أميركا تواجه تحدي دروس بيروت وبلفاست في العراق
لم تدرك إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش أن الحرب في العراق قد تغيرت، ليس فقط في كثافتها القتالية، لكن في طبيعتها أيضا. قواعد بلفاست وبيروت تطبق الآن في بغداد.
ونظمت وزارة الدفاع في وقت سابق من هذا الشهر مؤتمرا للتخطيط بمشاركة ضباط كبار لتدارس الحرب في العراق، وتم البحث في أساليب جديدة لكبح الهجمات التي يشنها المتمردون بواسطة العبوات الناسفة.
لكن المشاركين قالوا ليونايتد برس إنترناشونال إنه لم يتم التطرق إلى احتمال حصول انتفاضة شيعية ضد القوات الأميركية في العراق.
ويستمر المخططون الأميركيون في اعتبار الحرب في العراق صراعا مباشرا »بين قبعات بيضاء وقبعات سوداء« أي بين قوات الائتلاف التي تقودها الولايات المتحدة ومعها القوات العراقية الجديدة، من جهة، والتمرد السني الذي يقوده المتطرفون الإسلاميون وأنصار نظام البعث البائد، من جهة أخرى.
ولكن منذ تفجير مرقدي سامراء في 22 فبراير تبدلت طبيعة النزاع والأسوأ في الأمر هو أن الميليشيات هذه لا تعمل باستقلالية عن الحكومة العراقية الجديدة، بل من ضمن أجهزتها وقواتها. فقد تسربت الميليشيات الشيعية إلى القوات العراقية الجديدة، العسكرية والأمنية لتنفذ مهاما لحساب قياداتها الحزبية.
ويسيطر الشيعة على المناصب الأمنية والعسكرية في الحكومة العراقية.ما حصل في العراق منذ 22 فبراير الماضي هو تفكك المجتمع مذهبيا، ودخوله في حالة نزاع أهلي. ويشبه ذلك كثيرا ما عانى منه المواطنون في بلفاست، عاصمة ايرلندا، والعديد من مدن العالم التي تقسمت إلى جيوب مذهبية متقاتلة.
وأدى ذلك إلى تغيير جذري في دينامية الصراع في العراق على طريقة بيروت وبلفاست. تفقد الحكومة المركزية السيطرة ضمن الجيوب الطائفية أو المذهبية، وتتحول الميليشيات إلى سلطة أمر واقع في المناطق التي تسيطر عليها.
فتتحول الميليشيات إلى مصدر للأمن ومشرف على الخدمات الاجتماعية كتأمين الرعاية الصحية والمياه والكهرباء.
وقد لاحظت القوة البريطانية التي لا يزيد عددها على 8آلاف جندي في جنوب العراق هذه التغيرات بسرعة أكبر من القوة الأميركية التي تنشر 130 ألف جندي في وسط وشمال الدولة العربية المضطربة. والسبب في ذلك هو أنه لدى الجيش البريطاني خبرة في التعامل مع الحرب الأهلية في ايرلندا.
وإذا فقدت الحكومة المركزية ثقة المجموعات السكانية، كما حصل في بلفاست في العام 1969 وفي بيروت في العام 1975، فإنها ستحتاج إلى عقود لاستعادتها. أما المهمة الأولى لأي قوة حفظ سلام، محلية أو دولية.
فستكون محاولة السيطرة على عمليات القتل والقتل المضاد كي لا تتحول إلى حمام دم،وإذا تم تحقيق ذلك، فلا بد من إدخال الميليشيات المتقاتلة في منظومة مفاوضات وحوار تسوية لإدارة الأزمة وتأمين المتطلبات الحياتية للمجتمع بانتظار التوصل إلى حلول سياسية استراتيجية.
نجح البريطانيون في تحقيق ذلك في أيرلندا الشمالية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. أما الجيش الفرنسي، وعلى الرغم من انتصاره على قوات جبهة التحرير الوطنية الجزائرية في خمسينات القرن الماضي، فلم يتمكن من تحقيق مثل هذا التطور.
أما نموذج الصراع الطائفي الأكثر خطورة، وخوفا، بالنسبة للعراق، فهو اللبننة. حيث تفكك المجتمع إلى معسكرات ميليشية مسيحية وفلسطينية وشيعية متقاتلة وسط تدخل مباشر من قبل سوريا وإسرائيل لإذكاءالنزاع ورفع عدد الضحايا.
ويبدو أن إيران في العراق تؤدي دور سوريا وطموحاتها في لبنان في السيطرة على الجار الأصغر المزدهر بعد إنهاك الخصم، الذي كان إسرائيل في لبنان وهو أميركا في العراق، وإجباره على الانسحاب.
وتفرض النزاعات المركبة على القوة الخارجية الساعية إلى فرض الاستقرار عقد تحالفات تكتيكية مع بعض الميليشيات المحلية على حساب غيرها. لكن يجب أن تفعل ذلك بحذر، لا بتسرع كما فعلت إسرائيل بتحالفها مع المسيحيين عندما غزت لبنان في العام 1982 لأن تحالف القوة الخارجية مع قوة محلية يقود بقية القوى إلى تشكيل تحالف ضده، قوانين بلفاست وبيروت ليست مبسطة.
ليست مجرد أسود وأبيض. ولكن اتباعها يمكن أن ينقذ مئات الآلاف من الأرواح،القوات الأميركية في العراق تواجه الآن تحدي تعلم قوانين بيروت وبلفاست »بسرعة«.
المصدر : يو.بي.آي
إضافة تعليق جديد