أساليب جديدة في تهريب المازوت إلى لبنان
لم تخل موافقتنا المسبقة بمرافقة دوريات ومفارز الضابطة الجمركية في منطقة النبك من المخاطرة لابل والمجازفة فعلا وخاصة بعدما وصلنا الى المكان المتفق عليه وتركنا سيارتنا الخاصة لندخل وزميلي المصور سيارات الخدمة مع عناصر مفارز الضابطة الذين كانوا مدججين بالسلاح لدرجة خيل الينا اننا نتجه الى ساحة حرب.. الكل يتفقد سلاحه..جعبته المليئة بالمذخرات ..اجهزة الاتصال .. جهوزية الاليات ومستلزمات المهمة التي اعتبرها معظم الضباط بانها عادية كونها تنفذ في وضح النهار وليس العكس .
اتجهت بنا السيارات بداية على طريق فرعي معبد لنعبر اول قرية تسمى الحفر ثم الى قرية اخرى تبعد عنها حوالي عشرة كيلو مترات اتجهنا بعدها غربا سالكين احدى الطرق الضيقة ثم انحدرنا بعدها باتجاه الشمال الغربي لعدة كيلو مترات عبر مسلك ترابي نتتبع فيه آثار عجلات السيارات والصهاريج والآليات التي تنقل المازوت المهرب من والى تلك المواقع ومن ثم تهريبه الى الحدود عبر سلسلة جبال القلمون الى لبنان وبعد بحث من عناصر وضباط المفارز تم العثور على آثار لمادة المازوت التي امتزج قسم من التراب بها ما يدل على وجود خزان تحت الارض ولكنه مموه بشكل متقن لدرجة ان معظم العناصر راحوا يبحثون عن اثار اخرى ترشدهم للمكان.. وعندما ظهرت الفتحة الرئيسية التي كانت مغلقة باحكام تم توزيع عناصر المفارز على التلال المحيطة والمطلة على مكان الخزان لتشديد المراقبة وضبط اي حالة تحرك لمسلحين او لسياراتهم التي قد تأتي في أية لحظة ويحصل المحظور .
وهنا تم الاستعانة بآليات هندسية (تركس- رافعة) وبعد محاولات عدة استمرت لاكثر من ساعة ونصف تم اقتلاع الخزان المعدني الذي تبين انه يتسع لكمية تزيد على 35 الف ليتر ومصادرته بعد ان احدثت فيه عدة ثغرات تسربت خلالها كمية من المازوت المتبقية وارسل الخزان مع حراسة الى مقر ضابطة الجمارك في دير عطية.
بعدها اتجهنا مع العميد عزت محمد المكلف بالاشراف على ضابطة جمارك النبك غربا لعدة كليو مترات حيث وصلنا الى مكان اخر تحيط به التلال من كل جانب ولدى البحث الاولي والسبر لم يعثر احد على المطلوب الى ان جاء التركس فطلب العميد عزت محمد منه احداث حفرة وكشف سطح الارض لمساحة امتار وبعد عدة محاولات علقت مسننات التركس في خزان معدني على عمق حوالي متر من سطح الارض وهنا بدأ العمل لكشفه وسحب ولكن عدم جهوزية التركس بالشكل المطلوب اوقف عملية الاقتلاع من الارض بعد ان انفجر اطاره الامامي وتوقفت عملية الكشف بعد ان ظهر جسم الخزان الي يمتد لحوالي 14 مترا طوليا وعرض عدة امتار على شكل مستطيل حيث ظهرت الفتحات الرئيسية المموهة باحكام وتبين وجود كمية من المازوت بداخله ونظرا لضيق الوقت وحرصا من الضابطة على سلامتنا اقترحوا نقلنا الى مقر الضابطة الجمركية في دير عطية لان رحلة البحث تستغرق ساعات وربما ايام في اتون تلك الصحراء التي تخترقها بعض المسيلات المائية الجافة والطرق الترابية وقطعان الاغنام التي تنتشر في ارجائها.
وفي مقر ضابطة الجمارك بدير عطية فوجئنا بوجود اكوام من الخراطيم البلاستيكية التي يصل مداها الى عشرات الكيلومترات ومن مختلف الاقطار تم تقطيعها وجمعها من مختلف المعابر غير الشرعية والسفوح والوديان الجبلية على الحدود كما وجدنا امام مقر الضابطة اربعة خزانات بحجوم مختلفة سعة احدها حوالي 50 الف ليتر ويصل طوله لاكثر من عشرين مترا وله عشر فتحات والبقية تتراوح سعتها بين 25- 35 الف ليتر واشار مسؤول الضابطة الى ان هذا العمل وتلك الخراطيم والخزانات ليست نتيجة عمل شهر واحد فقط وقد تتجدد المحاولات بين الحين والاخر لان السعر الذي يدفع للمهربين ثمنا لمادة المازوت هو سعر مغر جدا ..!
وحول القطاع الذي يتبع لعمل هذه الضابطة اجاب مسؤول الضابطة ان القطاع يمتد من جنوب جسر القصير ب 3 كم وصولا الى جنوب رأس المعرة ب 3 كم ايضا وعلى امتداد هذه المسافة التي تصل الى اكثر من 70 كم يوجد حوالي 33 فتحة او ثغرة ليتم عبرها محاولات التهريب وهناك ايضا شعب غير سالكة والعبور فيها يتم عبر الحيوانات (البغال او الحمير) او باستخدام خراطيم البلاستيك التي يضخ عبرها من الخزانات الارضية الى المكان المطلوب ..وعبر هذه المسافات الطويلة يوميا هناك محاولات لاختراق الحواجز من قبل المهربين واحيانا تستخدم بقوة السلاح .
العميد عزت قال وهو يراقب عبر منظاره اي تحرك عن بعد: هذه الصحاري والوديان والسفوح المترامية مليئة بالخزانات ومستودعات تهريب المازوت ولكن الحل لا يكمن في ازالتها واقتلاعها وانما في معالجة السبب الاساسي اي ان تأخذ الجهات المعنية دورها بشكل اكبر مثل سادكوب والزراعة والبلديات وحتى مخاتير تلك القرى وتساءل ماهو المبرر لوجود محطات الوقود التالية: الضياء- الامراء- الشرق- قدور- ماهر زكريا- مالين- ابو ناصر- حامد- المش- عراجو - وغيرها في منطقتي قارة ودير عطية وجميعها ان لم نقل معظمها مغلق ...?! وختم لماذا لا يتم التدقيق اكثر في سجلات وقيود توزيع صهاريج المازوت من سادكوب وصولا الى المحطات المرخصة وهل يتم فعلا بيع المادة للمواطن ام للاخرين الذين يدفعون قيمة اكثر ..?! وخاصة ان هناك مخصصات لمحطات عديدة تذهب الى غير مكانها والمشكلة الام هي في عملية وطريقة توزيع المادة وتمنى ان يسمح لدوريات الجمارك بان تكون بعض دورياتها متحركة كما تمنى احد الضباط ضرورة توفير الحصانة التامة لعنصر الجمرك الذي لا يسمح له القانون بالدفاع عن نفسه امام المهربين حيث يستدعى الى القضاء عند اي اصابة لهؤلاء في مواجهات مسلحة كما تمنى هؤلاء ضرورة توفير الآليات الهندسية من رافعة وتركس وبلدوزر بشكل دائم مما يسهل عليهم العمل ومكافحة عمليات التهريب اضافة الى ضرورة ازالة كل الفتحات التي احدثها المهربون في جسم الاستراد الدولي لسهولة عبورهم من والى مواقع التهريب.
بعد هذه الجولة التقينا نبيل السيوري مدير عام الجمارك الذي اوضح ان هناك سؤالاً لم يلق جوابا وهو كيفية وصول تلك الكميات من المازوت الى المناطق الحدودية والمستودعات المؤقتة (الخزانات السرية) واضاف: مسؤولية من ضبط مخصصات المازوت للمحطات المرخصة اصولا.. اجاب باختصار هناك خلل واضح في توزيع المادة والآليات المتبعة فيها ..
حيث لا يعقل ان تذهب الصهاريج المرخصة من سادكوب لصالح المحطات بغير وجهتها الصحيحة والى مقصدها الفعلي وهو المحطة ..!
تلك المسؤولية تقع على عاتق شركة سادكوب اولا التي من واجبها التأكد من وصول المادة الى المحطة وان يكون لديها جهاز رقابي للتحقق من وصولها وتساءل ما معنى ان تصادر الجمارك عشرات الكيلو مترات من الخراطيم البلاستيكية وعشرات الخزانات من اراضٍ صحراوية وجرود جبلية مليئة بألاف الليترات من المازوت ولا ننسى هنا دور مديريات التجارة الداخلية في مواصلة الرقابة مع المحطات ايضا وضرورة فتح سجلات للمحطات وللصهاريج لضبط عمليات التوزيع بشكل دقيق .
وختم السيوري: باختصار المسؤولية تقع على عاتق كافة الجهات بما فيها الجمارك ويتوجب علينا جميعا العمل المستمر لبتر هذه الظاهرة الخطيرة ونحن كجمارك وضعنا خطة لمكافحة وقمع ظاهرة التهريب وخاصة مادة المازوت وبدأنا تنفيذها .
بدوره العميد حسن مخلوف الآمر العام للضابطة الجمركية قال : هناك مسؤولية مشتركة تقع على عاتق كل الجهات سادكوب - التموين- المحافظين وغيرهم لان بعض المحافظين يمنحون موافقات خاصة للآليات على المناطق الحدودية وان الجمارك مكبلة من الاجراءات القضائية التي تبرئ كل القضايا المحققة داخل المدن بحجة ان القانون لايعتبرها تهريبا في حين تعليمات رئاسة مجلس الوزراء واضحة وصريحة والقضاء غير ملزم بتلك التعلميات لانه يعمل بنص قانوني والحجة الاخرى ان القضايا التي تحقق هي خارج النطاق الجمركي وبالتالي هي ليست تهريبا اذا نحن امام مفارقة واضحة . والمهرب يدرك نقطة الضعف هذه تماما..
وبعد عدة محاولات لمعرفة رأي شركة سادكوب باعتبارها الجهة المعنية بتوزيع هذه المادة اجابنا علي طه مدير مكتب مدير عام الشركة الذي اعتذر عن الاجابة او التوضيح بأي نقطة تتعلق بهذا الموضوع حيث احال الاجابة الى منال مسؤولة المكتب الصحفي في الشركة وقال: ان المدير العام ليس في مكتبه ولا يوجد احد ليعطيك الجواب وما عليك سوى مراجعة المكتب الصحفي..!
امام هذا الاستطلاع الواضح والذي يبين وجود خلل كبير في آليات عمل الجهات الرقابية والمعنية في قمع وتهريب المازوت نقول بدورنا انها مسؤولية وطنية ويجب على كافة الجهات السعي الجاد لاقتلاع عشرات الخزانات المزروعة في الاراضي الصحراوية والحدودية بقصد التهريب والتشدد اكثر في عمليات القمع والمساءلة امام الجميع لتحديد المسؤوليات وخاصة حرس الحدود التي تلعب دوراً اساسياً في العملية الرقابية .
أمير سبور
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد