إلى أين تتجه الارتفاعات المتواصلة للأسعار

16-11-2008

إلى أين تتجه الارتفاعات المتواصلة للأسعار

سنبدأ تحقيقاً بعكس المتفق عليه بحكم العادة التي ينتهي بها التحقيق بسؤال للجهات المعنية والمسؤولة والسؤال الذي نحن بصدده والإجابة عليه في السياق العام للتحقيق يطرح نفسه بجدية كبيرة في الوقت الحاضر .
ما هي نسبة الدخل اللازمة لتغطية الحاجات الأساسية والضرورية والغذائية للفرد والأسرة في بلد ما نجد 30 % من وسطي الدخل تكفي لتغطية تكاليف المعيشة الأساسية وفي بلد آخر يغطي كامل وسطي الدخل المحدود سوى 30 % من الحاجات الضرورية .
لقد رسمت المبادئ العامة للأسعار بوجوب تحقيق مركزية الأسعار ووحدة السعر واستقراره ، هذه المبادئ التي جاءت في مشروع السياسة العامة للأسعار والتي أقرته الدولة عام 1979 ، إن المشروع جاء لترشيد ومكافحة الاحتكار والعمل من أجل تطوير التجارة الداخلية لتحقيق التوازن والتناسب الفعلي بين فروع الاقتصاد ، والتنسيق بين الاستهلاك والإنتاج من جهة وبين الاستهلاك والتجارة الخارجية من جهة ثانية .
ولكن من المشاكل التي كانت دائماً تساعد في ضياع الحقيقة أن أجهزة التسعير في القطر تتوزع بين جهات متعددة مما يؤدي إلى تقاذف الاتهامات فيما بينها لتضيع (الطاسة) بين الجميع وينتكر كل واحد من المسؤولية المناطة به ليكون الخاسر الأكبر المواطن بصفته المستهلك والمنتج وخاصة الفلاح الذي أحياناً لا يعوض خسارة بذاره وليكون الرابح الأكبر تاجر المفرق والجملة .
بدعم ومساندة من هذه الجهات التي تمارس صلاحياتها في التصعيد ضمن ظروفها ودون ارتباط وتنسيق بعد أن تم الإعلان عن نعي السياسة السعرية والدور الذي كانت تقوم به وزارة التموين في مراقبة الأسعار هذا الدور الذي رحل عنا دون مراسم أو وداع رسمية .
يقول السيد الرئيس بشار الأسد :  ( إن الازدهار الاقتصادي كلمة واضحة لها محوران أساسيان هما : زيادة فرص العمل ورفع المستوى المعاشي للمواطنين ) .
( وإن الازدهار في المجالات المختلفة يرتكز إلى ازدهار اجتماعي ، وبدون الازدهار الاجتماعي فإن اشكال الازدهار الأخرى تكون مؤقتة أو كاذبة أو وهمية ) .
قول السيد الرئيس صريح وواضح ويصب في عملية التطوير والتحديث المأمولان تحقيقه على نطاق البلاد بأجمعه ولكن هل تمت المراجعة أو المراقبة المستمرة لتأثير هذه السياسات والإجراءات التنفيذية من قبل الحكومة بشكل عام والطاقم الاقتصادي بشكل خاص وهل تم إعادة وتقييم للدور الإيجابي أو السلبي لتطبيق وتنظيم الأسعار في القطر بشكل يشكل بطبيعة الحال اللاعودة إلى الأخطاء السابقة إن الاختلاف والفروق في السياسات السعرية خلال الفترة القليلة المنصرمة منذ شهر وهذا التذبذب الكبير في الأسعار هو الذي جعل الزميل الاستاذ يوسف سعد رئيس التحرير الطلب بالكتابة عن من يحدد الأسعار مرة ثانية خلال أسبوع ولعددين متتاليين .
ففي هذا الإسبوع واصلت الأسعار ارتفاعاتها مما أثر سلباً على المستهلكين وقدرتهم الشرائية ، حيث تصاعدت أسعار الخضار والفواكه وبنسب متفاوتة وبمعدل زيادة 45 % عن العام الفائت في هذا الوقت وكالعادة فالحجج ما زالت هي عند العديد من التجار وباعة المفرق الذين يعيدون ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية إلى مبدأ العرض والطلب من جهة ، وغياب الرقابة وارتفاع أسعار المنشأ من جهة ثانية، أما الحكومة فما زالت متمسكة بأزمة الغلاء العالمي وارتباطاتها . وارتفاع الأسعار كان السمة الأبرز للأسواق ولا سيما في نهاية الاسبوع الماضي فالخضار والفواكه والبيض واللحوم بانواعه والفروج والحديد كلها اتجهت للأعلى .
فالبندورة بيعت بـ 45 ل.س والخيار البلاستيكي بيع بـ 35 ل.س والبيض نوع أول ويزن 1800 غ وما فوق للصحن بيع للمستهلك بـ 175 ل.س وأين في الأسواق الشعبية التي يذهب إليها نصف المواطن لشراء الأرخص ، أما النوع الثاني فبيع 165 ل.س للصحن والسبب دائماً يرجع لارتفاع أسعار الأعلاف في السوق العالمية ، أما البطاطا التي ما زلنا نحتسيها كأفضل غذاء للفقراء على أساس السعر والفائدة تباع أيضاً بنسب مختلفة إذ يباع النوع الأول بـ 25 ل.س والثاني بـ 35 ل.س ، والأكثر ارتفاعاً ما زال الباذنجان الذي بقي في المقدمة وعلى ما يبدو إن المكدوس سيدخل من باب احلامنا في الممنوع فقد بيع بـ 40 حتى 50 ل.س ، أما الكوسا فيباع بين 35 ـ 40 أي بزيادة عشر ليرات عن الأسبوع الفائت ، والسبانخ 15 ل.س أما البقدونس فرجع إلى عادته القديمة إذ تباع الربطات الثلاث منه بعشر ليرات وكذلك الفجل والبصل بيع بـ 20 ل.س والفليفلة بين 25 ـ 40 ل.س .
لكن الفاكهة حلقت بأسعارها فيباع الكيلو من التفاح بين 25 ـ 75 ل.س والموز بين 60 ـ 70 ل.س للصومالي واليمني بـ 40 ل.س ، والبرتقال بين 25 ـ 40 ل.س ، والرمان بـ 35 ـ 45 ل.س أما العنب فيا سلام عليه بين 65 ـ 85 ل.س .
وبالنسبة للزيت فبقيت كما هي عليه في الاسبوع الفائت بانخفاضاتها حيث يباع اللتر بين 65 ـ 85 ل.س ، أما زيت الزيتون فيباع الكيلو غرام منه بين 200 ـ 250 ل.س حيث يختلف سعر عبوة زيت الزيتون من منطقة لأخرى فيباع العبوات البلاستيكية  ( بيدون) 20 لتر بسعر يتراوح 3000 ـ 3900 ل.س في الريف بينما في المدينة فيباع بزيادة عن هذا السعر بحوالي 500 ل.س أما زيت الخريج فما زال على سعره المرتفع حيث تباع العبوة البلاستيكية ذات (18 كغ ) بسعر 5000 ل.س وما فوق أيضاً حسب المنطقة .
بينما شهدت أسواق اللحوم الصعود المستمر في أٍسعارها مؤكدة مقولة انعدام دور اجهزة حماية المستهلك التي تقع على عاتقها متابعة المخالفات التسعيرية ووضع حدٍ لكل من تجول له نفسه بالتلاعب بالأسعار ، هذه الحقيقة التي اكدت الفروق الكبيرة بين أسعار مديرية التجارة الداخلية وأسعار السوق ، ومن المعروف أن وزارة الاقتصاد والتجارة كانت قد توقعت ارتفاعاً بأسعار لحوم أغنام العواس خلال الفترة الحالية وحتى قدوم عيد الأضحى المبارك ، حيث جاءت هذه التوقعات بعد أن رصدت الوزارة هذه الأسعار في السوق من خلال مقارنة وسطية من تاريخ 12 /10/2008 ولغاية 16/10/2008 مع الأسبوع الذي قبله والممتد من 5 / 10 / 2008 ولغاية 9 / 10 / 2008 وبناء على هذه الدراسة وهذه المقارنة تم رفع مذكرة لرئاسة مجلس الوزراء مع كل الملاحظات المدرجة في التغيير بين الصعود والهبوط في الأسعار وبكل تصنيفاتها وما زال التصدير إلى السعودية ودول الخليج العربي يمشي على قدم وساق ، وإذا ظلت الأسعار على حالها مرتفعة فإن على المعنيين إيقاف التصدير ، وإلا فإن قدوم حلول عيد الأضحى المبارك سيخلق أزمة من نوع آخر وخاصة بعد التأكيد على الشكوك حول الأرقام الحقيقية للثروة الغنمية بعد موجة ارتفاع أسعار الأعلاف وزوالها في الأسواق المحلية الأمر الذي سبب بذبح مئات الآلاف من الرؤوس للخلاص منها.
ولكن وبالانتقال إلى أسعار البناء مع موجة الأزمات التي ضربت بسوق العقارات في معظم أنحاء العالم بعد أزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة الأمريكية فإن أسعار البناء لا تزال عالية ولم تهبط كما كان متوقعاً بحصول انهيار بسوق العقارات بحيث يمكّن الفقراء من أمثالنا الحصول على منزل يأويه، فأسعار الأراضي ارتفعت في المناطق النظامية أما مواد البناء فقد شهد الإسمنت انخفاضاً مقارنةً مع الفترة السابقة لأنه في كل الأحوال ما زال مرتفعاً حيث وصل سعة الطن منه 7400 للإسمنت الدوكما الأسود أما الأسود المعبأ المقاوم للكبريت فوصل 7700 ليرة سورية طبعاً هذه الأسعار تزداد بزيادة 1000 ـ 2000 ليرة سورية في الأسواق الحرة أو السوق السوداء، والإسمنت الأبيض فوصل إلى 8000، أما الحديد الذي نزل أرقاماً كبيرة في الأسبوع الفائت فقد صعد دون أحم أو دستور فبعد أن نزل سعره من /67/ ألف ليرة للطن إلى /24/ ألف ليرة نهاية الأسبوع الماضي حلق ثانية إلى الأعلى ليتجاوز بذلك سعر /40/ ألف ليرة سورية فقد وصل سعر المستورد منه مقاس (8 ـ 32) ملم عالي الشد إلى /42/ ألف ليرة سورية يقابله المنتج المحلي ومن مختلف المقاسات والذي بيع بـ /37/ ليرة للطن، أما الحديد الصناعي فقد ارتفع سعره بنسبة /40%/ وسجل الزوايا والصاج الأسود والبواري السوداء من كافة المقاسات /40/ ألف ليرة وطن المبسط /42/ ألف والترابيع الفارغة والمصمتة /35/ ألف والصاج المزيبق /55/ ألف ليرة أما طن البواري المزيبقة فوصل إلى /60/ ألف ليرة، بينما ظلت أسعار الخشب على ما هي عليه أيضاً في الفترة الفائتة وحافظت على استقرارها حيث وصل سجل السعر للمتر المكعب من الدف والمورين والبوندي بسعر مبيع إلى /14/ ألف والنوع الأول منه وصل إلى /25/ ألف ليرة، والزان الطويل /27/ ألف ليرة، وهذا يؤكد أن هذه الارتفاعات المفاجئة ما زالت خارج السيطرة وتبدو أنها أقرب الى المد والجزر عن طريق التجار الذين أصبحوا يتحكمون بالأسعار بدل لمؤسسات المعنية فمؤسسة عمران مثلاً لم تعلق شيئاً على هذا الارتفاع لا بل استغربت؟! وبينما مدير شركة حديد حماة مصطفى الشريعي صرح للصحافة بأن هذه الأسعار والارتفاعات المتقلبة مرتبطة بأسعار البورصة العالمية ولذلك فمن الطبيعي الصعود والهبوط بالتوازي مع تلك البورصات، كل هذه الارتفاعات حدثت خلال أيام وليست خلال شهور أو مواسم أو حتى سنوات وهذا يدل على أن الحديث الذي صدر قبل أشهر عن مدير حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد والتجارة الدكتور أنور علي حول أحداث هيئة وطنية حماية المستهلك تنبع مباشرةً رئاسة مجلس الوزراء وبأنه الشكل الأجدى والأفضل لتطبيق أحكام قانون حماية المستهلك وقوانين قمع الغش والتموين والتسعير والقوانين ذات الصلة بالأسواق بما فيها المناقشة ومنع الاحتكار ومعالجة كل ما يتعلق بحماية المستهلك ورعاية شؤون المنتجين والمستهلكين مما يسهل للمستهلك طريقة مراجعة جهة واحدة مسؤولة عن متابعة الشكاوي ومعالجتها وذلك لإلغاء حالة التشتت والضياع التي يمكن أن يتعرض لها هذا الحديث لم يتحقق منه شيء على ضوء هذه الارتفاعات وحتى السرقة الأخيرة التي وقع بها مراقبو التموين تركت أكثر من إشارة استفهام وذلك عندما تعرضت مديرية التجارة الداخلية بحلب للسرقة عن طريق إحدى الدوريات وفي وضح النهار حيث أقدم اللصوص على خلع وفتح باب إحدى سيارات المديرية العاملة في مجال الرقابة وسرقت منها حقيبة دورية حماية المستهلك (بالذات) حيث ضمن الحقيقة أرقام عدة بالضبوط التموينية وبطاقة هوية مسلكية لأحد المراقبين وبكل بساطة اعتبرت الوزارة محاضر الضبوط لاغية وتوجيه تنبيه للمراقبين للحذر في المرات القادمة ثم البحث والتحري عنها وضبطها واتخاذ الإجراءات القانونية بحق السارقين وإحالتهم للقضاء والمختص أليست هذه مفارقة.
إذا قضية الارتفاعات لم تعد مجرد جشع لبعض التجار بل أصبح قضية مدروسة ويتحكم بها البعض ويكون المواطن في النهاية هو ضحية الأسعار وفلتان السوق ويبدو أن الجفاف النازل من التجار والمسؤولين أصبح أشد وطأة من جفاف الطبيعة الإلهية فهل يلقى هذا المواطن المنتوف القليل من الاهتمام الذي هو له حق أم لا حياة لمن تنادي.

 

علي نمر
 بورصات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...