إشكالية التحفظات السورية على اتفاقية (سيداو)
صادقت الجمهورية العربية السورية على الانضمام الى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) عام 2002 مع خمسة عشر تحفظا شمل بعض المواد والفقرات فيها.
وقامت الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان (هيئة حكومية) بجهود ومتابعات من أجل الترويج للاتفاقية والعمل على رفع التحفظات وأوصت برفع جميع التحفظات عدا الفقرتين (ج ـ و) من المادة 16 لوجود آراء فقهية تعتبرهما متعارضتين مع أحكام الشريعة الاسلامية، وأفادتنا الهيئة بأن أربعة تحفظات تنتظر حالياً صدور مرسوم خاص بإلغائها بعدما أوصت رئاسة مجلس الوزراء بذلك ولكن هذه التحفظات الموصى بإلغائها تبقى سارية المفعول مالم يصدر المرسوم الخاص بإلغائها وبالتالي لاتزال المصادقة السورية على سيداو مترافقة بـ 15 تحفظاً، ويشمل بعضها أهم غايات (الاتفاقية) بشكل يجعل التحفظات إشكالية صريحة..
وحسب الهيئة فإن ماأوصت به رئاسة مجلس الوزراء منذ بضعة شهور هو إلغاء التحفظ على المادة 2 والمتعلقة بشجب جميع أشكال التمييز ضد المرأة واعتماد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في التشريعات واتخاذ التدابير المناسبة التي تضمن ذلك وإلغاء التحفظ على الفقرة 4 من المادة 15 والمتعلقة بمنح المرأة حقوق الرجل نفسها في السفر واختيار مكان السكن والاقامة ولكن وفق التوصية تمت اضافة جملة (وذلك بما لايتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية)، كذلك أوصت الحكومة بإلغاء التحفظ على الفقرة (ز) من البند الأول من المادة 16 التي تتضمن المساواة في اختيار اسم الأسرة والمهنة ونوع العمل، وإلغاء التحفظ على البند الثاني من المادة 16 والمتعلقة بعدم ترتيب أي أثر قانوني لزواج الطفل وضرورة اتخاذ الاجراءات التشريعية لتحديد سن أدنى للزواج وعلى ألا يكون الزواج نافذاً إلا بعد تسجيله بشكل رسمي فيما عدا الأحكام المتعلقة بالأثر القانوني لزواج الطفل..
المرأة وجنسية أطفالها؟!
لاتشمل توصية رئاسة مجلس الوزراء إلغاء التحفظ على المادة 9 الفقرة الثانية منها ونصها... (منح الدول الأطراف المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها..)، ونعرض فيما يلي عينة من النقاش المحلي الدائر حول الفقرة المذكورة، إذ توضح د. منى حاج حسين، مديرة قسم الاعلام والتواصل والعلاقات العامة في الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، أن الهيئة عقدت سابقاً مجموعة ورش عمل حوارية محلية للترويج لاتفاقية سيداو،والعمل على رفع التحفظات وحرصت على مشاركة رجال دين في ورشاتها ونتج عن ذلك موافقة أغلبية المشاركين من أعضاء وعضوات مجلس الشعب على رفع معظم التحفظات على الاتفاقية، واعتبرت الهيئة في إحدى الوثائق الصادرة عنها أن التحفظ على الفقرة المذكورة في المادة (9) لاينسجم مع المادتين (7و8) من اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها الحكومة دون تحفظ على المادتين؟!
نشير هنا الى أن(المادة7) من اتفاقية حقوق الطفل تنص على (حق الطفل منذ ولادته في اسم واكتساب جنسية، ومعرفة والديه وتلقي رعايتهما...) أما (المادة 8) فتنص على (احترام حق الطفل في الحفاظ على هويته بما في ذلك جنسيته، واسمه، وصلاته العائلية..)..
ودرس د. محمد حبش، مدير مركز الدراسات الاسلامية في دمشق، التحفظات السورية على سيداو، وأوضح لتشرين بأنه أنجز دراسة فقهية لصالح الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، ويعتبر أن الفقرة المذكورة في المادة 9 تتعارض مع أحكام قانون الجنسية السوري الذي لايبيح للمرأة الحق في إعطاء جنسيتها لأطفالها مادام نسبهم من الأب معروفاً وهذا التحفظ السوري عليها ليس له علاقة بالفقه الاسلامي... ويقول حبش: لا مبرر للتحفظ على هذه المادة وفق أدلة الشرع، فالجنسية حق يتم اكتسابه بمعزل عن النسب كما في حالات الزواج حيث تمنح المرأة جنسية زوجها ولاتنسب إليه، والأمر نفسه في حالات العمل والاقامة الطويلة وهذه ليس لها علاقة بالنسب..
تعارض مع الشريعة الاسلامية؟
أما المادة 16 من اتفاقية سيداو المشمولة بعض فقراتها بالتحفظ السوري، فتنص على أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كل الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية على أساس تساوي الرجل والمرأة..) الفقرة (ج) منها ونصها ( الحقوق والمسؤوليات نفسها أثناء الزواج وعند فسخه)، الفقرة (و) منها ( الحقوق والمسؤوليات نفسها فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم أو ماشابه ذلك من الأنظمة المؤسسية الاجتماعية حين توجد هذه المفاهيم في التشريع الوطني وفي جميع الأحوال تكون مصالح الأطفال هي الراجحة)..
وحسب د. منى حاج حسين، فإن الهيئة السورية لشؤون الأسرة تزودت بآراء فقهية تعتبر الفقرتين (ج ـ و) متعارضتين مع الشريعة الاسلامية... من جهته د. محمد حبش، اعتبر أن التحفظ على الفقرة (ج) من المادة 16 ضروري وحتمي، وفيما يخص الفقرة (و) اعتبر أن التحفظ عليها لأن الولاية على الأطفال بحسب قانون الأحوال الشخصية السوري هي للعصبات أي للرجال من أقارب الزوجة من أصول وفروع وكذلك التحفظ على نظام التبني المخالف للقوانين الوطنية وأحكام الشريعة الاسلامية، والتحفظ في مسألة القوامة ضروري مراعاة لأحكام الشريعة الاسلامية التي نصت على أن القوامة للرجل...، أما الولاية فقد منحها الفقهاء للرجال لأنها نوع من القوامة، وهو اجتهاد خاص لايصح تعميمه، إذ النص القرآني جعل أمر الولاية متبادلاً بين المرأة والرجل...، وأما الولاية في عقد الزواج فقد اشتهر أنها حق مطلق للرجال وأن ليس على المرأة حيالها إلا السمع والطاعة، ولاشك في أن ذلك فيه تمييز ضد المرأة ولكن لاينبغي تحميل الفقه الاسلامي وزر ذلك فهو اختيار لبعض الفقهاء وليس نصاً شرعياً معصوماً..
أما بخصوص التبني فيقول د. حبش: ان موقف الشريعة الصارم ضده حفاظ على النسب واستقرار الأسرة، ولايتضمن تحريم التبني من الناحية العملية إلا وجوب إخبار اليتيم بالحقيقة وعدم التدليس عليه...، ولابد من توضيح مغزى التحفظ على الاتفاقية بحيث لايتهم القانون السوري بمنع رعاية اليتيم أو كفالته، وأن يتم التأكيد على أن موقف الشريعة من التبني يسري على الرجل والمرأة دون تمييز..
أما الفقرة (د) التي تنص على (منح المرأة كوالدة الحقوق والمسؤوليات الممنوحة للرجل نفسها بغض النظر عن حالتها الزوجية في الأمور المتعلقة بأطفالها، وفي جميع الأحوال تكون مصالح الأطفال هي الراجحة)، يوضح د. محمد حبش بشأنها أن التحفظ السوري على هذه الفقرة لامبرر له فقد أقرت الشريعة الاسلامية حق المرأة في الحضانة بغض النظر عن حالتها الزوجية، وتعتبر مصلحة الأطفال هي الراجحة وفق الشريعة، ووفق الاتفاقية أيضاً، وتملك المؤسسة التشريعية تقرير المناسب في ذلك حسماً للمنازعة ورعاية لمصلحة الأطفال...، وفيما يتعلق بقانون الحضانة فإن التشريع ينبغي أن ينصرف الى تحقيق العدالة التامة في هذه المسألة وبالتأكيد فإنه يتعين الإقرار بأن تكون مصلحة الأطفال هي الراجحة..
المادة 29
أما البند الأول من المادة 29 من الاتفاقية والتي تتحفظ عليها سورية فينص على أنه (..يعرض للتحكيم أي خلاف ينشأ بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية ولايسوى عن طريق المفاوضات، وذلك بناء على طلب واحدة من هذه الدول، وإذا لم يتمكن الأطراف خلال ستة أشهر من تاريخ طلب التحكيم من الوصول الى اتفاق على تنظيم أمر التحكيم، جاز لأي من أولئك الأطراف إحالة النزاع الى محكمة العدل الدولية بطلب يقدم وفقاً للنظام الأساسي للمحكمة..).
ونشير الى أن البند الثاني في هذه المادة يعطي الحق لأي طرف أن يعلن عدم التزامه بالبند الأول المذكور...، ولذلك لاتوجد أية إشكالية بخصوص هذا التحفظ..
الإشكالية الكبرى
تفيدنا قراءة تجربة التعامل الرسمي مع اتفاقية سيداو بأنه يوجد تسرع في إبراز خمسة عشر تحفظاً عليها، مع أن جهات حكومية (الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان) وجهات نقابية وأهلية.. ومتخصصين (الاتحاد النسائي ـ رابطة النساء السوريات.. فقهاء ـ أعضاء من مجلس الشعب)..، تجمع على أن معظم التحفظات لامبرر لها ولاتتعارض مع الدستور السوري ولامع أحكام الشريعة الاسلامية وغيرها، ونعتقد أن البطء في استيعاب اتفاقية سيداو يجعلها معطلة في ضوء تحفظات غير شكلية وليس من المقبول أن بعض التحفظات التي يمكن حسم الموقف منها بسنة يتطلب بضع سنوات ؟!
ولندلل بمثال يخص المادة 2 منها والتي تنص على أن ( تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة وتوافق على أن تنتهج بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء سياسة القضاء على التمييز ضد المرأة ...) ونشير إلى أن هـذه المادة بمضامينها التي تم التحفظ عليها هي بمثابة تعطيل كامل لأهم غاية في اتفاقية سيداو ..، وتبين للحكومة بعد خمس سنوات من المصادقة المترافقة بالتحفظات أن التحفظ على المادة 2 لا مبرر له فأوصت بإلغاء هذا التحفظ، الذي ما زال سارياً..؟!
ويظل السؤال الأهم في ضوء تحفظات تمس أهم غايات اتفاقية (مكافحة جميع أشكال التمييز ضد المرأة ماذا تعني المصادقة على سيداو
رأي د.أحمد حسون
قال سماحة المفتي العام للجمهورية العربية السورية د. أحمد حسون : لما كان عدد نساء العالم الاسلامي يمثل 1/8 من مجموع سكان العالم، و1/4 من مجموع نساء العالم ¾ فإنه من العدل والإنصاف ألا يكون دورهنّ مهمشاً¾ أو تابعاً لتقليد أو عرف مادامت الشريعة الإسلامية تقر مبدأ المساواة بمعنى العدل، وليست المساواة بمعنى المماثلة ..، وإن التحفظ على المادة 9 من سيداو هو تحفظ وطني سياسي وليس تحفظاً لمعارضة المادة أحكام الشريعة الإسلامية، فالجنسية حق يكتسب دون تمييز بين الرجل والمرأة .
وفيما يخص المادة 16 الفقرة (ج) قال : يبقى التحفظ قائماً إذ تشير الفقرة إلى مساواة مطلقة مماثلة ، وهذا يتنافى مع مسؤوليات كل من الزوجين¾ فالحمل والإرضاع والحضانة من اختصاص المرأة والنفقة والسعي والعمل من اختصاص الرجل، كما أن حقّ تعدد الزوجات أعطاه الشرع للرجل بالشروط المعروفة الضامنة، ولا يمكن أن يعطى هذا الحق للمرأة حفاظاً على الأنساب الأعراض ..
وبخصوص الفقرة (و) ..اعتبر سماحة المفتي العام أن الولاية أصلاً متساوية شرعاً بين الرجل والمرأة بنص القرآن (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض..) وماذكره الفقهاء من الولاية في الزواج وتقسيمها الى ولاية إجبار وولاية اختيار ليس على إطلاقه، فولاية الإجبار ليس فيها دليل يعتمد عليه، بل إن أحاديث رسول الله (ص) تعطي للمرأة حرية اختيار الزوج..، وأما ولاية الاختيار في عقد النكاح فهي تكريم للمرأة وحماية لها لئلا تقع في خطأ فيكون الأمر على سبيل التشاور والتفاهم للوصول الى حالة زواج أقرب الى الصواب..، وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية في سورية بمنح المرأة الولاية على نفسها في النكاح بشرط الكفاءة بين الزوجين.
والقوامة للرجل قوامة فضل وليست قوامة جبر وقهر، وليس فيها تمييز ضد المرأة بقدر مافيها من تحديد المسؤوليات وترتيب شؤون العائلة، ويبقى التحفظ قائماً وبخاصة أن القوامة توجيه أخلاقي ليس له أثر قانوني سابق، بقدر ماينشئ حقاً تكاملياً بين رجل وامرأة أماً كانت أم بنتاً أم زوجة أم أختاً، فالمرأة هي المستفيد والرجل هو الذي يقدم التضحيات..
وبخصوص الوصاية على الأطفال وتبنيهم أي رعايتهم وكفالتهم فهذا أمر يستوي فيه الرجل والمرأة أما التبني النسبي فهو محرم شرعاً سواء كان المتنبي رجلاً أو امرأة حفاظاً على نسب الانسان واستقرار الأسر، فالتحفظ يكون على لفظ التبني بمفهومه العصبي واستلحاق الأولاد بأشخاص ويرفع التحفظ عن الوصاية على الأطفال ورعايتهم وكفالتهم التي يستوي فيها الرجل والمرأة.
وبخصوص التحفظ على المادة 29 من الاتفاقية قال سماحة المفتي: ان التحفظ على هذه المادة ضروري لئلا يكون لمحكمة العدل الدولية أي سلطة على القوانين والأنظمة السورية فيما يخص تفسير هذه الاتفاقية..
ظافر أحمد
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد