الأحاديثُ النَّبويَّةُ "الضَّعيفَة":عَددُها "لا يُحصَر" وأنواعُها كثيرَة
الاحاديث النبوية "الضعيفة". هذا هو الموضوع. مثيرة للاهتمام، والتاريخ الاسلامي يتكلم عليها، ويبيّن انتشارها "في ظروف معينة"، بدفع من "جماعات معينة". عددها؟ "لا يمكن حصره"، كذلك من الصعب جداً "تحديد ابرزها"، على ما يقول الكاتب والباحث الاسلامي الشيخ امين ترمس ، "لأنها منتشرة على مختلف أقسام العلوم". والمعلوم ان علماء الإسلام "تشددوا في تعاملهم معها"، علما ان هناك اختلافا بين السنة والشيعة في نظرتهم إلى الأحاديث الصحيحة والضعيفة. والمعايير تتفاوت بينهم: تتشدد عند هذا، وتخفّ قليلا عند آخر.
الحديث النبوي يُعرَّف بانه "ما ورد عن النبي محمد من قول أو فعل أو تقرير". صحيح، حسن، ضعيف، معلق، منقطع، معضل، مرسل، مدلس، متروك، منكر، مطروح، مجهول، مدرج، مقلوب، مضطرب، شاذ، محرف، معلل، مرفوع، موقوف، مقطوع، متواتر، مسند، متصل، مسلسل، معنعن، مؤنن، منقلب، عال، نازل، غريب، مبهم، مدبج... صفات وصفات اتصفت بها احاديث نبوية. ابوابها عديدة، ولكل منها معنى يلزمه نوعها، ولا سيما مصدرها ومدى صدقيتها وطريقة انتقالها.
"سهام اعداء الاسلام"
شهد التاريخ الإسلامي احاديث كثيرة نُسبت إلى النبي محمد ويُعتَقد انها اختلقت على لسانه وتفتقر الى الصدقية. يقول ترمس: "ما هو متسالم عليه بين المسلمين قاطبة أنه لا يوجد للنبي محمد أي كتاب كتبه هو بنفسه، ولم ينسب إليه أحد ذلك. نعم، أمر النبي المسلمين وأكّد عليهم أن يكتبوا ويدوّنوا العلم. أما بالنسبة إلى الأحاديث، فقد روي عن النبي ونقل عنه أصحابه وأهل بيته الكثير في كل أمور الحياة، وما يعود بالنفع على الناس في أمور دينهم ودنياهم. وبما أن للإسلام أعداءً ومناوئين كان من الطبيعي أن يوجهوا سهامهم نحو الفكر الإسلامي، واتجهوا نحو السنة النبوية الشريفة، فكذبوا على لسان النبي ونقلوا أحاديث لم يقلها ولم يصرّح بها. وقد ورد عن الإمام علي بن أبي طالب أنه قال: "... قد كذب على رسول الله على عهده حتى قام خطيباً فقال: أيها الناس قد كثرت عليّ الكذّابة فمن كذب عليّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار، ثم كُذِب عليه من بعده". (الكافي للكليني، ج1، ص: 63). من هنا، اعتبر علماء المسلمين ونقّادهم أن بعض ما يُنسب إلى النبي ليس صحيحاً، بل هو مكذوب ومختلق".
وعندما يتكلم ترمس على "أعداء الإسلام"، فهو يقصد "الذين واجهوا وحاربوا وعملوا ما بوسعهم للنيل من دعوة النبي محمد. وهؤلاء هم المنافقون واليهود والمشركون الذين عبدوا الأصنام ومن وقف معهم". يومذاك، كانت هناك ظروف معينة وراء ظهور هذه الاحاديث النبوية المكذوبة. ويشرح ان "الظروف التاريخية التي مرت بها الأمة الإسلامية بعد وفاة النبي محمد كانت صعبة، وأوجدت مناخاً ملائماً لبروز العديد من الذين كذبوا على رسول الله. فالانقسام السياسي والاختلاف الحاد الذي نشأ بعد وفاة النبي، وانتشار جماعة تستّروا بالدين لينقضوا عرى الإسلام من خلال نشرهم أحاديث كذبوا بها على النبي، وكذلك منع تدوين الحديث في شكل رسمي لما يقرب من قرن من الزمن، كل ذلك ساهم إلى حدّ كبير في بث الروايات الموضوعة في التراث الإسلامي".
ويحدد "الجماعة الذين تستّروا بالدين لينقضوا عرى الإسلام" "بانهم جماعة اختلطوا بالمسلمين وأظهروا الإسلام بألسنتهم وأبطنوا الكفر طمعاً في الوصول إلى أهدافهم الخاصة ومصالحهم الذاتية. وعندما كانت أدنى فرصة تحين لهم كانوا يعملون على استثمارها من أجل إضعاف هذا الدين الجديد، لا لشيء إلا لاعتقادهم بأن الإسلام لا ينسجم مع مصالحهم، وفي الوقت نفسه هم عاجزون عن التصدي له ومحاربته؛ لذا اعتمدوا النفاق طريقاً وحيدة أمامهم لتحقيق مآربهم من داخل المجتمع الإسلامي".
المعايير ما بين الاختلاف والاتفاق
عدد الاحاديث النبوية "الضعيفة" لا يمكن حصره. ويشير ترمس الى "انه يتفاوت ما بين عالم وآخر، وفق المعايير المعتمدة لديه. فمن العلماء من تشدّد في معايير جرح الرواة وتعديلهم قواعد تصحيح الأحاديث وتضعيفها، فأخرج الكثير من الأحاديث المنسوبة إلى النبي عن دائرة الصحة، وألحقها بالأحاديث الموضوعة والمكذوبة أو الضعيفة، ومنهم من خفّف من تلك المعايير فزاد العدد عنده". اما بالنسبة الى ابرز هذه الاحاديث، "فمن الصعب جداً تحديدها"، على قوله، "لأنها منتشرة على مختلف أقسام العلوم. نعم، بعض العلوم كانت عرضة لوضع الأحاديث أكثر من غيرها. فمثلاً العلوم المتعلّقة بالقرآن الكريم، وخصوصاً التفسير منها، كان لها نصيب ملحوظ من تلك الأحاديث".
وفي كل الاحوال، كان الرد على هذه الاحاديث واضحا. "فعلماء الإسلام تشددوا في تعاملهم مع الأحاديث المكذوبة، وحرّموا روايتها وإثباتها في الكتب، إلاّ مع التصريح بأنها مكذوبة وباطلة، لكي لا يعمل بها من ليس لديه خبرة في هذا المجال"، على ما يؤكد. "أما الوضّاعون والكاذبون، فقد تعامل معهم علماء الإسلام على أساس أنهم يشكّلون ضرراً بالدين وأخرجوهم من المجالس العلمية وكشفوا زيفهم وشهّروا بهم في كتب الجرح والتعديل".
والاختلاف ما بين السنة والشيعة في نظرتهم إلى الأحاديث الصحيحة والضعيفة "امر طبيعي" في رأي ترمس، "بما أن معايير تصحيح الأحاديث وتضعيفها مختلفة، حتى بين علماء المذهب الواحد. وعليه فكم من حديث متفق عليه عند السنة غير صحيح عند الشيعة، والعكس صحيح". ويستفيض اكثر في تحديد ما يميز الشيعة عن السنة في هذا الموضوع. على سبيل المثال، "يعتبر الشيعة الحديث الصادر عن النبي محمد وأحد الأئمة الاثني عشر: علي بن أبي طالب والحسن والحسين ولديه، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي حجة، إذ وصلت إلينا بطريق صحيح ولم يكن فيها ما يمنع من الأخذ بها من غير جهة السند. وبالتالي لا فرق عند الشيعة بين ما صح عن النبي محمد وبين ما صح عن أحد هؤلاء الأئمة، لأنهم من وجهة نظر الشيعة معصومون عن ارتكاب المعصية والخطأ والنسيان وما شابه، وما ينقل عنهم يُسند في نهاية المطاف إلى جدهم رسول الله".
وهذا الاختلاف في عدد من المعايير بين علماء الإسلام سنة وشيعة له تأثير على ما يسميه "اعتبار الحديث". ويشرح: "مثلاً، السنة يأخذون بكل حديث ورد عن أي صحابي من أصحاب النبي محمد بطريق معتبر، ويرون أن جميع الصحابة عدول ثقاة، ولا سبيل إلى الطعن بأحد منهم، والصحابي عندهم كل من رأى النبي كما ذهب إلى ذلك الإمام البخاري وجماعة آخرون، أو من رآه وسمع منه كما عند آخرين. وبناء على هذا التعريف، يدخل عشرات الآلاف من الذين كانوا في عصر النبي في عداد الصحابة، بينما الشيعة لا يرون أن جميع الصحابة هم عدول، بل لديهم العديد من الأدلة يثبتون من خلالها فسق وكذب جماعة ممن يعدون من الصحابة، وبالتالي حكموا على الأحاديث المنسوبة إليهم بأنها غير معتبرة".
وواقع ان يكون بعض الاحاديث مقبولاً لدى فريق مسلم، في وقت يرفضه مسلمون آخرون له، وفقا لرأيه، "تأثير من خلال ترتيب الآثار على مضامين تلك الأحاديث. فعندما نقبل حديثاً يتعلق بحكم شرعي أو تفسير آية وما شابه، فإننا نقبل ونأخذ بما جاء فيه ونرتب الآثار عليه. بينما عندما نرفضه، لا نرى أننا ملتزمون به، أو أن علينا العمل بمضمونه".
ولكن رغم هذا الاختلاف في المعايير بين سنة وشيعة، "في الحكم على الأحاديث"، "هناك معايير متفق عليها عند الجميع، مثل موافقة القرآن ومخالفته"، على ما يلفت اليه ترمس. "اذا كان الحديث موافقاً لظاهر القرآن يؤخذ به، وإذا خالف ظاهره لا يؤخذ به. وكذلك بالنسبة إلى السنة النبوية المتواترة والمقطوع بها، فإنها تعتبر ميزاناً يعرض عليها سائر الأحاديث، فما وافقها يؤخذ به وما خالفها يُترك. أو أن يكون الحديث فاسد المعنى، مخالفاً للعقل، ولا يمكن تأويله أو حمله على معنى صحيح وما شابه هذه الأمور".
"المشترك أساس يبنى عليه"
والسؤال عن المعايير الحالية التي يعتمدها المسلمون في قبول كتاب ما أو رفضه يجيب عنه ترمس بالتأكيد "ان أي كتاب ينسب إلى مؤلفه لا بد من أن يثبت ذلك من خلال سماعه منه مباشرة، أو بنحو الإجازة، أو بأي طريقة تفيد العلم بنسبة الكتاب إلى كاتبه، وإلا من غير الصحيح نسبة أي كتاب إلى مؤلفه اعتماداً على الظن والشك". وهذه المعايير في أغلبها واحدة للسنة والشيعة، على قوله، "والاختلاف بسيط جداً، وهو موجود بين علماء المذهب والواحد".
ولترمس رأي في تطوير هذه المعايير أو تعزيزها، يقول: "نحن في زمنٍ تقدّم العلم تقدّماً هائلاً ومن الطبيعي أن نفيد من هذه التقنيات العلمية في كثير من المجالات المفيدة والنافعة، ومنها في مجال استكشاف صحة كتاب أو حديث، فلا مانع من درس علم الخطوط لمعرفة نوع الحبر وتاريخه وفي أي زمان كان يستعمل، كذلك نوع الورق وما شابه هذه الأمور التي تنفع في معرفة زمن الكتاب ومقارنته مع زمن الكاتب، هذا فضلاً عن استعمال برامج الحاسوب للتحقق من صحة بعض المخطوطات ونحوها". وهل تطبق هذه المعايير جيداً حالياً؟ يجيب: "وفق علمي، إن العديد من مراكز البحث العلمي وتحقيق التراث مفيد من هذه التقنيات الحديثة".
وتبقى له دعوة اخيرة. "هناك الكثير من الأحاديث المشتركة والمتفق عليها لدى الجميع، سنة وشيعة، وهي تستحق أن تجعل أساساً يبنى عليه. أما في مجال الاختلاف، فأدعو إلى ترك العصبية جانباً وألا ننساق خلف عواطفنا، بل لا بد من اتباع الدليل والحجة، مهما كانت النتيجة، ولو على خلاف رغباتنا، ولا بد من أن نتنبه إلى المؤامرات والدسائس من حولنا، كي لا نعين على أنفسنا".
هالة حمصي
المصدر: النهار
التعليقات
اذا ...!!
إضافة تعليق جديد