أردوغان يجهض "عملية ايمرالي"
للمرة الأولى بث عدد كبير من المسؤولين الأتراك والأكراد مناخا من التفاؤل من نجاح عملية المفاوضات بين الدولة التركية وزعيم "حزب العمال الكردستاني" عبدالله أوجلان المعتقل في جزيرة ايمرالي، وهي المفاوضات التي أطلق عليها اسم "عملية ايمرالي"، وهي الثانية بعد مفاوضات فاشلة في أوسلو بين الدولة وممثلين عن "الكردستاني" قبل ثلاث سنوات وعرفت باسم "عملية أوسلو".
وقد عكس مناخ التفاؤل الطرف الكردي ممثلا بالنائب الكردي أحمد تورك بعد لقائه أوجلان قبل أسبوعين. كما أن تورك حاول الدفع بعملية ايمرالي قدما عندما برّأ الدولة التركية من أن تكون متورطة بعملية اغتيال القياديات الكرديات في باريس قبل أسبوع، ملمحا إلى جهة إقليمية تقف خلف العملية. كذلك دعا رئيس الحكومة رجب أردوغان إلى تجاوز عملية باريس ومنع تأثيرها على المفاوضات، مرجحا أن تكون عملية الاغتيال تصفيات داخلية بين أجنحة "حزب العمال الكردستاني" وهو ما جرّ غضب نواب أكراد في الداخل واتهامه بالتغطية على الفاعلين.
في هذا المناخ الإيجابي كان أردوغان يوجّه ضربة قوية جدا، إن لم تكن قاضية إلى "عملية ايمرالي". فأردوغان الذي اعترف بوجود "قضية كردية" في تركيا في العام 2005 ما لبث أن تراجع عن ذلك في ربيع العام 2011 عشية الانتخابات النيابية قائلا انه ليس في تركيا "قضية كردية" بل "قضية مواطنين من أصل كردي".
وقبل يومين، وأثناء جولته في جنوب شرق تركيا والتي صبّ خلالها جام غضبه على الرئيس السوري بشار الأسد ووالده الرئيس الراحل حافظ الأسد، كرر أردوغان بصورة مفاجئة موقفه المنكر للهوية الكردية في تركيا بطريقة تثير تساؤلات عن سبب توقيت هذه التصريحات، في وقت تدور مفاوضات بين الدولة واوجلان.
هاجم أردوغان الأكراد في تركيا قائلا انه يتوفر لهم كل شيء: لهم الحق في السكن أينما يريدون وأن يكونوا موظفين ونوابا ورؤساء جمهورية، متسائلا "فماذا يريدون بعد؟". ولم يكتف بذلك بل أضاف "أنا لا أعترف بوجود شيء اسمه قضية كردية. نعم هناك مشكلة شقيقي الكردي لكن لا للهوية الكردية. أنا أحب شقيقي الكردي لكن أرفض الهوية الكردية". وتابع "ليس عندنا تمييز، ولا يمكن أن يكون. إن الذين يريدون أن يرفعوا علما بديلا من علمنا في أراضي الوطن البالغة 780 ألف كيلومتر مربع سيجدون في مواجهتهم حزب العدالة والتنمية. إن هذا العلم (التركي) أخذ لونه من دم شهدائنا. لقد قلنا بأمة واحدة وعلم واحد ووطن واحد. إن هذا الوطن لنا جميعا أكرادا وأتراكا وشركسا وزازائيين وغجرا وعربا".
ونفى أردوغان، في خطاب أمام نواب "حزب العدالة والتنمية" في البرلمان أمس، "ادعاءات البعض التضليلية، التي تتهم الحكومة باستهداف الجيش للأكراد"، مؤكدا أن "الحكومة تعمل على استهداف المتمردين الإرهابيين في الجبال"، متهما "هؤلاء العناصر بعرقلة جهود إحلال السلام في البلاد". وخيّر "العناصر المتمردة الإرهابية بإلقاء السلاح والعودة للوطن، أو أن يتركوا البلاد ويغادروها"، مشيرا إلى أن على "سياسيي حزب السلام تفضيل الحياة والوقوف إلى جانبها بدلا من القتل، لأنهم تحت قبة البرلمان، وواجبهم ذلك، وإلا فعليهم أن ينصرفوا منه".
إذا كان أردوغان يرفض الهوية الكردية ووجود قضية كردية في تركيا فعلام يتفاوض الطرفان إذاً؟
كان المسؤولون الأكراد الذين يلتقون أوجلان لا يفوتون فرصة إلا ويتحدثون عن "القضية الكردية" والمطالب التي تعكس تجسيد الهوية الكردية، مثل التعلم باللغة الأم في المدارس والاعتراف في الدستور الجديد بوجود هذه الهوية في إطار التعريف بالمواطنية التركية، فضلا عن منح كردستان تركيا الحكم الذاتي وإطلاق سراح الآلاف من المعتقلين المؤيدين لـ"حزب العمال الكردستاني".
قبل فترة من بدء "عملية ايمرالي" كان أردوغان يدعو إلى إعادة عقوبة الإعدام في سياق الحديث عن "خطأ" عدم إعدام أوجلان لدى اعتقاله في العام 1999، كما أنه دعا إلى رفع الحصانة عن نواب "حزب السلام والديموقراطية" الكردي ليتسنى اعتقالهم وسجنهم. وإذا أضيفت إلى هذه المواقف تصريحات أردوغان حول عدم وجود قضية كردية في تركيا، ورفض الاعتراف بالهوية الكردية، فيمكننا أن نتوقع فشل "عملية ايمرالي"، وأن يكون هدف الحكومة التركية من المفاوضات الجارية الآن مع أوجلان ليس حل المشكلة الكردية بل السعي لهدفين أساسيين، الأول تمرير حسابات داخلية تعزز سيطرة أردوغان في الداخل، من خلال إقناع النواب الأكراد بالموافقة على تعديل النظام في تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي عبر تعديل دستوري في البرلمان أو عبر استفتاء، خصوصا مع معارضة الأحزاب الأخرى لهذا التعديل. والثاني تعطيل الورقة الكردية إقليميا في انتظار انتهاء الأزمة السورية التي تبقى "واسطة العقد" في المأزق الذي لم يستطع بعد قادة "حزب العدالة والتنمية" الخروج منه.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد