إسقاط الديموقراطية بالضربة القاضية
الجمل ـ بسام الحكيم: في أعقاب الحرب العالمية الثانية تداعت خمسة دول (هي اليوم الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن) إلى إنشاء منظمة عالمية أطلقوا عليها اسم الأمم المتحدة وشرعت هذه المنظمة منذ بداية تأسيسها إلى إعلان مواثيق لحقوق الإنسان هدفها الرئيسي منع تكرار الفظاعات والجرائم والإبادات الجماعية التي تخللت الحرب العالمية, وقد أكدت كافة هذه المواثيق والمعاهدات التي أبرمت بهذا الشأن على تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو اللغة أو الدين وأضحى الالتزام بهذه المعايير دليلاً على التحضر والرقيّ والتفريط فيها دليلاً على الهمجية والتخلف, وأصبح دفع الإتهام بالعنصرية هاجساً لكل من يحسب نفسه على تيار الحضارة فبدأ سباق حثيث في المزاودة على المساواة بين الناس جميعاً ونبذ كل أشكال التمييز بينهم وبدأ الخلط بين الميّزات الطبيعية التي توجد في الإنسان بدون أن يكون له أي يد فيها وبين الميّزات التي يختارها طائعاَ وهو بكامل الوعي والإرادة.
بالتأكيد الناس متساوون بكافة الحقوق بصرف النظر عن لون بشرتهم أو اللغة التي يتكلمونها أو كونهم ذكوراً أو إناثاً أو قناعاتهم الدينية والسياسية التي تحترم قناعات الآخرين, ولكن أن يكون الناس متساوين في الحقوق هكذا على الإطلاق وبغض النظر عن الصفات الأخرى التي يتمايز بها البشر عن بعضهم البعض كدرجات الوعي ومستويات التأهيل التعليمية والابتعاد عن البهيمية أو الاقتراب منها فهذا أمر يحتاج للكثير من إعادة البحث والتمحيص برأيي!!! مواثيق حقوق الإنسان كلها تكفل المساواة بين الناس في الحقوق المدنية ومنها على سبيل المثال حرية الإقتراع والإنتخاب لينتج لدينا معادلة عبّرت عنها مقولة تُنسب لمؤسس الإمبراطورية الألمانية بسمارك يقول فيها إن عشرة حمير يغلبون تسعة بسمارك!!! معظم شعوب العالم اليوم واقعة تحت تأثير سحر الديمقراطية الغربية التي تتبنى معادلة بسمارك بحذافيرها لاعتقادها أن التفوّق الغربي على باقي شعوب العالم هو نتيجة لالتزام هذا الغرب بالديمقراطية فقط دون الأخذ بالاعتبارات التاريخية الأخرى والتي أهمها أن هذا الغرب راكم ثروات العالم كله لعقود طويلة لديه فأبعد نفسه دائماً وإن نسبياً عن الفقر الذي يعتبر الآفة الكبرى التي تحد من تطور الإنسان وتعمل على بقاءه في دائرة الجهل والتخلف، وهكذا صار لزاماً على العالم كله الإيمان بأن خير الشعوب يكمن بالانتصار للكم على حساب النوع وبات الخيار الأمثل للشعب يُحتسب بالكمشة أو الكيلو حتى وإن كانت نتائج كل الدراسات العلمية تُعارض هذا الخيار وتؤكد على عدم ملائمته للظروف السياسية أو الإقتصادية لهذا الشعب فديمقراطية حقوق الإنسان تحكمها قاعدة وحيدة هي الجمهور عاوز كده!!!
أغرب ما في مفهوم الديمقراطية الغربي الذي يحاولون تسويقه لدى باقي الشعوب أنه يسقط سريعاً في أي محاكمة منطقية تختبره فيها داخل هيكلية ونظام منظمة الأمم المتحدة نفسها والتي من المفروض أن تقدم النموذج الأمثل لتطبيق الديمقراطية التي يسعون إلى فرضها على باقي العالم، فالديمقراطية داخل هذه المنظمة تعني مثلاً الضرب بعرض الحائط بأي مطالب أو قرارات حتى ولو وافقت عليها معظم دول العالم فقط لأن دولة واحدة من الدول المحتكرة دوام العضوية داخل مجلس أمنها رفضتها!!! والديمقراطية داخل هذه المؤسسة تعني أيضاً أن صوت دولة كالهند مثلاً والتي تعتبر السابعة عالمياً من حيث المساحة والثانية من حيث عدد السكان يوازي ويساوي صوت دولة مجهرية بالكاد نراها في خارطة العالم كقطر مثلاً!!! ثم ماذا لو حاكمنا هذه الديمقراطية تاريخياً بما تعنيه من أنها حُكم الأغلبية؟؟؟ ألم تكن الأغلبية دائماً في الصف المواجه للعلماء والأنبياء فحاربتهم وهجّرتهم وأعدمتهم؟؟؟ هل في تاريخ البشرية كلّها اختراع أو اكتشاف أو دراسة علمية واحدة ساعدت في التطور العالمي قامت بها أغلبية؟؟؟ أليس كل الفضل في ما نحن فيه اليوم من تطور علمي أو تكنولوجي يرجع إلى عبقريات فردية حاربتها الأغلبية التي عاصرتها ونكلّت بها؟؟؟
سن الرشد هو شرط أساسي فيمن يريد ممارسة الديمقراطية الغربية، وهذا الشرط هو لضمان تجاوز العمر المفترض في الانسان ليصبح بالغاً عاقلاً مسؤولاً عن تصرفاته، بالتأكيد البلوغ أمر يرتبط بالعمر فالإنسان ينام فعلاً ليستيقظ فجأة وقد وجد نفسه بالغاً بالمعنى الفيزيولوجي، ولكن هل ينطبق هذا الأمر على العقل والرشد أيضاً وهل يكفي مجرد عدّ أيام وسنين العمر كي نصل للعقلانية مثلما البلوغ؟؟؟ ألا يحتاج العقل إلى ملئه بالعلوم والخبرات والمعارف حتى يُنتج العقلانية بمفهومها الصحيح؟؟؟ هل يكفي حشو هذا العقل بخزعبلات أو أساطير أو تركه فارغاً حتى يكون عقلاً فعلاً؟؟؟ حركة التاريخ الاستعماري للغرب التي مكنته من احتكار كل أدوات العلم والتطور الصناعي والتكنولوجي لابد أنها قد وفرت البيئة التربوية الاجتماعية المناسبة كي يبلغ الفرد فيها سن الرشد فعلاً بينما قد يهرم شعباً آخر من شعوب الأرض بدون أن يبلغوا سن الفطام عن رضاعة مفاهيم أبعد ما تكون عن العقلانية أو الرشد كالقبلية والعشائرية والطائفية...
لم أؤمن بالديمقراطية التي يُسوق لها الغرب يوماً، وأقرب آيات القرآن إلى قلبي كانت دائماً "وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ" وقد جاءت ثورة الشحاطات في سوريا لتؤكد لي قناعاتي هذه وبأن بذرة الديمقراطية التي استوردناها من الغرب وزرعناها في بلادنا لم تُثمر سوى حقد وكراهية وحروب ودمار تدفعنا مكرهين للتسبيح بحمد الدولة الأمنية والديكتاتورية...
إضافة تعليق جديد