قانونية فيما يتعلق بعدم اختلاط الأنساب وخاصة أننا في صدد إصدار قانون يسمى قانون الطفل.
5- وجود مؤسسات خيرية خاصة تساهم بتكاليف عملية التلقيح أو جزء منها.
دارين صالح
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد