أدلين فرجينيا وولف: الثورة الأدبية الهادئة

17-08-2011

أدلين فرجينيا وولف: الثورة الأدبية الهادئة

كثيراً ما تغلغل الحزن في أعماقها فشكل معها علاقة وطيدة ليس من السهل أن تنفصل عراها، حيث تعرضت لصدمات كثيرة في الحياة, لعل أبرزها وفاة والدتها لكنها تختلف عن غيرها في قدرتها على تحدي القدر الذي برز واضحاً عبر أعمالها التي استطاعت من خلالها نقل البهجة للكثيرين.

قد لا تكون في منظور البعض كبيرة بما يكفي لتقف أمام القوة العاصفة للتاريخ، لكنها نفسها، وتلك حقيقة تقف واضحة في وجه التحفظات التي يطلقها الناس على وولف.. إنها باختصار الثورة الهادئة بتعبير الكاتب الأمريكي مايكل بنجام والكثير من أصدقائها. ‏

ولدت الروائية الإنكليزية فرجينيا وولف في لندن في 25 كانون الثاني عام 1882م وتلقت تعليمها في المنزل على يد والدها كاتب السيرة الذاتية السير Leslie Stephen حيث عانت من صدمات عديدة في بداية حياتها أدت بها إلى انهيار عصبي حاد. ‏

ففي عام 1905 بعد وفاة والدها, انتقلت وولف للعيش مع أختها الرسامة فانيسا في منزل في Bloomsbury والذي أصبح فيما بعد مركز لمجموعة من الفنانين والأدباء والمفكرين في الفترة التي سبقت عصر الملكة فيكتوريا، كان من بينهم الكاتب «فورستر» E m Forster وكاتب السيرة الذاتية «ليتلون ستراشيه» وكلا الرسامين «دانكان غرانت وفانيسابيل». ‏

في عام 1912م تزوجت من أحد أعضاء المجموعة ويدعى ليوناردو وولف الذي احتضن قلقها بحنان وساندها في محنتها، وأسست معه دار النشر هوغارث برس التي قدمت أعمالاً لكبار الكتاب في أوروبا من غوغل إلى بروست وفرود وتولستوي واليوت. ‏

بعد نشرها لروايتين من واقع حياتها طورت تجربتها مع الكتابة وفق نموذج جديد مع كتابها الثالث الذي حمل عنوان Jacobs Room عام 1922 والذي تحدث عن حياة أخيها Toby الذي توفي عام 1906. ‏

وفي رواية الأمواج عام 1931 سجلت الكاتبة رقماً قياسياً آخر في سجل إبداعها حيث تعد الرواية واحدة من أهم الرموز الأدبية المحدثة في القرة العشرين. إنها باختصار دعوة لطيفة للتجول في دهاليز ذاكرة شخصيات الرواية الست من الطفولة إلى الكهولة. ‏

تعتبر رواية «السيدة دالواي» التي أصدرتها عام 1925 من الروايات المهمة التي قال عنها الكاتب الأمريكي مايكل بنجام: «قراءة السيدة دالواي، غيرتني، شيئاً فشيئاً لأصبح قارئاً»، وأضاف قائلاً:مازلت أريد أن أكتب كتاباً عن قراءة كتاب ( السيدة دالواي ) على الرغم من فهمي العام لأغراضه الكبرى، أظهر لي في سن مبكرة نسبياً، ما الذي يمكن فعله بالحبر والورق إنها كاتبة متطلبه تهتم بحيوات نساء عاديات في عالم محاصر بالآلام والمعارك، إنها ليست فقط كاتبة عظيمة بل أيقونة نسوية في عالم الأدب. ‏

أظهرت وولف في روايتها (إلى المنزل المضيء) براعة فنية فائقة بأسلوب محكم السبك عبر استخدام الصور المتتابعة ضمن إطار زمني محدد. كانت تكتب عن الناس، مشاعرهم والتفاصيل الصغيرة للحياة اليومية بطريقة مذهلة , حيث تحتوي الرواية على القليل من الحوار والأفعال، مكتوبة بشكل أفكار، تدخلنا الكاتبة إلى شخصياتها حيث تركز على عائلة السيد رمزي وأبنائه الثمانية، والرواية عموماً تنقسم إلى ثلاثة أجزاء. كل جزء يختلف عن الآخر. لكن الموضوع الأساسي في الرواية هو الرحلة إلى المنارة، إنها الرواية التي تمنحنا دفئاً من نوع خاص ونحن نرحل تاركين متاعبنا وهمومنا على عتبات منازلنا كل على طريقته. ‏

تركت فرجينيا وولف وراءها تاريخاً حافلاً بالأعمال الأدبية التي جاءت براعتها من بساطتها. منها عدد من الكتب النقدية, وسيرتين لاثنين من معاصريها, و26 مجلداً من المذكرات, وخمس عشرة رواية, فضلاً عن المراسلات، كما خاضت سجالات طويلة مع التقليديين في المراحل الأولى, ثم مع المجددين. ‏

إن أبرز ما يميز رواياتها إيقاظها للضمير الإنساني، والذي يعود إلى عشقها للطبيعة الذي أعطاها بعداً آخر من أبعاد الإنسان, لا مجرد ديكور. لذلك نجدها في رواياتها تتحرك باستمرار من الخارج إلى الداخل, ومن الداخل إلى الخارج, نحو امتدادات الطبيعة, إلى حيث البحر والغابات, وصوت المطر على الزجاج، بعيداً نحو سماء ترتعش بالغيوم والضباب, الذي يوشح الأشياء، وفي ذلك تقول: ‏

«حب الطبيعة مرض ولادي في الروح الإنكليزية». ‏

ماتت فرجينيا وولف غرقاً بعد أن ألقت بنفسها في الماء, فسمي موتها بموت الماء حسب تعبير ت اس اليوت في قصيدته الشهيرة، وذلك في شهر نيسان عام 1941 بعد أن تركت لزوجها وأختها هذه العبارات: ‏

«أحس أنني سأجن، صرت أسمع أصواتاً، ولم أعد أستطيع التركيز على العمل، قاومت هذا ولم أستطع المقاومة، أدين لكما بكل سعادة عرفتها في حياتي». ‏


ترجمة: إيمان الذنون- تشرين
عن الغارديان ‏

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...