«Facebook»شركة مساهمة بسيطرة ديكتاتور
8 سنوات بعد تأسيسه، يدخل موقع التواصل الاجتماعي الغني عن التعريف «Facebook» التداول العام، بعدما حوّل المعلومات الخاصّة لنحو 845 مليون نسمة إلى مشاع عام مغرٍ ومخيف في آن، كما هو الوضع في العالم الافتراضي برمّته. فقد قدّمت الشركة التي نشأت بذورها في غرفة مارك زوكربورغ (27 عاماً) في حرم جامعة هارفرد عام 2004، أوراقها للسلطات المعنية أمس لتنفيذ طرح أوّلي للأسهم (IPO)، يُتوقّع أنّ يكون الأضخم في عالم اقتصاد الإنترنت ومن بين الأكبر المسجّلة تاريخياً في جميع القطاعات؛ وللإشارة فإنّ الطرح الأوّلي الذي نفّذته «Google» في عام 2004 كان بقيمة 1.67 مليار دولار فقط.
وبحسب الأرقام المقدّمة فإنّ قيمة التداول الأوّلي ستكون 5 مليارات دولار؛ لكن بناءً على التوقّعات حالياً، فإنّ قيمة الشركة ستُصبح 80 مليار دولار نتيجة التداول في السوق الثانوية (أي عندما يبدأ تداول أسهمها في البورصة) ما يحوّل «العبقري الشاب» إلى أحد أصحاب المليارات بثروة تُقدّر بـ22.7 مليار دولار؛ وإذا وصلت قيمة الشركة إلى 100 مليار دولار فإنّ ثروته ستُصبح 100 مليار دولار، ما يجعله أحد أغنى الأغنياء في الولايات المتّحدة.
وتماهياً مع الصورة التي قدّمها عنه الفيلم الشهير، «الشبكة الاجتماعية»، للمخرج دايفيد فينشر، يبدو تحويل الموقع إلى شركة مساهمة عامّة مقوّضاً بسيطرة مؤسّسه الذي يُحكم القبضة على 28.4% من الأسهم. ولدى دمج أسهم «حلفائه» - على حدّ تعبير صحيفة «The Financial Times» - تُصبح النسبة التي يُسيطر عليها 57% ما يجعله ديكتاتوراً نوعاً ما على اكبر موقع تواصل اجتماعي .
ووفقاً للتحليلات الأولية التي تداولها الخبراء أمس، فإنّ ملكية مارك زوكربغ معظم أسهم شركته لن تحتاج إلى تعيين غالبية من المديرين المستقلين أو تشكيل لجان بمجلس الإدارة لمراقبة الأجور والمكافآت ومسائل أخرى، على ما تنقله وكالة «فرانس برس». كذلك فإنّ هيكل ملكية الشركة ولوائحها يتعارض مع ممارسات الحوكمة المشجعة للمساهمين والتي تطبق في الولايات المتحدة بعد سنوات من حملات قام بها المستثمرون.
ولكن إن كان هناك شفافية رُصدت أمس فهي في إعلان الشركة للمرّة الأولى عن نتائجها المالية. فهي قالت إنّ أعمالها ولّدت 3.7 مليارات دولار من العائدات في عام 2011، بزيادة نسبتها 88% مقارنة بالعام السابق. وارتفع العائد الصافي، أي الربح، بنسبة 65% إلى مليار دولار.
وإذ تبدو هذه الأرقام مذهلة إلّا أنّها تُثير القلق في آن واحد (وليس من منظور مؤامراتي!). فالمحلّلون يتحدّثون عن وصول الموقع إلى قمّة عالية ولذا يتساءلون عن أفقه: هل هناك مجال واسع للنمو الإضافي في المستقبل؟ الإجابة عن هذا السؤال صعبة جداً، وخصوصاً في ظلّ وصول الابتكار إلى مجالات عظيمة وأيضاً في ظلّ هاجس انهيار شركات التكنولوجيا المخيّم منذ بداية الألفية. وفي مطلق الأحوال يبدو النموذج المعتمد حالياً ناجحاً. فقد ولّدت الإعلانات 85% من إجمالي إيرادات الشركة، وهي مسألة منطقية نظراً لعدد مستخدمي هذا الموقع الذين يُشكّلون فريسة ممتازة للشركات المختلفة. وبحسب البيانات الرسمية للموقع هناك 845 مستخدماً شهرياً فاعلاً، وهناك 483 مليون نسمة يستخدمون الموقع يومياً (عند بداية عام 2012) ارتفاعاً بنسبة 48% مقارنة ببداية عام 2011. ويبلغ عدد مستخدمي موقع «Facebook» في لبنان 1.43 مليون نسمة، أي نحو 35% من عدد السكان، وفقاً لموقع «SocialBaker.com». وقد نما عدد المستخدمين بنسبة 10.93% خلال الأشهر الثلاث الماضية، أي بواقع 140960 مستخدم. أمّا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) فقد بلغ معدّل الاختراق 8.4% بنهاية عام 2011.
ويحلّ لبنان في المرتبة 68 عالمياً لناحية عدد المستخدمين فيما تتربّع اللائحة الولايات المتّحدة على رأس اللائحة بنحو 155.7 مليون مستخدم، وبنسبة اختراق تبلغ 50.19%. وفي المرتبة الثانية تحلّ الهند بـ43.5 ملايين مستخدم، إنّما بنسبة اختراق منخفضة جداً تبلغ 3.7%، نظراً لعدد السكان الهائل في هذا البلد والذي يتجاوز 1.2 مليار نسمة.
ومن بين البيانات اللافتة لمستخدمي موقع التواصل الاجتماعي هذا، تبرز مدينة الفاتيكان في المرتبة الأخيرة عالمياً بين 213 بلداً، بعشرين مستخدماً فقط ومعدّل اختراق يبلغ 2.41%. وتُسجّل جزر الفوكلاندز – وهي جزر في المحيط الأطلسي تسيطر عليها بريطانيا إنّما تطالب الأرجنتين بالسيادة عليها - بأعلى معدّل اختراق عالمياً يقارب 75%، فيما عدد المستخدمين فيها يبلغ 1900 مستخدم فقط!
على أي حال، ليس هناك أدنى شكّ في أهمية المكانة التي يشغلها «Facebook» في اقتصاد الإنترنت، ووفقاً للنمط التاريخي من المتوقّع أنّ يرتفع عدد مستخدميه إلى مليار نسمة قريباً. ما يجعله ثالث أكبر مجال (افتراضي) في العالم!
وفي زحمة الشكوك التي تحوم حول كيفية استخدام الموقع لكمّ المعلومات الهائل الذي يتدفق فيه، يؤكّد مارك زوكربرغ رسالته العفيفة. فهو قال في الرسالة التي بعثها للمستثمرين مرفقة بالأوراق الخاصة بطلب الطرح الأوّلي إنّ هذا الموقع «لم يؤسس في الأصل ليكون شركة بل أوجد ليُحقّق رسالة اجتماعية تتمثل بجعل العالم أكثر انفتاحاً».
نسي الملياردير كلمات مثل الديموقراطية والعدالة والمساواة، التي غالباً ما تترافق مع إعلانات كهذه – ولكن لا ضير في ذلك نظراً لسلوكه الحيادي حيال المسائل السياسية.
حسن شقراني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد