أين يقضي أطفالنا عطلتهم الصيفية ؟
لمعرفة اين يقضي أطفال سورية إجازتهم الصيفية يكفي الاطلاع على احدى الصحف المتخصصة بالاعلانات لتكوين فكرة عن العروض التي تقدّم لاستثمار العطلة الطويلة، كل بحسب قدراته ومستواه المادي والفكري.
فمن خلال العروض الكثيفة تظهر ثلاثة أنماط رئيسة لقضاء العطلة في سورية: النمط الاول لتنمية القدرات الفكرية عبر المطالعة والاستعداد للعام المقبل، إضافة إلى برامج ترفيه، تقدّمها نوادٍ صيفية درجت المدارس العامة والخاصة على اطلاقها في الصيف، والنمط الثاني يروّج للسفر والسياحة في المصايف السورية والدول العربية والاجنبية بأسعار مدروسة، أما النمط الثالث فيتيح للولد البحث عن عمل ليساعد أسرته أو يوفر تكاليف مدرسته. فالمحال والشركات الكبرى تستغل العطلة لتستفيد من الطلاب في تسيير خدمات الموسم السياحي.
واللافت في إعلانات الصحف الأسعار المرتفعة، والخيالية أحياناً، للنمط الأول من النشاطات التي تجمع بين الترفيه والتعليم. فقد راجت كثيراً في الآونة الأخيرة، لمّا رأى أصحابها أن معظم الأهل يفضّلونها لأنها تجمع «الفائدة إلى المتعة»، دروس اللغة والرياضيات إلى الرياضة والسباحة والرحلات.
وتقول سلوى، وهي مدرّسة: «لا أحبذ ان ينقطع الاولاد مدة طويلة عن دروسهم، شرط أن لا يشعروا بأنهم مقيّدون ببرنامج مكثف. ولذلك أجد العروض التي تقدمها النوادي المدرسية مقبولة».
لكن العطلة بالنسبة الى لارا (14 سنة) التي انتقلت الى الصف الثاني الاعدادي أمر مختلف: «العطلة تعني اللعب والسهر حتى وقت متأخر والسفر الى المصايف... وكفى! لا احب الدرس في العطلة لأنني انقطع عن العالم في الشتاء الطويل، فلماذا أنقطع عنه في الصيف القصير... ويجب أن أرتاح قبل العام الدراسي الجديد».
كثيرات يوافقن لارا رأيها، فعطلة الصيف لديهن ولدى أصدقائهن هي للعب والصحبة. وهي بالنسبة الى طارق رستم (12 سنة) فرصة للعودة الى الطبيعة: «أسافر بداية كل صيف الى قرية والدي في اللاذقية (على الساحل الغربي) وأمضي الوقت في منزل جدي واستمتع مع اولاد عمي بصعود الجبال والصيد والبحر». ويبقى خيار السفر للعائلات الميسورة. رامي الذي نجح في امتحان الثانوية العامة، يقضي العطلة مع الاهل في «ماليزيا هذه المرة، بعد ان زرنا تركيا الصيف الماضي».
أما الأسر المحدودة الدخل أو التي تعيش في ضائقة، فترى في العطلة الصيفية فرصة ليكتسب أولادها حرفة أو مهنة. وثمة أطفال لا يعرفون غير العمل ولا وقت لديهم للهو. يستيقظون باكراً ويتوجهون إلى ورش عمل آبائهم، في النجارة أو الخياطة... ويقول وسيم (15 سنة): «لم أذق طعم العطلة منذ زمن، بعد الامتحانات النهائية، انزل الى العمل وأحصل على 1000 ليرة (20 دولاراً اميركياً) كل اسبوع من محل حداد للسيارات. وأنا أعمل لديه منذ ثلاث سنوات، نزولاً عند رغبة والدي الذي يقول إن الحرفة أمان من الفقر. ولعلّها تضمن مستقبلي».
وفي ظل الضغوط الاقتصادية، يعتمد بعض الأسر على عمل الأولاد حتى أثناء الدراسة. ويكشف صالح (12 سنة): «أبيع السجائر في الشوارع حتى أثناء المدرسة، لكن بعد الدوام. وفي الصيف، اعمل نحو 12 ساعة، فأنا من عائلة فقيرة، وأجد في عملي سنداً لي ولأسرتي. وهو يوفّر لي المال لشراء حاجاتي المدرسية».
ويعتبر عادل دياب العلي، وهو استاذ في علم الاجتماع في جامعة تشرين، ان العطلة الصيفية «فرصة لترميم العلاقات الاسرية، ومناسبة للافصاح عن الجوانب الاكثر دفئاً وحميمية على الصعيد العاطفي والنفسي والترويحي».
ويشير العلي الى أن الإحساس بالمسؤولية تجاه تلك العلاقات، شرط ضروري لتنميتها في اتجاه بناء شخصية الأبناء واكتشافها من ناحية النوازع والاهتمامات، أثناء العطلة الطويلة. فالانهماك بتلبية متطلبات العيش، خلال فصل العمل، قد يشكّل سبباً لارتخاء أواصر العلاقة بين الأهل وبقية أفراد الأسرة. ومنهم من يذهب إلى حد اعتبار الصغار عبئاً، بسبب الضغوط والمشاكل.
ويذكر العلي أنه كلما يُسّر للاهل تسجيل حضور ايجابي في حياة الابناء، تعزّز التواصل المثمر على الصعيد الاجتماعي والاسري، عوضاً عن نزوع الأبناء نحو البحث عن علاقات اكثر جدوى خارج محيط الاسرة، وعمن يملأ الفراغ.
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد