إعادة الإعتبار إلى الاستشراق الألماني
على مدى يومين، استضافت السفارة الألمانية في لندن مؤتمراً دراسياً تحت عنوان «رؤى أكاديمية حول الشرق الأوسط» نظمه مركز الشرق الأوسط التابع لكلية الدراسات الأفريقية والآسيوية في جامعة لندن بالتعاون مع السفارة، وشارك فيه باحثون ألمان وبريطانيون وفرنسيون وعرب.
تناول المؤتمر أربعة مواضيع رئيسية: القرآن في زمنه، البحث الأكاديمي وسياسات الشرق الأوسط، الاستشراق: ألا يزال أداة في يد الإمبريالية؟ والفن والثقافة والهوية في الشرق الأوسط. وحاول المشاركون أن تكون مداخلاتهم مختصرة إفساحاً في المجال لمزيد من التفاعل مع الحضور الذين كانوا في معظمهم من الاختصاصيين وطلاب الدراسات العليا والإعلاميين.
والواقع أن موضوع اليوم الأول، «القرآن في زمنه»، كان أبرز ما في المؤتمر، ليس لأن المواضيع الثلاثة الأخيرة غير مهمة، بل لأن «القضية الإسلامية» في هذه الظروف تطغى على ما عداها من قضايا وتتطلب تعاملاً جديداً يتجاوز الكليشيهات السياسية والأمنية الطاغية حالياً على نظرة الغرب والعالم إلى الإسلام والمسلمين. ولعل السفارة الألمانية أرادت، باستضافتها المؤتمر، أن تبرز جانباً من الدراسات الجادة والمعمقة التي يعمل عليها الباحثون الألمان في ما يتعلق بالإسلام كدين وتاريخ وواقع سياسي معاصر.
والنظرة الأولية إلى نقاط البــــحث في المحور الأول تؤكد ما ذهبنا إليه أعلاه، إذ يتضــــمن المحور: فهــــم القرآن وتفــــسيره: نظرة الباحثين المســــلمين (من المؤسف أن البروفــــسور ناصر بن إبراهيم التويم لم يستطع الحضور)، القرآن والتاريخ (البروفسور جيرالد هاوتنغ)، القرآن بوصفه نصاً من الزمن الــــتاريخي (مايكل ماركس)، مدعو النــــبوة في الجزيرة العربية في زمن محمد: ماذا يخبرنا هؤلاء عن نشوء الاسلام؟ (البروفسور كريستيان روبين)، تأويل العهد القديم (البروفسور أودو رويترسوردن)، وأخيراً الأسلوب التاريخي النقدي في دراسة القرآن: أصوات معاصرة من العالم الإسلامي (البروفسور المنصف بن عبدالجليل).
الكلمة الترحيبية التي ألقاها الدكتور فيرنر دوم، المستشار الأول في السفارة الألمانية في لندن (وهو مستعرب معروف)، وضعت الإطار العام لمداولات المؤتمر. قال ان هدف المداخلات، والمواضيع المطروحة، هو إعادة القرآن والمسلمين الى دائرة البحث العلمي بعد أن أدت التطورات الســـياسية والأمنية خلال السنوات الماضية الى إضفاء ظلال من المبالغات على الإسلام.
وأضاف دوم: انه من الضروري التعامل مع الرسالة الإسلامية باعتبارها نتاجاً تاريخياً وجزءاً من الواقع المعاصر، وبالتالي التعاطي معها من منظور واقعي مماثل لما حدث مع الرسالات السماوية الأخرى.
بعض المواضـــــيع المــــطروحة مثـــير للجدل، غير أنها كلها تنــــطلق من الحــــرص الأكـــــاديمي على تبيان الجوانب العــــلمية التاريخية بأقصى قدر من الصــــدقية بعيداً عن حملات التجريح والتهويل التي رافقت «الدراســــات الإســــلامية» في المرحلة الماضية. ولعل السفارة أرادت، من مؤتمرها هذا، ان تعيد إظهار عمق وجدية ورصانة البحث الألماني في ما يتــــعلق بالدراسات الإسلامية. فالمدرسة الاستـــشراقية الألمانية ذات جذور موغلة في القدم، وتمتاز بأنها كانت الرائدة في تناول جوانب من التاريخ الإسلامي من منظور مختلف عما عهدناه في المدرستين الفرنسية والإنكليزية.
ويمكننا تلخيص غاية هذا المؤتمر، بالإضافة طبعاً الى الأفكار والأبحاث التي أثيرت خلال الجلسات، بالأمور التالية:
أ - تقديم وجهات نظر جديدة في ما يتعلق بالدراسات القرآنية والإسلامية.
ب - إعادة هذه الدراسات الى المجال العلمي الأكاديمي من دون حساسيات سلبية أو إيجابية.
ج – إيجاد إطار إسلامي - غربي للحوار الجاد والمعمق بعيداً عن الظروف السياسية الراهنة.
د - إعطاء المدرسة الألمانية الاستشراقية حقها، وإحلالها المكان اللائق بها على مستوى الدراسات الإسلامية.
هـ - الكشف عن جوانب مستجدة من الدراسات الإسلامية في أجواء من العمل الأكاديمي الرصين، بعيداً من الحملات الإعلامية المتبادلة بين دوائر متناقضة في العالمين الإسلامي والغربي.
و - التأكيد على انه بالإمكان دراسة القرآن في إطاره التاريخي والاجتماعي بغض النظر عن التأويلات والتفسيرات الآتية من مدارس مختلفة.
كان هذا المؤتمر خطوة أولى مهمة، والأرجح ان خطوات لاحقة ستأتي قريباً. لكن من المهم - في رأينا - ان لا تبقى هذه الأبحاث والدراسات حبيسة ندوات ستظل - على أهميتها - محدودة الانتشار والتأثير. ولذلك فإن وضع خطة لنشر نتائج المداولات على نطاق واسع هو أمر حيوي على مستوى عقد المؤتمر نفسه... أو المؤتمرات المتوقعة لاحقاً.
أحمد أصفهاني
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد