«نبيذ» فرنسي يجاري «شاي» الولايات المتحدة

06-11-2010

«نبيذ» فرنسي يجاري «شاي» الولايات المتحدة

لا يزال وزن التاريخ يفعل فعله في العلاقات بين الفرنسيين اللاتينيين وبين الأنكلوساكسونيين. ففي فرنسا يفضلون النبيذ على الشاي، وبالتالي عوضاً عن حفلات شاي لتسويق الأفكار اليمينية المتطرفة، تُقام «حفلات أبيرو» يقدم خلالها النبيذ ونقانق لحم الخنزير للتصدي لـ«أسلمة المجتمع الفرنسي».
وقد برزت هذه الظاهرة للمرة الأولى في حزيران الماضي في خضم الجدل الدائر حول ملفات الهوية الوطنية والنقاب والمهاجرين التي أطلقها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، والتي رأي فيها البعض استهدافاً مباشراً للإسلام في فرنسا. وقد انطلقت الفاعليات من دعوة على موقع «فايس بوك» للقاء في الدائرة الثامنة عشرة في حي غوت دور، حيث تعيش أكثرية من الطائفة المسلمة، من الفرنسيين والمهاجرين، لشرب «أبيرتيف الصداقة مع بعض المقانق».من التظاهرات المناهضة لسياسات ساركوزي
ووصفت آنذاك مجلة «الإكسبرس» الفرنسية هذه المبادرة بأنها «دعوة عنصرية تعوم فوق ظاهرة تواصلية اجتماعية». وبادرت الإدارة المدنية في باريس إلى منع هذا اللقاء، مبررة ذلك بـ«مخاطر إثارة اضطرابات أمنية». إلا أن هذا المنع «السلطوي»، حسب تعبير أحد مؤسسي الموقع، لم يمنع الحركة من التطور، وباتت تضم حسب قوله أكثر من «٦٥٠٠ عضو مشارك» على موقع «فايس بوك» تحت تسمية «Apérogéant saucisson et pinard ».
موقع الحركة يحتوي على مبررات الدعوة في هذا الحي بالذات، الذي تغيرت معالمه مع تحول المهاجرين إلى فرنسيين مسلمين، فنقرأ «لأن حي غوت دور يستمد اسمه من النبيذ الذي كان يصنع هنا، لأن الشوارع فيه يحتلها المصلون يوم الجمعة وهم من أعداء هذا النبيذ، لأن الكاتب إميل زولا ذكر هذا الحي في قصصه»، ثم يتوجه نحو الباريسيين ويصفهم بأنهم «منبوذون في عاصمتهم»، ويدعوهم للمشاركة «يوم الجمعة» في اللقاء. أما الملصق فهو حمل شعار «المقاومة» نفسه الذي كان يوزع تحت المعطف إبان الحكم النازي ويدعو المشاركين إلى «المجيء ومعهم أعلام فرنسية». وقالت سيلفي فرانسوا لإحدى الصحف يومها إن «هذه الدعوة هي تعبير عن نفاد صبرنا من أسلمة الحي». وأشارت إلى أن منظر المصلين يوم الجمعة «يصدم علمانيتي»، مضيفة: «أحس بأني منبوذة في الحي الذي ولدت فيه».
ومباشرة بعد إلغاء أول حفل، سارع المنظمون للدعوة لحفل ثانٍ في حديقة «شان دو مارس» تحت أقدام برج إيفل، فعمدت الشرطة إلى منعه مرة ثانية. إلا أنها لم تستطع منع اللقاء الثالث الذي جرى تحت قوس النصر في أعالي جادة الشانزيليزيه، وكان المشاركون من اليمين المتطرف و«حليقي الرؤوس» إلى جانب مؤيدي فريق سان جيرمان المشهورين بأنهم «هوليغان» ومتعصبون، ليس فقط لفريقهم، بل أيضاً لكل ما هو «أبيض»، احتواء الفريق عدد لا بأس به من اللاعبين القادمين إما من المغرب العربي أو من القارة السمراء.
لم تتأخر ردة فعل الأوساط الإسلامية الفرنسية على هذه الدعوات، فأطلق موقع آخر على «فايس بوك» أيضاً تحت تسمية «أبيرو حلال مع شاي أخضر في غوت دور» (Apérogéant Hallal et Thé à la menthe à la Goutte d>or) مع تبريرات مضادة تشير إلى أن هذا الحي فخور «بتنوع نسيج سكانه» وأنه رمز للانفتاح والتبادل، مع التشديد على أن أهالي الحي «ينددون بكل أشكال التشدد الديني والمظاهر السلفية».
في بريطانيا أيضاً، حيث الشاي الإنكليزي الشهير، نسجت «عصبة الدفاع الإنكليزية» (English Defence league)، التي وضعت هدفاً معلناً لها «منع أسلمة بريطانيا» عبر التصدي للحركات الإسلامية، علاقات متينة مع حركة «حفلات الشاي» الأميركية، حسب تحقيق قامت به صحيفة «أوبزرفر» الإنكليزية. وحسب معلومات مستقاة من أوساط العصبة فإن زعماءها يطمحون إلى التعاون مع الحركة الأميركية للاستفادة من صدى نجمها الصاعد اليوم والحصول على مساعدات مالية لتوسيع رقعة نشاط الحركة البريطانية المحافظة المتطرفة. ومن المعروف أن الناشطين في العصبة قد نظموا عدة مظاهرات معادية للإسلام في مدن بريطانية عدة شبيهة بتظاهرات الأبيرو الفرنسية، إذ شاب معظمها عنف وصدام مع الشرطة، وفي بعض الأحيان مع «شباب الأحياء».
وتتخوف السلطات الأمنية من أن يُسهم نجاح حركة حفلات الشاي الأميركية في تعزيز صورة الحركات المتطرفة اليمينية المحافظة واتساعها في الطبقات الشعبية، وخصوصاً في ظل مجموعة قرارات التقشف التي أقرتها الحكومة البريطانية أخيراً والتي تصيب هذه الشرائح وتُسهم في إسقاط شعارات «شوفينية بيضاء» تعزز من أفكار صراع الحضارات ومواجهة «الخطر الإسلامي».
ومن المعروف أن التيار السياسي الأميركي يستند إلى «حفلة شاي بوسطن» الشهيرة في عام ١٧٧٣ التي كانت منطلق حركة التمرد الأميركية للاستقلال عن الاستعمار البريطاني بعد رمي حمولة باخرة شاي في البحر للاحتجاج على ثقل الضرائب. ويظهر جلياً على الحركة تأثير فلسفة المحافظين الجدد، التي انطلقت من الولايات المتحدة ووصلت لأوج قوتها في عصر جورج بوش، التي تعتمد على مفاهيم أرنولد توينبي لصراع الحضارات. ويرى القوميون الأوروبيون اليوم أن وجود الغرباء والمهاجرين، وخصوصاً المسلمين، «هو امتداد لصراع الحضارات» وأن هؤلاء في غياب أي قدرة لدولهم على الانتصار على الغرب فهم يحاولون الانتصار بالتغلغل في المجتمع الغربي وبفرض ثقافتهم وعاداتهم وفي بعض الأحيان دينهم.
إلا أن بعض المراقبين لا يترددون بالقول إن هذا التأجيج الرسمي للشعارات الوطنية واستهداف المهاجرين والمسلمين خصوصاً هو لعبة خطرة جداً، لا تُسهم فقط بتسويق الأفكار الشوفينية المهددة للمجتمع الحديث وهيكليته، بل تُسهم بنحو غير مباشر في تبرير التطرف الإسلامي الإرهابي ويعطيه «تبريرات» لاستهداف الغرب.

سيرج أيوب
مثل العادة «في كل عرس لبلاد الأرز قرص»، ففي كل تجمع لحليقي الشعر (Skinhead)، أي المجموعات الأكثر تطرفاً وعنفاً في اليمين، نجد المدعو سيرج أيوب، اللبناني الأصل، على رأس شلة مؤيديه العنيفين.
يطلق على أيوب، المولود في فرنسا، لقب «بات سكينهيد» بسبب استعماله هو وعصبته عصا البيسبول الغليظة خلال مشاجراته. وقد بدأ «مسيرة نضاله» في الجامعات الفرنسية كرأس حربة التصدي لـ«الأممين والشيوعيين» ثم أصبح مع الوقت زعيم إحدى شلل هوليغان فريق سان جيرمان الباريسي تحت تسمية «كلان» (في تشبيه لمجموعة كوكلس كلان) قبل أن يؤسس حركة «الشباب القومي الثوري»، وترشح للانتخابات عام ١٩٩٣ وحصل على عدد محدود جداً من الأصوات (٠،١٧ في المئة). إلا أن نشاطه سمح له بالظهور مرات عديدة على شاشات التلفزة قبل أن يفرط عقد الحركة بسبب عنف أفرادها. وقد أسس عدة حانات لتكون على شكل مراكز اجتماع لمؤيدي العنف القومي وحليقي الشعر، وأشهر حانة كانت «كاراج». وقد عرف أيوب السجن تسعة أشهر بسبب بيع «منشطات لزيادة حجم العضلات». ومن آخر نشاطاته تنظيم «فرينش برايد» في إحدى حاناته استقبل خلالها مارين لوبن، وارثة رئيس الجبهة الوطنية اليميني المتطرف جان ماري لوبن، ما يمكن أن يشير إلى إمكان عودة أيوب للترشح على لوائح الجبهة.

بسام الطيارة

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...